الوشم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى جميع النبين وسلم.

الوشم من معاصي البدن الكبيرة وهو المعروف في أيامنا بالتاتوtattoo"وبالدق، وفي فعل الوشم إيلام وضرر بالبدن لأنه وخزٌ بالإبر واختلاط الدم بالألوان المصنعة المضرة، ومن المعلوم شرعًا حُرمة الإضرار بالنفس أو بالغير قال تعالى: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» نصت الآية على النهي عن الإضرار بالنفس والإلقاء بها في المهالك، والأمر بالمحافظة عليها من المخاطر والأضرار وتحريم ما يؤدي إلى إتلاف الإنسان أو جزء من بدنه. وفعل الوشم في أي موضع من جسد الرجل أو المرأة حرامٌ من كبائر الذنوب وذلك لحديث الصحيحين عن عبد اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَال:« لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ والمستو شمات، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ » قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ، وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَتَتْهُ، فَقَالَتْ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: وَمَا لِيَ لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآلة وسلم؟ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ! فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُواقال العلامة الشيخ عبد الله الهرري في كتابه بغية الطالب في معرفة العلم الديني الواجب ما نصه:( ويُعفى عن محل الوشم المعروف الآن بالدَّق وهو غرز الجلد بنحو إبرة حتى يبرز الدم ثم يذر عليه نحو نيلةٍ ليزرق به أو يخضرَّ هذا إذا فعله لحاجة لا يصلح لها غيره ، أو كان وقت الفعل صغيرًا أو مجنونًا أو مُكرهًا أو جاهلاً بالتحريم معذورًا – أي إن كان قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء- أو لم يقدر على إزالته من غير ضرر يبيح التيمم، فإن فعله لغير حاجة أو لحاجة يصلح لها غيره وهو مكلف مختارٌ عالمٌ بالتحريم وجب عليه إزالته إن قدر عليها من غير ضرر يبيح التيمم ولا يصح وضوءٌ ولا غسلٌ ولا صلاةٌ ما دام ذلك موجودًا به، وإذا مسَّ به شيئًا مع الرطوبة نجَّسه، وهناك قولٌ ضعيفٌ عندنا ومعتمدٌ عند الحنفية أنَّ محل الوشم يطهر بالغسل وإن لم يزل اللون كما أفاده العلامةُ الحُلواني في رسالته المسماة "بالوسم"، وقال في موضع آخر رحمه الله تعالى: الذي يعجز عن إزالة الوشم اللائق بسماحة الدين أنه يعفى عنه وتصح طهارته انتهى، فالمرأة التي فعلت الوشم على حاجبيها يصح وضوؤها على قول بعض العلماء وان استطاعت ازالته من غير ضرر وجب عليها ازالته والتوبة طبعاً لازمة من هذا الفعل، والوشم في أيامنا تغير عن ما كان عليه بالماضي فأصبح يعمل بطرق مختلفة وأسماء وألوان متعددة ويستعمل له الآت كهربائية كالليزر ونحوه، واليوم فئة ليست بالقليلة من الشباب والشابات ابتلوا بهذه المعصية وتسرعوا بفعل الوشم فمنهم من يرسم صوراً لحيوانات مفترسة وجماجم وأفاعي وعقارب... ومنهم يرسم شعارات متعددة ومنها فيها رموز وشعارات لغير المسلمين، أو يكتبون أسماء من يحبون ويعجبون بهم، ومنهم من يرسمون زخارف وحروف وورد ملونة... وأبشع هؤلاء من يَشِمُ جسدَه بما يُشير إلى رموز الكفر وشعارات الفسوق، لأنَّ الفاعل ارتكب محظورين الوَشْم المحرَّم، والتشبُّه بمن رمز إليهم من الفسقة والكافرين، ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)، والعجيب أن البعض مرادهم عملا حسناً فيخلطونه بالمعصية وهم لا يشعرون وهم ليسوا معذورين كالذين يكتبون بالوشم آيات من القرءان أو يكتبون أسماء الله تعالى وأسماء الأنبياء والصالحين وهم غافلون أنهم يكتبونها فتختلط بالدم الذي هو نجس ففي وشمها معصية وذنب كبير أيضاً وإن غفلوا حالة الفعل أن هذه الآيات تكتب بالدم النجس في حكم الشرع حالة ظهوره خارج الجسم!! فهؤلاء خلطوا عملا بعمل بعمل فيجب التحذير الشديد من هذا الوشم لأنه ليس فيه تعظيم لأسماء الله ولا لأسماء الأنبياء والصالحين سيما أنها هذه الوشوم تكون معهم في المراحيض مكشوفة ، وربما كتبتها بعض النساء على موضع عورة وكشفتها للناس وغير ذلك مما هو مشاهد ، فما يظهر على أجساد الشباب والشابات من الوشوم تختلف عناوينها ومراداتهم بين واحد وآخر فهذا يريد أن يزداد جمالاً بالوشم، وآخر يريد أن يعبّر عن ظاهرة قوة وعنف، ومنهم مراده أن يلفت الانتباه إليه أو لتقليد مشاهير الفسق والمجون والمعاصي!!، غير أن النتيجة واحدة وقوع فيما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن فاعله والمفعول له، وتشبه بعادات غير المسلمين وأجساد ملونة برسوم وعبارات ستدخل معهم القبر في الغالب لأنها صعب إزالتها، ولقد رأيت شابا ميتاً أبواه مسلمان حضرنا غسله فلما نزع ثوبه عنه لأجل تغسيله غسل الميت ظهر على صدره ناحية قلبه وشماً رسم فيه ما يخذي ويستحى منه فخجل الحاضرون خجلاً شديداً، ومنهم من كتب كلمات شنيعة ثم تاب وصعب عليه محوها ، ولقد رأيت عند الكعبة المشرفة بالمطاف رجلا وشم على عضده صورة مخزية لامرأة عارية ظهرت منه أثناء لباس الاحرام فلما وقع بصري عليها غطاها وكاد أن يسقط خجلا…! فانظر إلى هذه المعصية كيف تبقى على الأجساد وهي فعل غفلة يصعب التخلص منها!! فلا يتسرع الشباب والشابات ويتبعوا عادات غير المسلمين فيندمون الندم الشديد، ودفع المال لفعل الوشم أيضاً فعل محرم من الكبائر ومن يفعل الوشم أو يفعله لغيره كلاهما عليه المعصية الكبيرة، وأما لو فعلت المرأة ما يشبه الوشم مما يزال كالرسم بالحناء وما كان على ظاهر الجلد ولا يمنع وصول الماء إلى الموضع عند الطهارة وكان مما يزال بعد مدة وكان ليس فيه تشبه بالعاهرات الفاسقات ولم يكن رسماً أو كتابة محرمة وعملته المرأة لأجل الزينة ليس له حكم الوشم المحرم الذي من الكبائر، وأما وشْمُ البَهِيمة كالبقر أو الماعز لتمييزها عن غيرها فيجوز لكن يفعله في غير الوجه لحديث النبيّ صلى الله عليه وسلم:(ولا يَسِمْ أحَدٌ الوَجْهَ)، ومن فعل الوشم المحرم وهو مكلف وأراد التوبة من هذه المعصية فعليه الندم والعزم على عدم العودة لمثل هذه المعصية وإزالته إن أمكن وإن لم يمكنه فتوبته صحيحة. والله غفور رحيموالحمد لله أولا وآخرا..