فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ

 فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ

قوله تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله إِنَّ ألله وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة البقرة آية 115] قال بن عباس أي قبلة للصلاة النّافلة للذي يركب الدّابة. أمّا في صلاة الفرض لا بد من الاجتهاد والتحرِّي لمعرفة القبلة. قال الله تعالى: ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ سورة البقرة. هذه الآية نزلت في أمر يختص بالصلاة وهو المروي عن كافة الصحابة والتابعين وقولهم حجة، وظاهر قوله تعالى: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ ﴾ يفيد التوجه إلى القبلة في الصلاة النافلة فمن سعة فضل الله وواسع رحمته رخص لكم في ذلك لأنه لو كلفكم استقبال القبلة في مثل هذه الحال لزم أحد الضررين إما ترك النوافل وإما النزول عن الراحلة والتخلف عن الرفقة، بخلاف الفرائض فإنها صلوات معدودة محصورة فتكليف النزول عن الراحلة عند أدائها واستقبال القبلة فيها لا يفضي إلى الحرج، فبخلاف النوافل فإنها غير محصورة فتكليف الاستقبال يفضي إلى الحرَج.وأصل الوجه الجارحة. قال تعالى: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم [المائدة/6]، وتغشى وجوههم النار [إبراهيم/50] ولما كان الوجه أول ما يستقبلك، وأشرف ما في ظاهر البدن استعمل في مستقبل كل شيء، وفي أشرفه ومبدئه، فقيل: وجه كذا، ووجه النهار. وربما عبر عن الذات بالوجه في قول الله: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [الرحمن/27] قيل: ذاته. وقيل: أراد بالوجه ههنا التوجه إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، وقال: فأينما تولوا فثم وجه الله [البقرة/115]، كل شيء هالك إلا وجهه [القصص/88]، يريدون وجه الله [الروم/38]، إنما نطعمكم لوجه الله [الإنسان/9] قيل: إن الوجه في كل هذا زائد، ويعنى بذلك: كل شيء هالك وعلى هذا الآيات الأخر، وعلى هذا قوله: يريدون وجهه [الكهف/28]، تريدون وجه الله [الروم/39]، والمعنى: أخلصوا العبادة لله في الصلاة. وعلى هذا النحو قوله تعالى: فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله [آل عمران/20]، وقوله: ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى [لقمان/22]، ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله [النساء/125]، وقوله: فأقم وجهك للدين حنيفا [الروم/30] فالوجه في كل هذا كما تقدم، أو على الاستعارة للمذهب والطريق. وفلان وجه القوم، كقولهم: عينهم ورأسهم ونحو ذلك. وقال: وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى [الأعلى/19 - 20]، وقوله: آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار [آل عمران/72] أي: صدر النهار. ويقال: واجهت فلانا: جعلت وجهي تلقاء وجهه، ويقال للقصد: وجه، وللمقصد جهة ووجهة، وهي حيثما نتوجه للشيء، قال: ولكل وجهة هو موليها [البقرة/148] إشارة إلى الشريعة، كقوله: شرعة [المائدة/48. ووجهت الشيء: أرسلته في جهة واحدة فتوجه، وفلان وجيه: ذو جاه. قال تعالى: وجيها في الدنيا والآخرة [آل عمران/45] ولقد تأولَ البخاري رحمه الله تعالى الآية القرآنية: وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ قال البخاري إلا وجهَه أيّ إلا مُلكَه وسُلطانه إي كل ملك يفني إلا ملك الله تعالى وسلطانه فيكون هنا معنى الوجه في الآية السابقة الملك والسلطان، والبخاري من أكابر علماء السلف الصالح، وحملَ بعض أهل التفسير الآية فقال كل ما يُفعل ولإيراد به وجه الله أي رضاه يذهب، ويبقي ما بُتغيَّ به وجهَ الله وحده، فتكون الآية على هذا التفسير كل الأعمال تذهب إلا ما أريدَ به رضى الله فهو باقي لكَ في الأجر والثواب والحسنات عند الله تعالى.