تكفين الميت وحمله

يُكَفَّنُ بَعْدَ غسله وتكفينه يكون بما يحِلُّ له لبسه حيا من حرير وغيره. فَيَحِلُّ تَكْفِينُ أُنْثَى وصبيٍّ بِحَرِيرٍ (مع الكراهة) بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى إذَا وُجِدَ غَيْرُهَا وَكُرِهَ مُغَالَاةٌ فِيهِ (أي أن يكون غالي الثمن جدًا) لِخَبَرِ:(لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَرِيعًا)، (أي يبلى في القبر) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَأَقَلُّ الْكَفَنِ ثوب يَسْتُرُ كلَّ البدن، ولو أوصى بإسقاطه لأنه حق لله تَعَالَى بِخِلَافِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ وثلاث لفائف لمن تركَ تركة زائدة على دينهِ إن كان عليه دين، أو ترك تركة ولم يكن عليه دينٌ أصلا، ولو لم يملِك سِوَى هذه الثلاثِ إن أوصى من قدر على الثلاث، بترك التكفين بها، قالوا الواجب له ساتر جميع البدن. وفي قولٍ ضعيف، تُستَر عورته فقط إن أوصى بذلك، والمعتمد خلافه، وَأَكْمَلُهُ لِذَكَرٍ وَلَوْ صَغِيرًا ثَلَاثَةٌ يَعُمُّ كُلٌّ مِنْهَا الْبَدَنَ غَيْرَ رَأْسِ الْمُحْرِمِ لخبر الشيخين قالت عائشة: كُفِّنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ. وَجَازَ أَنْ يُزَادَ تَحْتَهَا قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ كَمَا فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ بِابْنٍ لَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَكْمَلُهُ لِغَيْرِ الذَّكَرِ مِنْ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى، خَمْسَةٌ إزَارٌ فَقَمِيصٌ فَخِمَارٌ فَلِفَافَتَانِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّنَ فِيهَا ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْإِزَارُ وَالْمِئْزَرُ: مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَالْخِمَارُ: مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ والقميص: ما يَسْتُرُ أَغلَبَ الجِسمِ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْخَمْسَةِ فِي الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهَا سَرَفٌ ، وَمَنْ كُفِّنَ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ بِثَلَاثَةٍ فَهِيَ لَفَائِفُ بِوَصْفِهَا السَّابِقِ، أي يعمُّ كلٌ منها البدنَ. وَسُنَّ كفن أبيض لخبر:(البسوا من ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ)، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ ومغسول قديم لأنه للصديد، وَالْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ كَمَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَنْ يَبْسُطَ أَحْسَنَ اللَّفَائِفِ وَأَوْسَعَهَا إنْ تَفَاوَتَتْ حُسْنًا وَسَعَةً كَمَا يُظْهِرُ الْحَيُّ أَحْسَنَ ثِيَابه وَأَوْسَعَهَا وَالْبَاقِي فَوْقَهَا ، وَأَنْ يُذَرَّ بِمُعْجَمَةٍ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ عَلَى كُلٍّ مِنْ اللَّفَائِفِ قَبْلَ وَضْعِ الْأُخْرَى عَلَيْهَا وَعَلَى الْمَيِّتِ حَنُوطٌ والحَنُوطُ بِفَتْحِ الْحَاءِ نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ (يجمعُ للميتِ فقط)، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَيَدْخُلُ فِيهِ: الْكَافُورُ، وَذَرِيرَةُ الْقَصَبِ ،وَالصَّنْدَلُ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ الْهَوَامَّ وَيَشُدُّ الْبَدَنَ وَيُقَوِّيهِ وَيُسَنُّ تَبْخِيرُ الْكَفَنِ بِالْعُودِ أَوَّلًا، (قبل بَسْطِ اللفائف) وَأَنْ يُوضَعَ الْمَيِّتُ فَوْقَهَا بِرِفْقٍ مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ، (وتُجعلُ يدَاهُ على صَدْرِهِ ويُمنَاهُ على يُسرَاهُ، أو يُرسلانِ في جَنْبَيْهِ) ، وَأَنْ تُشَدَّ أليَاه بخرقة بعد أن يُدَسَّ بَيْنَهَا قُطْنٌ عَلَيْهِ حَنُوطٌ، ويكره إدخاله باطِنَه إلا إن خيِفَ خروجُ شيءٍ لِعِلَّةٍ، وَأَنْ يُجْعَلَ عَلَى مَنَافِذِهِ كَعَيْنَيْهِ وَمَنْخِرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ (دفعًا للهوامِّ عن المنافذِ) وَعَلَى مَسَاجِدِهِ جَبْهَتِهِ وأنفِهِ وركبتَيْهِ وباطنِ كفَّيهِ وأصابعِ قدميْهِ قُطْنٌ عَلَيْهِ حَنُوطٌ وَتُلَفَّ عَلَيْهِ اللَّفَائِفُ بِأَنْ يَثْنِيَ أَوَّلًا الَّذِي يَلِي شِقَّهُ الْأَيْسَرَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَعْكِسَ ذَلِك وَيَجْمَعَ الْفَاضِلَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ وَيَكُونَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ أَكْثَرَ وَتُشَدَّ اللَّفَائِفُ بِشِدَادٍ خَوْفَ الِانْتِشَارِ عِنْدَ الْحَمْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا فيترك الشد لكن ينبغي أن يكون المراد شدا يمتنع في حق المحرم كالعقد أي إن كانت هذه العقدة لا يفعلها المحرم في حال حياته لا تفعل في تكفينه. ثم يحُلُّ الشِّدَادُ فِي الْقَبْرِ (تَفَاؤلًا بحلِّ الشَّدَائِدِ) إذْ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ مَعْقُودٌ. وَمَحَلُّ تَجْهِيزِهِ مِنْ تَكْفِينٍ وَغَيْرِهِ تَرِكَةٌ لَهُ يُبْدَأُ بِهِ مِنْهَا لَكِنْ بَعْدَ الِابْتِدَاءِ بِحَقٍّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهَا إلَّا زَوْجَةً وَخَادِمَهَا فَتَجْهِيزُهُمَا عَلَى زَوْجٍ غَنِيٍّ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا بِخِلَافِ الْفَقِيرِ وَمَنْ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ لِنحو نُشُوزٍ فإنْ لَمْ يَكُنْ له تَرِكَةٌ وَلَا زَوْجٌ غَنِيٌّ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، فَتَجْهِيزُهُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَيًّا فِي الْجُمْلَةِ، مِنْ قَرِيبٍ لِلْمَيِّتِ سَوَاءٌ فِيهِ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ لِعَجْزِهِ بِالْمَوْتِ. فَتَجْهِيزُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كنفقته في الحياة إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. فَإنْ تَعَذَّرَ بَيْتُ الْمَالِ فَهُوَ عَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ (أي أغنياء المسلمين) وَلَا يَلْزَمُهُمْ التَّكْفِينُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَوْبٍ وَكَذَا إذَا كُفِّنَ مِنْ مَالِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ مَوْقُوفٍ عَلَى التَّكْفِينِ ولا يُزاد على كفنٍ واحدٍ إذا كُفنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ مَوْقُوفٍ عَلَى التَّكْفِينِ.

