الظهار

قال الله تعالى:( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)، الظِهارُ هو أن يقولَ لزوجتِهِ ولو رجعيةً أنتِ عليَّ كظهرِ أمي(أي لاأجامعك)، وكذلكَ قولهُ أنتِ كيَدها أو بطنها وكذلكَ سائرُ المحارمِ لما فيهِ من إيذاءٍ للمرأةِ. وسُمِّيَ ظِهارًا لتشبيهِ الزوجةِ بالظهرِ، وإنَّما خُصَّ الظَّهرُ لأنهُ محلُّ الركوبِ والمرأةُ مركوبُ الزوجِ ولِذا يُسمَّى المركوبُ منَ الإبلِ ونحوهِ ظَهرًا، وذكر الظهر كناية عن معنى الركوب، والآدمية إنما يركب بطنها ولكن كنى عنه بالظهر، لأن ما يركب من غير الآدميات فإنما يركب ظهره، فكنى بالظهر عن الركوب. ويقال: نَزلَ عن إمرأته أي طلقها كأنه نزلَ عن مركوب. والظهار منَ الذنوب الكبائرِ ووصفهُ اللهُ تعالى بأنهُ منكرٌ وزورٌ لِما فيهِ من تشبيهِ زوجتهِ بأمِّهِ في التحريمِ، والذي جرتْ عادةُ الجاهليةِ بهِ هو أنهم كانوا يعتبرونهُ طلاقًا وهو ليسَ بطلاقٍ. ويترتبُ على الظهارِ إنْ لم يُتبِعَهُ بالطلاقِ فورًا الكفارةُ وحُرمةُ جِماعِها قبلَ ذلكَ. وحكم الظهار نزل في أول سورة المجادلة وسببب نزولها أنَّ الصحابية خولة بنت ثعلبة  الأنصارية شكت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم زوجها أوس بنَ الصامت أنه ظاهرَ منها وحرمَها على نفسه كحرمةِ أمهِ، وكان به حِدَةٌ، وعندَهُ سُرعة غضب، فعن عائشة رضى الله عنها قالت: "تباركَ اللهُ الذى وسِعَ سَمعُهُ كلَ شىء! إنى لأسمعُ كلامَ خولة بنت ثعلبة، ويخفى على بعضهُ، وهى تشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها، وهى تقول: "يا رسول الله أكلَ شَبابى، ونَثرتُ له بطنى، حتى إذا كبرت سِنى، وانقطعَ له ولدى؛ ظاهَرَ منى، اللهمَّ إنى أشكو إليكَ، قالت عائشة رضي الله عنها: فما بَرِحَتْ حتى نزلَ جبريل عليه السلام بهؤلاء الآيات:( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ )، قالت فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا خويلة! ابن عمك؛ شيخ كبير، فاتقي الله فيه" قالت: "فوالله ما برحت حتى نزل في القرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سري عنه، فقال لي: "يا خويلة! قد أنزل الله فيك وفي صاحبك" ثم قرأ علي:( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، إلى قوله:(وللكافرين عذاب أليم) [المجادلة: 4] فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مُريه فليعتق رقبة" قالت: "فقلت: والله يا رسول الله! ما عنده ما يُعتق" قال: "فليصُم شهرين متتابعين" قالت: "فقلت: والله يا رسول الله! إنه شيخ كبير؛ ما به من صيام" قال: " فليطعم ستين مسكينا؛ وِسْقاً من تمر" قالت: "قلت: والله يا رسول الله! ما ذاك عنده!" قالت: "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإنا سَنُعِينُه بعِرقٍ من تمر" قالت: "فقلت: وأنا يا رسول الله سأعينهُ بعرقٍ آخر" قال: "قد أصبتِ وأحسنتِ، فاذهبي فتصدقي عنه، ثم استوصي بابن عمكِ خيرا" قالت: "ففعلتُ" واستدل من هذا الحديث على أن الغضب لايسقط حكما، قال القرطبي في تفسيره: "من غضب وظاهر من إمرأته أو طلق لم يسقط عنه غضبه حكمه" أهـ