الشفاعة في الآخرة

 

 

 

الشفاعة في الآخرة أمر ثابت في القران والسنة والشفاعة هي طلب الخير من الغير للغير كطلب النبي العفو من الله تعالى عن بعض المذنبين الذين ماتوا من غير توبة، وهي ثابتة بنص القرءان والحديث قال الله تبارك وتعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: [مَن زار قبري وجبت له شفاعتي]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[لكل نبيّ دعوة مستجابة فَتَعَجَّلَ كلُّ نبي دعوتَه وإني اختبأتُ دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة فهي نائلةٌ إن شاء الله مَن مات من أمّتي لا يُشرك بالله شيئًا]. وروى عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى معاذ بن جبل وأبا عبيدة وعوفَ بن مالك، قال فقلنا نعم، فأقبل إلينا فخرجنا لا نسأله عن شيء ولا يخبرنا حتى قعد على فراشه فقال: [أتدري ما خيّرني ربّي الليلة؟] فقلنا الله ورسوله أعلم، قال: [فإنه خيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة]، فقلنا يا رسول الله ادْعُ الله أن يجعلنا من أهلها، قال [هي لكل مسلم] اهـ.

 

المحتاجون للشفاعة

المحتاجون لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم هم أهل الكبائر فقط لقوله صلى الله عليه وسلم: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي] معناه هم الذين يحتاجون إليها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [خُيّرت بين الشفاعة وبين أن يَدخُل نصف أمّتي الجنة فاخترت الشفاعة لأنها أعمّ وأكفي، أتُرَونها للمتقين، لا، ولكنها للمذنبين الخطَّائين المتلوّثين]. وقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح ما نصه «وقال ابن الجوزي: وهذا مِنْ حسن تصرفه صلى الله عليه وسلم لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي، ومن كثرة كرمه لأنه ءاثر أمته على نفسه، ومن صحة نظره لأنه جعلها للمذنبين من أمَّته لكونهم أحوج إليها من الطائعين» اهـ. أمّا الأتقياء والأولياء والشهداء فلا حاجة لهم للشفاعة كما يُعلم من النصوص الصحيحة الواضحة، بل إنه ثبت في أحاديث كثيرة صحيحة أنهم هم أهل شفاعةٍ لغيرهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [للشهيد عند الله ستُّ خصال يَغفِر له في أوّل دُفعة من دمه، ويُرى مقعدَهُ من الجنّةِ، ويُجارُ من عذاب القبرِ، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُحَلّى حُلّةَ الإِيمان، ويُزَوَّج من الحور العين، ويُشَفَّع في سبعين إنسانًا من أقاربه]،فالشفعاء هم الأنبياء وشهداء المعركة والعلماء العاملين والطفل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء والعلماء والشهداء)، والشفعاء من امة محمد صلى الله عليه وسلم كثر جاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن من أمتى من يشفع للفأم) أي الجماعة الكبيرة من العصاة ومنهم من يشفع للقبيلة ومنهم من يشفع للعصابة من العصاة ومنهم من يشفع للرجل حتى يدخلوا الجنة.

الشفاعة تكون على نوعين

شفاعة للمسلمين العصاة بعد دخولهم النار لإِخراجهم منها قبل أن تنتهي المدة التي يستحقّونها. وشفاعة لمَن استحقوا دخول النار من عصاة المسلمين بذنوبهم فينقذهم الله من النار بهذه الشفاعة قبل دخولها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يخرج ناس من النار بشفاعة محمد)، أما الكفَّار فلا أحد يشفع لهم قال تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾، أي لا يشفعون إلا لمَن ماتَ على الإِيمان قال ابن عباس لمن ارتضى الإسلام دينا، ورى البيهقي عن الحسن لمن رضي بلا إله إلا الله، وقال تعالى إخبارًا عن أصحاب اليمين من أهل الجنة أنهم يسألون الكفار وهم في النار: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فما تنفعهم شفاعة الشافعين﴾، وليس في قوله تعالى ﴿شفاعة الشافعين﴾، إثبات لحصول الشفاعة لهم وأنها تُرَدُّ بل المعنى أنه لا شفاعة لهم. وقال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾، فرحمة الله وسِعَت في الدنيا كل مؤمن وكافر لكنها في الآخرة خاصة لمن اتَّقى الشرك وسائر أنواع الكفر. وقال تعالى:﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، أي أن الله حرّم على الكافرين الرزق النافع والماء المُروي في الآخرة وذلك لأنهم أضاعوا أعظمَ حقوق الله على عباده وهو توحيده تعالى. فتبيّن لنا أنَّ الكافر لا يرحمه الله ولا أحد يشفع له، ثم إن النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسّلامُ هو أوَّلُ من يشفعُ وأوَّلُ من تُقبَلُ شفاعَتُهُ، وهو يختصُّ بالشّفاعَةِ العُظمَى وقد سُمّيت بذلكَ لأنّها لا تختصُّ بأمّتِهِ فقط بل ينتفعُ بها غير أمّتِهِ من المؤمنينَ، وهي لتخليصهم من الاستمرارِ في حَرّ الشّمسِ في الموقِفِ فإنَّ النّاسَ عندما يكونونَ في ذلكَ الموقف يقولُ بعضهم لبعضٍ: تعالَوا لنذهبَ إلى أبينا ءادم ليشفَع لنا إلى ربّنا، فيأتونَ إلى ءادم يقولون: يا ءادمُ أنت أبو البشرِ خَلَقَكَ الله بيدِهِ - أي بعنايةٍ منه ـ وأسجَد لكَ ملائكتهُ فاشفَع لنا إلى ربّنا، فيقولُ لهم: لستُ فلانًا، اذهبوا إلى نوحٍ فيأتونَ نوحًا فيطلبونَ منه، ثمّ يقولُ لهم ايتوا إبراهيمَ، فيأتونَ إبراهيم، ثم إبراهيمُ يقولُ لهم لست هناك - و معناهُ أنا لستُ صاحبَ هذهِ الشّفاعَةِ - فيأتونَ موسى فيقولُ لهم لستُ هناك، فيقول لهم ايتوا عيسى، فيأتونَ عيسى فيقولُ لهم لست هناك ولكن اذهبوا إلى محمّدٍ فيأتونَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فيسجدُ النَّبيُّ لربّهِ فيُقَالُ له ارفع رأسَكَ واشفَع تُشَفَّع وسَل تُعطَ. هذه تُسمَّى الشّفاعة العظمَى لأنّها عامَّةٌ. وأما الكفارُ فلا ينتفعونَ بها لأنهم يُنقَلونَ من هذا الموقفِ إلى موقفٍ أشدَّ لا يستفيدونَ تخفيفَ مشقةٍ ولا نَيلَ راحَةٍ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أنا أول الناس يشفع في الجنة وانا أكثر الأنبياء تبعا)، وليحذر مما ورد في بعض نسخ كتاب الإحسان في ترتيب ابن حبان السقيمة وهو ان كلا من الأنبياء الذين يطلب منهم الشفاعة في حديث الشفاعة وهم خمسة يقول عندما يطلب منه الشفاعة أنى أخاف ان يطرحني الله في النار لأن نسبة هذا لنبي من الأنبياء كر لأن النبي لا يظن بربه انه يطرحه في النارفما ذكر في كتاب الإحسان لأبن بلبان فهو مدسوس عليه.والله تعالى أعلم وأحكم.