التبذير المحرم

التبذير من المعاصي الكبائر وهو بَذل المالِ في مَعصِية من معاصي الله تعالى كبيرةً كانت أو صغيرة، ومِن ذلك ما يُبذل للمُغنِيات والمغَنِين أجرةً، فإن أخَذُوا ذلكَ على وَجْه المُشَارطَة والاتفاقِ السّابِق فلا يحِلُ لهم ولا يَملِكُونه فيكونُ أكل مالٍ حَرام، وكذلك صرف المال على أي معصية من الكبائر كالذين يدفعون مالاً ليشاهدوا الراقصات والعاريات وكذا الذي يدفع المال للتكبر والاستعلاء على الناس أو يشترى لباساً أو مركوباً أو يفرش بيته بنية التكبر والاستعلاء على الناس وكذا من التبذير صرف المال على ما يسمى بعمليات التجميل من نفخ الشفتين والوجه وغير ذلك.. فان هذا ليس من الزينة المعهودة المباحة عند أهل الإسلام فهذا كله من المحرمات الكبائر. وأما قوله تعالى:( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)، فمعناه كما جاء في جامع القرطبي ما نصه: قال أشهب عن مالك التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه (أي صرفه في الإثم والمعصية) وهو الإسراف وهو حرام لقوله تعالى:( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)، وقوله إخوان يعني أنهم في حكمهم إذ المبذر ساع في إفساد كالشياطين. انتهى.. وفي جامع الطبري ما نصه: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " فإنه يعني أن المفرّقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته أولياء الشياطين وفيه عن ابن زيد إن المبذرين إن المنفقين في معاصي الله ، قال الرازي في التفسير الكبير: والتبذير في اللغة إفساد المال وإنفاقه في السرف قال عثمان بن أبي الأسود كنت أطوف في المسجد مع مجاهد حول الكعبة فرفع رأسه إلى أبي قبيس وقال لو أن رجلا أنفق مثل هذا في طاعة الله لم يكن من المسرفين ولو أنفق درهما واحداً في معصية الله كان من المسرفين وفيه " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " والمراد من هذه الأخوة التشبه بهم في هذا الفعل القبيح وذلك لأن العرب يسمّون الملازم للشيء أخا له فيقولون فلان أخو الكرم والجود وأخو السفر إذا كان مواظباً على هذه الأعمال. انتهى وقال ابن الجوزي في زاد المسير ومعنى قوله تعالى:"إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " لأنهم يوافقونهم فيما يدعون إليه ويشاكلونهم في معصية الله، فليعلم هذا وليحذر من اعتقاد أن كثرة إنفاق المال في المباحات تبذير محرّم والعياذ بالله عزوجل بل التوسع في الإنفاق في غير معصية لا يدخل في الآية بل هو من التنعم المكروه في بعض الأحيان وليس حرام، والتوسع في الإنفاق على المأكل والمشارب واللباس ونحوه مكروه إذا لم يكن بنية كإكرام ضيف ونحوه أما في الحرام فهو التبذير الذي نهى الله عنه عباده والله نهانا عن إضاعة المال في غير محله كالذين يهدرون الأموال والنعم من طعام ولباس ومال ينتفع به فيلقونه للتلف عمداً فهذا من إضاعة المال الذي سأل عنه المرء يوم القيامة، في الصحيحين أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كره لكم ثلاثًا: القيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". فمن إضاعة المال تلف الطعام الجيد والقائه في المزابل وكذا إهدار الماء والكهرباء لغير منفعة معتبرة وكذا كل مال ينفق على ما لا يرضى الله تعالى معدود من التبذير المحرم، والله تعالى أعلم وأحكم.