علاج الهموم والأحزان

علاج الهموم والأحزان

في كل وقت وحين تتكاثر الهموم والأحزان على المسلمين وتتوالى حيناً بعد حين، وأحسنُ الكلام حسبنا اللهُ ونِعمَ الوكيل. وفي السيرة النبوية الشريفة من الأدعية ما فيه شفاء ودفع للهموم والأحزان فحريٌّ بنا أن نستعملها في النوازل والمصائب ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: ما أصابَ أحدا قط همّ ولا حَزَنْ فقال: اللهمَّ إني عبدُكَ ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدكَ، ماضٍ فيّ حُكمُكَ، عدلٌ فيَّ قضَاؤكَ، أسألُكَ بكلِ إسمٍ هوَ لكَّ، سميتَ به نَفسَكَ أو علمتَهُ أحداً من خَلقِكَ، أو أنزلتَهُ في كتابِكَ، أو إستأثرتَ بهِ في علمِ الغيبِ عندَكَ أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قَلبي، ونورَ صدري، وجلاءِ حُزني، وذهابَ همّي، إلاّ أذهبَ اللهُ همّه وحزنه وأبدلهُ مكانهُ فرحاً، قال: فقيلَ: يا رسول الله ألا نتعلّمها ؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سَمِعها أن يَتعلمها

وقد تضمن هذا الحديث أمورًا من المعرفة والتوحيد منها: أن الداعي به بدأ سؤاله بقوله: إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، وهذا يتضمن  الإعتراف بأنه مأمور منهي،  والعبودية هي نهاية التذلل والخضوع والإنابة، وامتثال أمر الله واجتناب نهيه، ودوام الافتقار إليه، والإستعاذة والإستعانة به، والتوكل عليه لأنه تعالى هو الخالق لكل شيء من النفع والضرر. 

ومعنى قوله: ناصيتي بيدك أي أنتَ يا ربي المتصرف في،َّ تصرفني كيف تشاء، لستُ أنا المتصرف في نفسي، وكيف يكون له تصرفٌ في نفسه مَن نفسه بيد ربه تبارك وتعالى أي بقدرته تعالى (واليدُ هنا ليست على المعنى المتابدر للذهن الجارحة،كلا، إنمّا على معنى القدرة لأنَّ الله تعالى متصف بالصفات التى لا تُشبه صفات غيره) فالعبد أموره بقدرة الله تجري حياته وموته وسعادته وشقاوته والأمر كله إلى الله تعالى ليس شيئاً في الوجود إلا تحت تصرف الله ومشيئته سبحانه وتعالى، ومن علمَ أن ناصيته ونواصي العباد جميعاً بقدرة الله ومشيئته  وحده تبارك وتعالى، يُصرِفُهم كيفَ يشاء يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويحي من يشاء ويميت من يشاء، من استحضر هذه المعاني إزداد علمه وحاله بفقره وضرورته إلى ربه في كل وقت وحين، وزهدَ في الخلق ولم يفتقر إليهم ، ولم يُعلِق أملهُ ورجاءه بهم، وحينئذ يقوى توكله على الله رب العالمين، ولهذا قال هود عليه السلام لقومه كما أخبر الله تعالى بقولهإِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ .

وقوله صلى الله عليه وسلم: ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ في قضاؤك قضاءُ الله كلهُ عدلٌ، وثوابه لمن يستحق الثواب بفضله ورحمته، وعقابه لمن يستحق العقاب بعدله وحكمته. ويدخل في هذا الدعاء أن أمور العباد كلها من صحة وسقم، وغنى وفقر، ولذّة وألم، وحياة وموت، وعقوبة وعفوٍ  وغير ذلك من الله خلقا وتقديراً.

وقوله: أسألكَ بكلِ إسم هو لك توسلٌ إلى الله بأسمائه كلها، ما علم العبد منها وما لم يعلم، وهذه من أحب الوسائل إليه، فإنها بأسمائه، وقد قال الله تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ،  ويُستفاد من قوله: أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك)) أنَّ لله عز وجل أسماء غير التسعة والتسعين المشهورة، والمذكورة في قوله صلوات الله وسلامه عليه: إنَّ للهِ تعالى تسعة وتسعين إسماً من أحصَاهَا دخلَ الجنة.

أنّ تجعل القرآن ربيع قلبي معناه القرآن ربيع القلوب، والمراد أن يجعل الله قلبي مطمئناً مرتاحا بسكينة القرآن وبركته، مائلاً إليه، راغباً في تلاوته وتدبره، منوّرا لبصيرته وفهم معانيه والتمتع بتلاوته وتكراره،  فتضمن الدعاء أن يحيىَ الله القلب بربيع القرآن، وأن ينوّر به صدره، فيصير القلب والنفس كالربيع المنعش، كما قال تعالى: أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا

فعليكم بالقرآن يا أيها المسلمون في الشدائد والرخاء فبتلاوة القرآن تهبط السكينة وتفرح نفوس المؤمنين ويحصل الخير العظيم، قال عليه الصلاة والسلام: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرؤوا القرآن وتدبروه، وأحلّوا حلاله، وحرموا حرامه، وعظموا حدوده، اقرؤوا القرآن فإنّ قراءة القرآن قربة من أعظم القُرب الى الله تعالى، وعبادةٌ من أجَلِ العبادات، يعطي الله عليها من الأجر والثواب ما لا يُعطي على غيرها، وقد بينَ النبيَ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله كثرة هذا الأجر بقوله: من قرأَ حرفاً من كتابِ الله فلهُ به حَسنَة والحسنةُ بعشرِ أمثالها، لا أقولُ: ألمّ حَرفْ، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حَرف.  اقرؤوا القرآن واجتهدوا في حفظه، فإنَّ العبد يتبوأ منزله في الجنة على قدر ما في صدره من القرآن، كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: يقال لصاحب القرآن: إقرأ وارتقِ ورتِل كما كنت تُرتل في الدنيا، فإن منزلتكَ عند آخرِ آيةٍ تقرؤها وتعلّموا هذه الكلمات وادعوا بها دائماً، عسى الله أن يُذهب عنكم الهمَّ والحزنَ، ويبدلكم مكانهُ فرحاً وسرورًا، كما وعدكم على لسان نبيه عيه الصلاة والسلام وعلى جميع إخوانه الأنبياء أجمعين.