ستر العيوب

ستر العيوب

لقد حثَنا الشرعُ الإسلامي على السَتر، سواءٌ كانَ من ناحية سترِ العورة، أو من حيثُ الستر عن الذنوب لمن أخفىَ ذلك ولم يُجاهر بها، فجائت النصوص على عدم إشاعة الفاحشة والترغيب في ستر المسلم على أخيه ومنها قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرة وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، وفي الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال  من سترَ على مسلمٍ في الدنيا سترهُ اللهُ في الآخرة. والسترُ ليس معناه الرضى والقبول بالفواحش والآثام إنمّا معناه عدم الفضيحة ونشر الخبر بين الناس ليكونَ أقرب للرجوع والتوبة والخلاص من هذه الفواحش، وهذا حُكم الستر مطلوب في حق الغير وفي حق النفس، فلا يجوز شرعاً لإنسانٍ سَترَ نفسَه بفعل الحرام أن يُشاع خبره ويُفضح بين الناس إلا لضرورة شرعية كالتحذير ونحوه. أما لمجرد نشر الخبر أن يُقال فلانٌ يفعل كذا أو فلانة فُعلَ بها كذا لمجرد الفضيحة فهو حرام!، وحتى في حق نفسه الإنسان ليس له أن يتكلم عن نفسه ويفشى ما فعله من محرمات ولو مضى عليها الوقت والزمن، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أبتُليَّ بهذهِ القاذورات فليَسَتِتر بسَترِ الله، أي من وقع في المعاصي فليبقىَ في سَتر الله ولايفضح نفسه بين العباد لأنّ الله تعالى يُحبُ السَترَ لنا، فعلى الإنسان أن لا يتحدث عن ماضيهُ من المعاصى والذنوب كقولِ البعض عن أنفسهم ماجرى لهم من المعاصي والأفعال المحرمه أو كالإخبار عن من كانَ معهم أو عن بعض من يعرفون. وقد حصلَ في أيام سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله أن رجلاً تقدم لخطبة إمرأة وكان لها سيرة مع رجل آخر ثم تابت وحَسُنَ حالها فما كان من أبوها إلا أنّ سَرَدَ ماضِيها للخاطب وحكىَ لهُ ما جَرى معها مما هو مستور فلما بلغَ الخبر أمير المؤمنين عاتبَ الأب وقال لقد كشفتَ سِتراً سَتَرهُ الله لأنّ عُدتَ إلى هذا لأفعلنَّ بكَ شىء يكونُ عبرةً للناس. لذلك يجب علينا الستر على الناس وعلى أنفسنا وقد حثَّ النبي عليه الصلاة والسلام حثاُ بلغياً على الستر فقال من سترَ على مسلمٍ فكأنّما أحيَا مَوءدَةً من قبرِهَا والموءودةُ هي البنتُ التى كانت تُدفن في الجاهلية حَيةً خوفَ العار، الرسولُ عليه السلام شَبهَ الذي يَسترُ على مسلم كالذي ينقذُ بنتاً دفنت حيةً في التراب يُرجِعُها لتعيش بينَّ الناس، فَليستُرِ الشخصُ على نفسه وعلى غيره ليَستُرَهُ الله تعالى يوم القيامة يوم تكشف الأمور على حقيقتها.  أما المجاهرُ الذي هو فضحَ نفسه في العَلن فهذا كشَفَ مُغطى وهتَكَ سِترَ، وعلى الذي يُريدُ النُصحَ أنّ يتبعَ أسلوب الستر والرفق لا الفضيحة والتشهير بين الناس، فإذا رأيتَ أخاك المسلم قد ارتكبَ خطأ لا مجال فيه لعذر أو شُبهة ، وجبَ عليك أن تتقدم إليه بالنصيحة سِراً، بينكَ وبينه لا أمامَ الناس، فإنَّ الإنسان لا يقبل أن يطلعَ أحدٌ على عيبه ، فإذا نصحتهُ سِرا، كانَ ذلك أرجىَ للقبول، وأدلُ على الإخلاص، وأبعدُ عن الشبهة، وأما إذا نصحته علناً أمامَ الناس فإن في ذلك  قد يكون  فيه شُبهة الحقد والتشهير، وإظهار الفضل، وهذه حُجُبٌ تمنعُ من إستماع النصيحة والاستفادة منها، ولقد كانَ من خُلقُ النّبي صلى الله عليه وسلم وأدبُه في إنكار المُنكر وتبيين الحق، أنه إذا بَلغهُ عن أحدٍ أو جماعة شيء مما يُنكَرُ فِعلهُ لم يَذكُر أسماءَهم عَلناً، وإنّما كانَ يقول:  ما بالُ أقوامٍ يفعلونَ كذا وكذا، فيَفهمُ من يَعنيه الأمر أنه هو المُراد بالنصيحة، وهذا يُعتَبَرُ من أرفَعِ أساليب النُصح والتربية، فالمؤمن الناصح ليس له غرضُ في إشاعة عيوبِ من ينصح له، وإنمّا غرضُه إزالة المعصية التي وقع فيها، فهو يُحبُ لأخيهِ ما يُحِبُ لنفسِه أما الإشاعة وإظهار العيوب فهو ممّا حرمَهُ الله تعالى ورسوله قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرة وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. فرق الله فى الآية بين من قصده النصيحة وبينَّ من قصده الفضيحة ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلا على من ليس من ذوي الفهم السليم، وعقوبة من أشاع السوء على أخيه المؤمن وتتبع عيوبه وكشف عورته أن يفضحه الله ولو بعدَ حين إلا أن يتوب، ومن مظاهر التعيير والتشهير: إظهار وإشاعته في قالب النصح زاعماً أنّ ما يَحمِلهُ على ذلك هو التحذير من أقواله وأفعاله، والله يعلم أن قصده التحقير والأذى، مثالُ ذلك: أنّ تَذُمَ رجلاً وتنتقِصَهُ وتُظِهرُ عيبه لتنفرَ الناس عنه رغبة منك في إيذائِه لعداوتك إياه أو مخافَتكَ من مزاحمته إياكَ على مالٍ أو رئاسةٍ أوغيرَ ذلك من الأسبابِ المذمومة، فلا تتوصلُ بذلك إلا بإظهار الطعنِ فيه بسبب من الأسباب الدينية أوالدنيوية.

وليُعلم أنّ الله تعالى مُطلع على القلوب فمن نصحَ فلينصح لله وليستُر ولايفضَح ففرقٌ بينَ النصيحةِ وبينَ الفضيحة، وليشفق المرء على من ابتلى بالمعاصى ويتمنى له الخلاص وحسن السمعة كما يتمنى لنفسه، والله تعالى أعلم وأحكم