حبُ الدنيا رأسُ كُلِ خطيئة

حبُ الدنيا رأسُ كُلِ خطيئة

إن الناظر في أحوال الكثيرين من أهل الجالية العربية يجد أنه أضاع الهدف الذي غادر بلاده لأجله ونسي ما عاهد النفس عليه ووقع في حبال الدنيا وزينتها وتجرد عن القيم، وكل ذلك لأجل الدنيا التى ينطوي تحتها حبُ المال والتوصل إليه بأي وسيلةٍ، وحبُ الدنيا و زينتها من البيوت الفاهرة والسيارات الباهرة واللباس... مع نسيان الموت والآخرة والحساب والوقوف يوم القيامة لأسترداد الحقوق من أصحابها، كل هذا يدخل في معنى القول المأثور "حبُ الدنيا رأسُ كلِ خطيئة" أنظر لمن ضّيعَ الصلوات وارتكبَ الموبقات أليس وراءَ ذلك شهوة من شهوات الدنيا كالمالِ والترفِ والزينةِ المؤقتة !؟، ثم أنظر لمن أكلَ أموال الناس وأستدان بالكرت أو بغيره ولم يدفع وتهرب واحتال وتملصَ أليس وراء ذلك حبُ الدنيا!؟ أنظر لمن لحق الغانيات وسعى خلف المومسات وترك الزوجة والعيال أليس وراء ذلك حب الدنيا والشهوات؟ ثم أنظر لمن هانَ عليه دينه فسكت عن إظهار الحق وأعان على الباطل بل على الكفر أحياناً كل ذلك لأجل كلمة مدح وثناء أو قليل من المال وقد نسي الغافل أن المال ظلٌ يزول، وأن الناس المداحين له لن يغنوا عنه شىء بعد الممات!! ولا تنسى من صارت نفسه على استعدادٍ لطرق كل الأبواب ومهما كانت سواء على حساب الشرف أو الأخلاق أو الدين مقابل الدولار وأشد العجب لمن يتاجر بالدين فيأمر بالتقوى وهو من أشد الناس بعداً عنها بل هو محرك فتن وجابي أموال من هنا وهناك مقابل فتاوى ما أنزلَ اللهُ بها من سلطان فتلك المصيبة الكبرى فأن تتعرى المرأة لتأكلَ بجسدها فتلك كبيرةٌ، وأن يقامر الرجل لأجلِ زيادة ماله إثمٌ كبير وظلمٌ، ولكن أن يأكلَ المرءُ بدينِهِ فتلكَ الفاجعةُ الكبرى فإنّ كان من يحلف باسم الله كاذباً يقع في معصيةٍ وأي معصيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةٌ لايكلمهم الله يوم القيامة، أي يكون الله غاضباً عليهم وعدَّ منهم المنفقُ سِلعتة باليمين الكاذبة، وسُميت اليمينَ الغموس لأنها تغمسُ صاحبها في الذنب فما بالكَ بمن يفترى على الله وبمن بستحلُ ما حرَمَ الله، ويستحسنُ ما هو قبيح في شرع الله من الفواحش وكل ذلك لأجل حب الدنيا.

وإنَّ الوقت اليوم زمنٌ تغيَّرت فيه الكثيرٌ من القِيَم الصّحيحة وتبدَّلت فيه المفاهيمُ المستقيمة، عالمٌ تكالبَ فيه الكثير من البشَر على التنافُس في جلبِ المصالح واستِحصالِ المنافع، الدّنيا ومتاعها هو الغاية القصوى عند الكثيرين، والغريبُ العجيب أنّ بعضًا من المسلمين غلبته تلك الموجةُ العاصفة فزلَّت به القدمُ ومالَت به النفسُ الأمّارة بالسّوء، فراح يجمع الدّنيا جشع و بكلِّ طريق يستكثِرُ منها بأيِّ سبيل، حتى صدَق على بعضٍ وليس بالقليلِ إخبارُ النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بقولِه: ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يُبالي المرءُ بما أخَذَ المالَ أمِن الحلال أم مِنَ الحرام رواه البخاري. والمكاسبُ المحرَّمة ذاتُ عواقبَ وخيمةٍ وآثارٍ سيّئة على الفرد والمجتمع أخطرُها وأشدّها أنها سببٌ من أسبابِ دخول النار، والوقوع في ما حرم الله الجبّار، فرسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: إنّه لن يربوَ لحمٌ نبت من سُحتٍ إلا كانتِ النّار أولى به، والسّحتُ مصطلح شرعيّ يشمل كلَّ مال اكتُسِب بالحرام، فالحذَر الحذَر من كَسبِ الأموال من غير سُبُلها المباحَة ونيلِها من غيرِ طُرُقها المشروعة، فلقد أتتِ المكاسِبُ المحرَّمة على بيوت آكليها فخرَّبتها ودمرتها، ودكَّت صروحَ عزِّهم ومجدِهم فهَدَمتها وأورثتهم الذل والعار، فبماذا يكون الجوابُ إذا سئلوا غدًا في القيامة والحساب عن هذه الأموال بأيّ وجهٍ أخذوها!؟ وبأيّ فتوى إستباحوها؟ فأنت ستسأل عن المال من أينَ اكتَسَبتَه؟ وفيم أنفَقتَه؟ كما صحَّ بذلك الخبر عن سيد الخلق محمد صلوات الله وسلامه عليه.

