الإحتضار وخروج الروح

 

 

الروح هي ما يحي به الإنسان والحيوان والروح جسم لطيف خلقه الله وجعله في الإنسان والملائكة والجن والحيوانات علامة الحياة، وخروج الروح من الإنسان علامة الموت وانتهاء الحياة والإنتقال إلى حياة أخرى تسمى الحياة البرزخية وجاء في القران والسنة بيان بعض ما يتعرض له الإنسان عند احتضاره وخروج روحه، علماً أن الروح وماهيتها وتفاصيلها أمر أخفاه الله عنا لحكمة بالغة،ففي جديث عَبْدِ اللهِ بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ، إِذْ مَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَقَالُوا: مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ، لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقَالُوا: سَلُوهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَسَأَلَهُ عَنِ الرُّوحِ، قَالَ: فَأَسْكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَ: فَقُمْتُ مَكَانِي، فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، الروح مخلوق عجيب لا يعلم الخلق حقيقتها وكيفيتها إلا الله تبارك وتعالى فلا داعي للتكلف في معرفة تفاصيلها، وحسبنا أن نعلم أن أرواح المؤمنين تستقر بعد بلى الجسد في مكان يسمى عليين الى يوم القيامة، وأرواح أهل الشقاء مستودعها في مكان اسمه سجين، وتبدأُ أولُ مراحلِ الإحتضار بسكرَةِ الموتِ، ثم خروجِ الروحِ، الَّتِي تتفاوَتُ بين الناس فمن الناس من تقبض روحه بسرعة وفجائة ومنهم من يعاني سكرات الموت اياماً، قالَ اللهُ تَعالَى:(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)، ويستحب لمن حضر عند من يموت من المسلمين أن يلقنه قول " لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ " لحديث النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ)، ولقوله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ)، ويسنُ أن يقرأ عند المحتضِر سورة "يسٓ" لقوله صلى الله عليه وسلم قال:(اقْرَؤوا (يسٓ) عَلَى مَوْتَاكُمْ)، ويستحب لمن كان عند المسلم المحتضر: أن يطمعهُ في رحمة الله، ويحثه على تحسين ظنِّه بربه، وأن يذكر له الآيات والأحاديث الواردة في الرجاء وسعة رحمة الله تعالى وعفوه وكرمه ومغفرته، فهي من أسباب حسن الظن بالله، فهذا عبد اللهبن عباس يقول لسيدنا عمر رضي الله عنه يوم طعن وهو ينزف دماً: “يا أمير المؤمنين لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر رضي الله عنه فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنَّهم وهم عنك راضون” وتلك ساعة الاحتضار وقت عصيب لا ينجو إلا من رحمه الله من الفتنة، قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم:(وأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِيَ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَمات)، النبي معصوم إنما يعلم أمته هذا الدعاء ليستعيذوا بالله ان يفتنوا في تلك الساعة الحرجة، وقد روي أن الشيطان لا يكون في حالٍ أشد على ابن آدم من حال الموت، يقول لأعوانه: “دونكم هذا، فإنه إن فاتكم اليوم لم تلحقوه بعد اليوم“. فقوله صلى الله عليه وسلم:(وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت)، قال الخطابي ت388هـ في شرحه:(هو أن يستولي عليه عند مفارقة الدنيا، فيضله، ويحول بينه وبين التوبة أو يعوقه عن إصلاح شأنه والخروج من مظلمة تكون قبله، أو يؤيسه من رحمة الله، أو يكره له الموت ويؤسفه على حياة الدنيا، فلا يرضى بما قضاه الله عليه من الفناء والنقلة إلى الدار الآخرة، فيختم له، ويلقى الله وهو ساخط عليه)، ويقول ابن الجوزي ت597هـ: (وقد يتعرض إبليس للمريض فيؤذيه في دينه ودنياه، وقد يستولي على الإنسان فيضله في اعتقاده، وربما حال بينه وبين التوبة وربما جاء الاعتراض على المقدر؛ فينبغي للمؤمن أن يتجلد، ويستعين بالله على عدوه الشيطان في الرمق الأخير، فقد حدثَّ عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قال: حضرت وفاة أبي أحمد، وبيدي خرقة لأشد لحييه، فكان يغرق، ثم يفيق، ويقول بيده: لا بعد، لا بَعد، فعل هذا مراراً، فقلت له: يا أبتي أي شيء يبدو منك؟ قال: إن الشيطان قائم بحذائي عاضٌ على أنامله، يقول: يا أحمد فتني وأفلت مني، وأنا أقول: لا بعد، لا بَعد، حتى أموت.انتهى، قال الأنصاري في كتاب أسنى المطالب:(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعطَى-أي المُحتَضَر- جَرَعَاتٍ مِنَ الْمَاءِ)( فَإِنْ العَطَشَ يَغلِبُ مِنْ شِدةِ النَّزْعِ) فَيُخَافُ مِنهُ إِزلالُ الشَّيْطَانِ) لأَنَّهُ وَرَدَ أَنهُ يَأتِـي الشيطانُ بِـمَاءٍ زُلالٍ وَيَقُولُ: قَلْ لا إِلَهَ غَيرِي حَتَّى أَسقِيَكَ)، وبعدَ هذهِ السكرةِ المؤمن التقي يحضره ملك الموت الموكل بقبض الأرواح عزرائيل عليه السلام ومعه مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، بِيضُ الْوُجُوهِ، بيضُ الثيابِ، فَتَقُولُ لَهُ: "أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ". قَالَ: "فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِيّ السِّقَاءِ" وأما حال الكافر عند الموت ساعتها يعرف أنّه