التبرك بالآثار النبوية

التبرك بالآثار النبوية

التبرك في لغة العرب هو طلب البركة  أي الخير والزيادة من الخير من الله تعالى، وفي الإصطلاح هو الحصول على الخير على وجه السبب معناه اطلبُ من الله تعالى أن يجعل لي الخيرَ من أجل سبب مثل الأنبياء والأوقات والأماكن المباركة، واعتقادُ البركة في هذه المخلوقات على معنى أنَّ الله تعالى يخلق فيها  النفع كالشفاء من الأمراض وذهاب الضر وحصول الخير، ومن المعلوم  في الشريعة أنَّ المسلمون يعتقدون  البركة في الكعبة و في ماء زمزم والحجر الأسود و..نحوه، لما خصها  الله تعالى بهذه المزية كما خصَ الوادي الذي كان فيه موسى عليه السلام بالوادي المقدس المبارك قال الله تعالى إنك بالوادِ المُقدّس طوى وكما بارك الله بالأرض التى حول بيت المقدس، وبالأولى أن يكون في نبي الله محمد البركة وكذا بآثاره المباركة ولذلك دأبَ الصحابة رضوان الله عليهم على الحرص على التبرك بالآثار النبوية المباركة، ومن المهم المفيد أن يذكر أن الله تعالى خلق الأسبابَ والمُسببّات، وأنَّ الله هو الشافي المعافي، وأن الطبيب والدواء سببانِ لحصول الشفاء، والله يحبُ من عباده الأخذ بالأسباب في عمل الخيرات للتوصل إليها، فهذا لاينُافي مبدأ التوكل على الله سبحانه وتعالى ومن هنا يُعلم أنَّ التبرك بالأنبياء والأولياء والصالحين وءاثارهم ولباسهم ومقتنايتهم  ليس عبادة لهم، وإنما هو أخذٌ بالأسباب، فالله تعالى هو النافعُ الضار على الحقيقة، فالتبركُ بالأنبياء عليهم السلام واءثارهم من الدين، وقد علمه الأنبياء والمرسلون لأقوامهم فهو ليس بدعة قبيحة تخالف الدين. ولا شكَّ من أنّ النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم كُلهُ بَركة وقد حرص عليه السلام على إستبقاء أثرٍ شريف في الأمة المحمدية، ليكونَ بركة مستمرة على تعاقب السنين ، فقد أمرَ أن يوزعَ شعره على الصحابة ووزعَ هو بنفسه بعضها، فجزىَ الله عنـّا هذا النبيَ العطوف الحنون كلَ خير. وتفصيلُ ذلك ما رواه البخاري ومسلم  من حديث أنسٍ قال: لما رمىَ النبيّ صلى الله عليه وسلم الجمرة ونحرَ نسَكَهُ وحَلقَ وذلك في حجة الوداع، ناولَ الحالقَ شقهُ الأيمن فحلق، ثم دعا أباطلحة الأنصاري فأعطاه، ثم ناولَ الحالق شقه الأيسر فقال إحلِقْ فحَلقَ فأعطاها أبا طلحة فقال إقسِمهُ بينَّ الناس وفي رواية مسلم بَدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس ثم قال بالأيسر– أي فعل- فصنع مثلَ ذلك، ثم قال هَهُنا أبو طلحة فدفعه إلى أبي طلحة. ومعنى الحديث أنه وزع بنفسه بعضاً بين الناس الذين يلونه ، وأعطى بعضاً لأبي طلحة ليوزعه في سائرهم، وفي رواية لمسلم ايضاً أنه أعطى أم سُليم رضي الله عنها لتوزع هي وفي هذا أكبر دليل على جواز بل استحباب التبرك بشعره عليه الصلاة والسلام لأنَّ الشعر لايؤكل إنما يُستعمل في غير الأكل بل من السنة دفنُ الشعر في التراب ولكن لأجل البركة تركه بينهم.

فأرشدَ الرسول أمته إلى التبرك بآثاره كلها فكان الصحابة يأخذ الواحد منهم الشعرة والشعرتين ويبقيها لنفسه تبركاً وإلا لأي شىءٍ أعطاهم إيها النبي ؟؟، ما قسمَهُ بينهم إلا ليتبركوا به فكانوا يتبركونَ به في حالِ حياته وبعد وفاته حتى أنهم كانوا يغمسونهُ بالماء ويسقون هذا الماءَ المرضى تبركاً بأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقسيمه عليه السلام الشعر بين أصحابه قبل موته بأيام ليتبركوا به وليستشفعوا إلى الله بما هو منه، ويتقربوا بذلك إلى الله تعالى، وليكون بركة باقية بينهم وتذكرة لهم ثم تبع الصحابة في خطتهم في التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم من اسعده الله من السلف الصالح وتوارد ذلك الخلف عن السلف فلو كان التبرك به في حال الحياة فقط لبينَّ ذلك.

فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه كانت له قَلنسُوة (قبعة) وضع في طيتها شعراً من ناصية رسول الله أي مُقدم رأسه لما حلق في عمرة اُلجعرانة وهي أرض بين مكة والطائف، فكان يلبسها يتبركُ بها في غزواته. ووردَ أن خالد فقد هذه القلنسوة في معركة اليرموك فعادَ وكرَّ ِعلى المقاتلين يبحثُ عنها فقالوا لأجل قلنسوة هذ !! فقال إن في طيتها شعرات رسول الله وما لبستها في معركة إلا نُصرة وأوصىَ أنّ تُدفن معه. وفي صحيح البخاري بإسناده إلى ابن سيرين قال: قلت لعبيدة: عندنا شعرٌ من شعرِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أصبناهُ من قبل أنس أو من أهل أنس فقال: لأن تكونَ عندي شعرة منه أحب إلي من الدنيا وما فيها.

وروى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه فما يريدونَ أن تقعَ شعرة إلا في يد رجل وكذا في البخاري أن أنس رضي الله عنه لما حضرته الوفاة أوصىَ أنّ يُدفَنَ معه شىء من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم تبركاً، وكتبُ الحديث مليئة بالروايات التى فيها أنَّ الصحابة كانوا يتبركون بشعر وثياب وأثارِ رسول الله صلى الله عليه وسلم،  وقد توارث المسلمون جيلاً عن جيل هذه الآثار فمنه ما زالَ محفوظاً ببعض المساجد كمسجدِ الحسين بالقاهرة وفيه شىء من شعر وثياب وعصا رسول الله، وكذلك في كثير من كُبريات المدن الإسلامية يوجد ومع بعض العائلات الحجازية موروثة عن اجدادهم  يتبركون بها ولهم  بها مواسم وأوقات يخرجونها للناس وهذا أمر معروفٌ بين المسلمين.

وقد حَصلَ أيام السلطنة العثمانية بعض الإضرابات في المدينة ومكة فخاف السلطان أن تضيع هذه الآثار فحُمِلت إلى إسطنبول وما زالت إلى اليوم في المتحف التركي مشاهدة مع بعض مقتنايات بعض الصحابه، وهناك العديد من الشعرات الشريفة والآثار النبوية كم أن بعضها بني لها مبانٍ خاصة بها وسميت مساجدٌ ومحالٌ بها تبركاً كمسجد (خرقه شريف) في إسطنبول حيث فيه البُردة النبوية المباركة و تخرجُ في السابع والعشرين من رمضان من كل سنة ليتبرك الناس بها، وجرت عادة بعض سلاطين بني عثمان إهداء شعرات مباركات إلى المدن الكبيرة حتى لايتكلف الناس المجىء إلى استطنبول فأرسل السلطان عبد الحميد الأول منها إلى القدس ودمشق وبغداد وعكا وبيروت وطرابلس وحمص وبعض بلاد تونس والمغرب وغيرها من البلاد وهي موجودة إلى الآن في مساجد هذه المدن ويخرجها الناس للتبرك. والمسلمون في مصر وسوريا والأردن والعراق وفلسطين واليمن والمغرب وليبيا والجزائر والسودان وتركيا والباكستان ومكة والمدينة و....غيرها من البلاد تعودوا أن يتبركوا بشعر رسول الله  صلى الله عليه وسلم  في يوم مخصوص كيوم المولد الشريف وعند نزول البلاء ولأجل التداوي ونحو ذلك، وأمة محمد عليه الصلاة والسلام لاتجتمع على ضلالة، والحمد لله على ذلك.

وبعد هذا كله لايُلتفت إلى محروم من البركة يُحرّم  التبرك بشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره الشريفه بدعوى سَدِ الذرائع، فالمسلمون في كل الدنيا يعبدون الله تعالى وحده ويحبون رسوله المبارك صلى الله عليه وسلم ، ويتشوقون لرؤيته، ويتبركون بشعره الطاهر المبارك طلباً للمنافع التي يخُلقهُا الله وحدَهُ إكراماً لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم وأحكم.