الغلول

من معاصي البدن الكبائر الغلول[1] وهو الأخذُ من الغنيمةِ قبلَ القسمةِ الشرعيةِ وهو من معاصي اليدين الكبائر[2]، جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: (قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ ثُمَّ قَالَ لَا أُلْفِيَنَّ[3] أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ[4] يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ [5]فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ[6] يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ " أي ذهب ٌ أو فضةٌ" فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ.)، واللفظ عند مسلم. والغلول من مال الغنيمة قبل القسمة جاء الوعيد الشديد فيه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : كَانَ عَلَى ثَقَلِ[7] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ [8]، فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (هُوَ فِي النَّارِ) ، فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ، فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا، رواه البخاري وفي رواية مسلم عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ خيبر قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَعْنِي نَاسًا , فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ , وَفُلَانٌ شَهِيدٌ , حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَلَّا إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي عَبَاءَةٍ غَلَّهَا أَوْ بُرْدَةٍ غَلَّهَا [9]. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا ابْنَ الْخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ . فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ وروى أحمد وغيره من حديثِ عُبادةَ بنِ الصامتِ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لَا تَغُلُّوا فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ وَعَارٌ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ). ثم إنّ الغنائمَ كانت محرّمةً على من قبلنا فلما كان يوم بدر أسرعَ الناسُ إلى الغنائمِ فنزلت الآية بتحليل الغنائم، قال الله تعالى: ( لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )،[10] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أُحِلَّتْ لنا الغنائمُ ولم تَحِلَّ لأحدٍ سُود الرؤوسِ[11] قبلنا) رواه ابن حبان، سودِ الرؤوس أي سود شعر الرأس، وأما الأنبياء السابقون فكانوا يجمعون الغنائمَ في موضع فتنزل نارٌ من السماءِ فتحرقها.

 


[1]   الغلول: أخذ المال من الغنيمة في خفاء. والفعل منه غل يغل بضم الغين.ذكره أبو حيان في البحر المحيط. جاء في حاشية البجيرمي على الخطيب: غُلُولٌ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَاللَّامِ أَصْلُهُ الْخِيَانَةُ؛ لَكِنَّهُ شَاعَ فِي الْغُلُولِ فِي الْغَنِيمَةِ. اهـ.

والْغُلُولِ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ آخِذَهُ يَغُلُّهُ فِي مَتَاعِهِ أَيْ يُخْفِيهِ فِيهِ وَنَقَلَ الْنَوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلى أَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ .

[2] يجوزُ التبسُّطُ بأخذِ بعضِ مأكولٍ له أو لدابتهِ من مالِ الغنيمةِ قبلَ القسمةِ بشروطٍ معروفةٍ في كتب الفقهِ.

[3] قَوْلُهُ لَا أُلْفِيَنَّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِالْفَاءِ أَيْ لَا أَجِدُ

[4] قَوْلُهُ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمَدِّ صَوْتُ الْبَعِيرِ .

[5] قَوْله: (حَمْحَمَة) ، بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ: صَوت الْفرس إِذا طلب الْعلف.

[6] قَوْلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمَدِّ صَوْتُ الشَّاةِ يُقَالُ ثَغَتْ تَثْغُو ٌ

[7]    قَوْلُهُ عَلَى ثَقَلٍ بِمُثَلَّثَةٍ وَقَافٍ مَفْتُوحَتَيْنِ الْعِيَالُ وَمَا يَثْقُلُ حَمْلُهُ مِنَ الْأَمْتِعَةِ .

[8] قَالَ ابْنُ سَلاَمٍ : كَرْكَرَةُ يَعْنِي بِفَتْحِ الكَافِ : وَهُوَ مَضْبُوطٌ كَذَا وفيه خلاف

[9] ( إني رأيته في النار في بردة) بضم الموحدة: ثوب مخطط ( غلها) أي: أخذها من الغنيمة قبل أن تقسم

[10] [الأنفال: ٦٨]

[11] والمُرادُ بسُودِ الرُّؤوسِ بنو آدمَ؛ لأنَّ رُؤوسَهم سُوداءُ، كأنَّه يقولُ: لم يُحِلَّ اللهُ أخْذَ الغنائمِ لأحدٍ من البَشرِ، "من قبْلِكم"، أي: من الأُمَمِ الَّتي سبَقَتْ أُمَّةَ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