كافر في حال سكرة الموت لمّا يأتي عزرائيل وملائكة العذاب ، لمّا يحضرون هو يراهم، يضربونه، ملائكة العذاب يضربون المحتَضَر الذي هو كافر من أمام ومن خلف لكن صوته انقطع تلك الساعة، من شدة الألم ألم المرض الذي كان فيه، ألم سكرة الموت وألم ضرب هؤلاء الملائكة، ملائكة العذاب، يجتمع عليه ألمان شديدان، ألم المرض، ألم سكرة الموت، سكرة الموت أشدُّ من ألف ضربة بسيف، فوق هذا الكافر تلك الساعة يحِسُّ بضربة الملائكة، يضربون وجهه وخلفه عندئذ يعرف أنه من أهل النّار ليس أمامه راحةٌ ولا خير إنّما يُقْدِمُ على شىء أعظم، يكره الموت كراهيةً بحيث لو في استطاعته أن يحبس نفسه في هذا القفص، قفص الجسم لفعل، لكن ليس في استطاعته بل من شدّة الألم الذي ينزل به لا يستطيع أن يتكلّم، أغلب النّاس عند موتهم ترتبط ألسنتهم، الأتقياء بعضهم كذلك ترتبط ألسنتهم لكن أولئك ليس لأنهم على حالةٍ سيئة بل ليزيدهم الله درجات ليس هَوَاناً على الله، أمّا الكافر يرتبط لسانه لا يستطيع أن يوصي وصيّةً بما يهمّه من أمر أولاده وغير ذلك ارتبطت ألسنتهم من شدّة ألم سكرات الموت لسانهم صار لا يشتغل. قال الله تعالى:( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ)، وقال تعالى:( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ)، أي باسطوا أيديهم بالضرب فيهم بأمر ربهم؛ وبشروهم بالعذاب والغضب من الله، كما في حديث البراء أن ملك الموت إذا جاء الكافر عند احتضاره في تلك الصورة المنكرة يقول: اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سموم وحميم وظل من يحموم، فتفرق في بدنه، فيستخرجونها من جسده كما يخرج السفود من الصوف المبلول، فتخرج معها العروق والعصب؛ ولهذا أخبر تعالى أن الملائكة تقول لهم ذوقوا عذاب الحريق)، وخير ما يُفعل عند الإحتضار للميت المسلم، الدعاء له بالمغفرة وعظيم الأجر، وليحذر من الندب والعويل، والدعاء بالويل والهلاك، والسخط على القضاء والقدر فان السخط على قدر الله كفرٌ مخرجٌ من الملة ولو عند المصيبة، بل خير الكلام عندها الإسترجاع، وهو أن يقول: إنا لله وإنآ إليه راجعون. ففي حديث أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ يَقُولُ:(مَا مِنْ عَبدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أَجُرْنِى في مُصِيبَتِى وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ أَجَرَهُ اللهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا). وينبغي أن يقول من حضر ميت ما قاله النبي لأبي سلمة لما ضج ناسٌ من أهله، فقال: “لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ“، ثم قال: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ)، ومن كان حاضراً عند موت غير مسلم فليهتم بعرض الإسلام على المحتضِر الكافر، حتى ولو كان في آخر رمقٍ من حياته وهو من الدعوة إلى الله تعالى كما في قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب قال له: “يا عَمُّ قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ“، وقصته مع الغلام اليهودي الذي كان يموت فعن أنس رضي الله عنه، قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرِض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يَعُودُه، فقَعَدَ عند رأسه، فقال له: «أَسْلِم»، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أَطِعْ أبا القاسم، فأَسْلَمَ الشاب، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:(الحمد لله الذي أنقذه من النار)، ومن حضر ميتًا مسلما عليه أن يُغمض عينيه؛ لئلا يقبح منظره، فلما دخل رسول صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره أي: ارتفع فأغمضه، وكذا أن يُشد لحياه بلفافةٍ أو شاشةٍ؛ لئلا يبقى فمه مفتوحًا فيقبح منظره، وكذا تُستحب تغطية جسمه كله، فالنبي صلى الله عليه وسلم حين توفي “سُجِّي ببُردٍ حِبرة" أي ثوب مخطط ، ويُباح تقبيل الميت لأقاربه وأصدقائه؛ لما في البخاري عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما أن أبا بكرٍ رضي الله عنه قبَّل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، فتقبيله في رأسه أو وجهه أو خده، وسواءً قبل التغسيل أو بعده أو بعد التكفين لا بأس به. ودمع العين وحزن القلب من غير سخط لقدر الله جائز؛ ففي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله، فقال: يا ابن عوف إنَّها رحمة ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم:(إنَّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنَّا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون)، فاذكر يا قارئ هذا رحمك الله حلول ساعة الاحتضار بك، وحاسب نفسك ماذا عملت فيما مضى؟! وماذا عساك أن تعمل فيما بقي؟! وتذكركم ودعت في السنين المنصرمة من إخوة وأحبة وأقربين؟! وكم واريت في التراب من أصدقاء وأعزة ومحبين؟! واذكر أن الموت الذي تخطاك إليهم سيتخطى غيرك إليك، فإلى متى الغفلة يا عبيد الله الى متى...؟! أكثر من تذكر الموت، وأحسن الإستعداد له. اللهم الطف بنا عند خروج الروح ورحمنا برحمتك الواسعة يا أرحم الراحمين. والله تعالى أعلم وأحكم.