حمل الجنازة

حَمْلُ جِنَازَةٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بِأَنْ يَضَعَهُمَا رَجُلٌ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَرَأْسَهُ بَيْنَهُمَا وَيَحْمِلَ الْمُؤَخَّرَيْنِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْآخَرُ مِنْ الأيسر وما مرَّ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ يَضَعُ أَحَدُهُمَا الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَالْآخَرُ عَكْسُهُ وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ يَحْمِلَانِ كَذَلِكَ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمل جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَلَا يَحْمِلُهَا إلَّا رِجَالٌ لِضَعْفِ النِّسَاءِ عَنْ حَمْلِهَا غَالِبًا وَقَدْ يَنْكَشِفُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ لَوْ حَمَلْنَ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ حَمْلُهَا وَحَرُمَ حَمْلُهَا بِهَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ، كحملها في غرارة (كالكيس) أو قُفَّةٍ (كالسَلَّةِ) أَوْ هَيْئَةٍ يُخَافُ مِنْهَا سُقُوطُهَا بَلْ تُحْمَلُ عَلَى سَرِيرٍ أَوْ لَوْحٍ أَوْ نَحْوِهِ

فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ قَبْلَ حُصُولِ مَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الْأَيْدِي وَالرِّقَابِ والْمَشْيُ وَبِأَمَامِهَا وَقُرْبِهَا بِحَيْثُ لَوْ الْتَفَتَ لَرَآهَا، أفضل من الركوب مطلقا وأفضل من المشي بِغَيْرِ أَمَامِهَا وَبِبُعْدِهَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أمام الجنازة وَرَوَى الْحَاكِمُ خَبَرَ الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالْمَاشِي عَنْ يَمِينِهَا وَشِمَالِهَا قَرِيبًا مِنْهَا وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَفِي الْمَجْمُوعِ يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الذَّهَابِ مَعَهَا لغير عذر اهـ ولكن لا يكره رُكُوبٌ فِي رُجُوعٍ مِنْهَا. لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فِيهِ (أي الرجوع) رَوَاهُ مسلم. وَسُنَّ إسْرَاعٌ بِهَا، إنْ أُمِنَ تَغَيُّرُهُ أَيْ الْمَيِّتِ بِالْإِسْرَاعِ وَإِلَّا فَيُتَأَنَّى بِهِ والإسراع فوق المَشْي الْمُعْتَادِ وَدُونَ الْخَبَبِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ الضُّعَفَاءُ الْخَبَبُ، وَهُوَ خُطًا مُتَقَارِبَةٌ بِسُرْعَةٍ لَا عَدْوَ فِيهِ ولَا وَثْبَ. لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ: أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ فَإِنْ خيف تغير بِالتَّأَنِّي أَيْضًا زِيدَ فِي الْإِسْرَاعِ وَسُنَّ لِغَيْرِ ذَكَرٍ مَا يَسْتُرُهُ كَقُبَّةٍ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ وَكُرِهَ لَغْطٌ فِيهَا أي الأصوات المرتفعة فِي الْجِنَازَةِ أَيْ فِي السَّيْرِ مَعَهَا وَالْحَدِيثُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، بَلْ الْمُسْتَحَبُّ التَّفَكُّرُ في أمور الموت وما بعده (ولا بأس بذكرٍ جَماعيٍّ) وَكُرِهَ إِتْبَاعُهَا بِإِسْكَانِ التَّاءِ بِنَارٍ فِي مِجْمَرَةٍ (للبَخُور) أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ يُتَفَاءَلُ بِذَلِكَ فَأْلُ السُّوءِ ولا يكره اتِّباع مسلم جنازة قريبه الْكَافِرِ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت إنَّ عَمَّك الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ قَالَ انْطَلِقْ فَوَارِهِ.