أكل مال اليتيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

اليتيم شرعاً هو من مات عنه أبوه وهو صغير لم يبلغ الحلم، ، فالصبي يتيم، والصبية يتيمة، فإذا بلغا زال عنهما وصف اليُتم لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: ( لَا يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ )، يحرم التَّفريط في أموال اليتامى، والتَّسبُّب في ضياعِها، سواءٌ كان بعدم حفظها ، أو أكل أموالِهم التي ورِثوها، أو ما يأتيهم من الناس من أموال ونحو ذلك وهو من أعظم الذنوب الكبائر الموبقات عند الله عز وجل، قال الله تعالى في القرآن العظيم: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾، بينَّ الله سبحانه وتعالى أنَّ هذا الفعل حوباً كبيرا، أي: إثمًا عظيمًا، ووزرًا جسيمًا ، وكذلك من يَتعرَّض لأي ملك للأيتام كبيتٍ أو أرضٍ أو بناء ويستولي عليْها بغير حق، فهو داخل في عموم قول النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم:(اللَّهُمَّ إِنِّى أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعيفينِ الْيَتِيمِ والمرْأَةِ)" ومعنى"أُحَرِّجُ": أُلحقُ الحَرَجَ، وَهُوَ الإِثْمُ بِمَنْ ضَيَّعَ حَقَّهُما، ولم يأتي الأمر في القرآن لحفظ مال اليتيم فقط، بل جاء على النهي عن قربانه ومسه بغير حق، وفي كتاب الله البيان في العقوبة الشديدة على من يتخوضون في مال اليتامى لقدرتهم عليهم وضعف اليتامي وصغر سنهم وفقد أبيهم الراعي لمصالهم قال الله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾، وكفى بهذه الآية زجراً عن أكل أموال اليتامى أو تضيعها، فآكِلُ مال اليتيم بغير حق يُبعث من قبره وفَمهُ يتأججُ ناراً دلالة على سوء حاله وشؤم معصية التعدي على حق اليتامى، فاليتيم في شرع الله لا يجوز التصرف في ماله على خلاف مصلحتهِ، فمن أرادَ شراءَ شئٍ ليتيم من وصيّهِ الموكل بأمواله ، لأنّ هذا الشئ لا مصلحةَ لليتيم ببقائهِ عندهُ، يشتريهِ منه بثمن فيه ربْح لليتيم. قال الله تعالى:( وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ )، أي بالعدل ترعوا مصالحهم، فلا يجوز لأحد أن يستعمل ملك اليتيم من أثاثٍ وثياب ونحوه ولا أن يأكلُ ولايشربُ من مالهِ، إلا أنهُ يجوزُ للأم المحتاجةِ أن تأكلَ من مالهِ بقدرِ كفايتها. فما يفعله البعض من التعرض لمال اليتامى باطعام الناس في عزاء أبي اليتيم المتوفي من مال اليتيم فهو محرم ، وكذلك إستخدام حاجاته التى تنقص قيمتها بالإستعمال وتستهلك كالسيارة التى تركها المسلم لورثته الأيتام مثلا ، فانَّ هذا محرم لأنه في استعمالها ينقص من قيمتها وسعرها ، إلا لعذر كأن يكون في نقلها أو إستعملها فيه مصلحة للأيتام. وولي اليتامى ملزم على عمَل الأصلح لليتامى كما قال ربُّنا تبارك وتعالى:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ﴾، وكذا ليس للأخ الكبير البالغ أو العم أو الجد التسلط على مال اليتامى بحجة الصدقة عن أبيهم ، ولا بالتبرع بالمال للناس من مال اليتامى ولو رضيَّ اليتيم ، وكذا التعرض في تضيع عقار أو ملك لليتامى بغير حق فإنَّ من أخذ شبراً من أرض ظلماً جزاءه ما ورد في الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ)، فالإعتداء على عقار اليتامى أشدُّ ذنبًا من الاعتِداء على عقار سائر المُسْلِمين، فعلى مَن يلي أمْوال اليتامى ألا يتصرَّف فيها إلاَّ إذا كان في ذلك مصلحة لليتيم ومنفعة له إلى أن يبلغ رشده فيتصرف بماله لقولِ الله تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾، فما يراهُ الوصيُّ على اليتيم في مصلحته جاز أن يتصرف به ، وولي مال اليتيم أبٌ فأبوهُ فوصيٌ فقاضٍ، وعلى هذا لا تكون الأمُ ولا الجدة وليةً على مال اليتامى بمجرد موت الأب إلا أن يكون جعلها الأب وصيةً قبل موته أو حكم لها القاضي بذلك، فلا تتصرف الأم بمال اليتامى من غير ولايةٍ. ولو رصد مال لليتامى لا يُعطى لأمٍ بل يعطى لولي المال الوصيّ على اليتامى وهو ينفق منه على اليتامى بالعدل. ولعظيم أمر اليتامى أخد الله العهد على بني اسرائيل بلإحسان الى اليتامى قال الله تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى )، وكفالة اليتيم من تربية وإحسان وحفظ له و لماله وعنايةٍ ورعايةٍ لأموره من أعظم أعمال البر التى أمر الله بها ورسوله، وكافِل اليتيم جاء الخبر بعظيم أجره وأنه مع النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم في الجنَّة ، غيرَ أنَّ كلَّ واحد منهما له درجتُه الخاصَّة به، إذ لا يبلُغ درجة الأنبِياء غيرُهم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا ) وَأَشَارَ بأصبعيه بِالسَّبَّابَةِ والوسطى وفرّجَ بينهما، وهذه الفضيلة تحصُل لِمن كفلهُ من مالِ نفسه أو من مال اليتيم بولايةٍ شرعيَّة، واذا بلغ اليتيم ولم يكن سفيهاً سُلمَ المال له قال الله تعالى:﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ ، فليتق الله تعالى من تحته يتيم وليحسن اليه ويكرمه ، روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلَّا لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ)، ومن تعدى على يتيم فليسرع بالتوبة إلى الله والتعويض عن ما أخذ بغير حق إلى اليتيم أو دفع أجرة المثل إن استعمل حوائجه لغير مصلحته، والله تعالى أعلم وأحكم.