وإن أقوامًا في هذا الزمان جعلوا الدنيا رأس مالهم، فسعوا في جمع حطامها الزائل من كل باب، وتهارشوا عليها تهارش السباع والكلاب الضارية على الجيف، فطغوا وتكبروا وفسقوا وتجبروا وغفلو في متاهاتها، تركوا أوامر الله إذ ألبسهم الصحة والعافية وأعطاهم الأمن واسكنهم البلاد، فاستعلوا وتكبروا على عباد الله بما حازوا من هذه الدنيا الفانية الزائلة، ومشوا في الأرض مَرَحًا وبطراً، حياتهم تكبر وفخر وخيلاء واستعلاء وغفلة، ومعاملتهم مكرٌ واحتيال وتزوير وتزيف وخبث وخداع، ينفقونَ بذَخًا وسرفًا وتكبراً واستعلاءً على الناس، ويطلبون تنعّمًا وترفًا وشجعاً، يركبون أفخم السيارات وأغلاها ليشار أليهم بالبنان، ويسكنون أوسع البيوت وأعلاها، يباهون الناس بما يركبون ويسكنون إستعلاء وتكبراً، ولا يبالون بما في ذممهم من القروض والديون  والمظالم وحقوق العباد، همهم الظهور أمام الناس بمظهر الغنى وكثرة المال والترف، وليس يهمهم بعد ذلك من أي السبل جمعوه، ولا من أي الطرق حصلوه، أمن حلال أم من حرام ؟! بل لقد أصبح عند كثير من الناس أن ما حل في يده وجيبه فهو الحلال!!، وأن ما لم يحصله فهو الحرام هكذا ظنوا وتوهموا، ولهذا تجده يسلك المسالك الملتوية، ويرسم الخطط الآثمة، لتحصيل أكبر قدر من المال بالحرام، ولو على حساب الآخرين، فتارة يغش ويسرق، وتارة يرتشي ويُرابي، ومرة يبيع  الخمور والمحرمات متستر بفتاوى فاسدة، فكم من زوج أنقلب وكاد وافترى على زوجته أم أولاده لأجل المال والدنيا وكم من زوجة قاضت زوجها ظلما واشتكت عليه  في المحاكم لأجل أن تقاسمه المال وكأن الدنيا هي نهاية المطاف!!!

وكم من أصدقاء خانوا بعضهم ونسو الودَّ الذي بينهم، فسرق الشريك شريكه وأكل الصاحب مال صاحبه حباً وطمعا بالمال فحلت القطيعة وانمحقت البركة وحلت الخصومة، ولا ننسى المنفقين للأموال على الحفلات الماجنة المحرمة ولهم من الأقارب والأرحام من يبات جائعًا... فكم تهدر أموال على حضور حفلات المجون المسمى بالطرب ، فترى الذي يكدُّ ويتعب وأحيانا قد يسرق ويحتال ثم يأتينا أو تأتينا بأسم الفن من يجمع الملاين بليلة واحدة إما لصوت خليع  مفتن أوجسد شبه عارٍ فاضح، وبليلة واحدة من سهرات الفسق يجمع أوتجمع أكثر مما يسرق بعض الحكام الذين تقام الثورات وتنزف الدماء لخلعهم!، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وليس يبعد عن الأذهان حال كثير من المخدوعين المخذولين الذين استخدموا كل ما أوتوا من فصاحة اللسان، فخدعوا الهمج الرَعَاع، وساقوا معهم قطيعًا ممن لا يرجون لله وقارًا، ليشهدوا لهم بالزور والكذب، فيصدقوا كذبهم ويغطوا عوَرهم ويطّربوا لهم ويدعون أنهم أنصار الله والدين ، بل قد يرون فيهم أشباه الصحابة وهم في أشد البعد عن هذه الكلمة معناً ولفظا،ً ذلكم هو حالنا وواقعنا للأسف...

الكثير من جاليتنا يبيعُ الدينَ بالدنيا، ويستبدل الأدنى بالذي هو خير وأبقى، إلا من رحمَ الله المولى ، اللهمَّ إغننا بحلالك عن حرامكَ ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا يا أرحم الراحمين.