كلمة التوحيد

 كلمة التوحيد

إنَّ الإسلام هو الدينُ الحق والكلِمة التي بُنِي عليها وأصلُه الذي أسِّس عليه هي كلمة: "لا إله إلا الله " ، وهذه الكلمة العظيمة ترجع إليها أصول مسائل الدّين، إنها الكلمة العظيمة التى أنزل الله الكتب السماوية بها وبمعانيها، وهي التى أرسل الله الرسل كافة بها، وكفى ب "لا إله إلا الله" شرفًا ومنزلةً وفضلاً وعُلُوَّ منزلة أنها أعظم وأجلُّ شهادةٍ ذكرها الله في القران الكريم قال الله تعالى شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18]. وهي الكلمة التى أوحي بها الله لأنبيائه وكانت أساس دعوة الأنبياء جمعيا، وعليها ولأجلها جاهدوا ودعوا الناس وأمروابها أممهم، قال الله عز وجل وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ[الأنبياء:25].

ولا إله إلا الله وهي أوّلُ ما يجب علمه ومعرفته على  المكلفين مع الإقرار برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وهي الكلمة التى إن قالها الشخص مؤمنا بها وبمحمد رسول الله صار في عداد المؤمنين فالشهادتين هي باب الدخول للإسلام وفي ترديد هذه الكلمة عظيم الثواب عند الله  تعالى فقد ورد عنه  صلى الله عليه وسلم في فضلها ما رواه الشيخان من حديث عبادةَ بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه والجنة حقّ والنار حقّ أدخله الله الجنّةَ على ما كان مِن عمل.

ومعنى من شهد ان لاإله إلا الله  العلم والإعتقاد والإعتراف أن لامعبود بحق إلا الله الواحد الذي لاشريك له الموجود الذي لايشبه الموجدات الذي ليس كمثله شىء وهو خالق كل شىء، ومعنى كلمته ألقاها إلى مريم في الحديث المار ذكره أي بشارته، البشارة التى بشرت الملائكة بها السيدة مريم رضوان الله عليها ومعنى وروح منه أي ان روح السيد المسيح عليه السلام روح صادرة من الله خلقا وتكوينا لاعلى معنى الجزئية لأن الله تعالى مستحيل عليه التجزء والحلول وهذا لايكون إلا للأجسام والله منزه عن ذلك كله. وهذه الكلمة الجليلة الكبيرة المعاني من مات عليها أي يعتقدها ويصدق بها فقد حرم الله تعالى عليه الخلود في النار ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فإن الله حرم على النار من قال لاإله إلا الله  يبتغي بذلك وجه الله رواه البخاري  أي من قال ذلك معتقدا في قلبه لامنافقاً ليرضي المسلمين وهو في قلبه غير راض بالإسلام إما بشكه في الوحدانية أو بتكذيبه في قلبه محمد صلى الله عليه وسلم، ومعنى يبتغي بذلك وجه الله اي يبتغي القرب من إلى الله  تبارك وتعالى، الوجه هنا بمعنى الرضى وهذا في اللغة معروف يقال عمل خير لوجه الله اي لرضى الله تعالى وليس يعنى به في حق الله الحجم والجسم فإن صفات الخلق مستحيلة على الخالق العظيم.

وهذه الكلمة لها من الفضل والأجر عند الله الشىء الكثير فقد ورد في فضل هذا الذكر انه أحسن الحسنات عند الله ولذا كان المسلمون المشتغلون بالذكر يكثرون من ترديد هذه الكلمة الطيبة  ففي صحيح مسلمٍ وفي كتاب الدعاءِ للبيهقي رحمهما الله تعالى أنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. في هذا الحديث جمع رسول الله صلى الله عليهِ وسلّمَ الأربعةَ في سياقٍ واحدٍ لكنَّهُ لم يُقدَّمْ ذكرَ لا إلهَ إلاَّ الله بل قدَّمَ ذِكرَ سبحان الله وليس ذلكَ للدلالةِ على أن سبحان الله أفضلَ ممَّا بعدها أما أن تكونَ أفضلَ من الحمدُ للهِ فذلكَ قريبٌ محتملٌ وكذلكَ محتملٌ أن تكونَ من حيثُ الثواب في بعض الحالات أفضل من الله أكبر. الرسول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُردْ بهذا السياقِ الذي وردَ في الحديث الترتيب على حسبِ الفضلِ إنَّمَا مرادهُ أن هذه الأربعِ هي أفضلُ الكلماتِ أي أنها أفضلُ من غيرها من أنواعِ الذّكرِ و التمجيدِ للهِ تعالى هذا المراد.

وقد ورد في مسند الإمام أحمد رحمه الله رواية: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرْبَعٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيّهِنَّ بَدَأْتَ. أما التفاضل فيما بينها فَيُعرفْ من دليل آخر كهذا الحديث الذي فيهِ أن "لا إلهَ إلاَّ الله" أحسنُ الحسناتِ فقولُ الرسول إنها أحسنُ الحسناتِ أفهمنا أنَّها أفضلُ من جميع أنواعِ الذكرِ و وردَ في فضلِ "لا إلهَ إلاَّ الله" حديثٌ صحيحٌ غيرُ هذا وهو ما رواه مالكٌ في الموطأ وغيره أنَّ رسول الله صلى الله عليهِ وسلم قال: أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وفي لفظٍ: وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ رواه الترمذي.ففي هذا الحديث الصحيح الثابتِ الذي رواه الإمام مالكٍ رضي الله عنه وغيره من أئمةِ الحديثِ دليلٌ واضحٌ على أنَّ "لاَ إلهَ إلاَّ الله" أفضلُ ما يقال أي أفضل ما يمتدحُ بهِ الربُّ أفضلُ ما يمجدُ به الرَّبُّ تباركَ وتعالى.

وورد حديث آخر رواه الترمذي وإبن ماجه: عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَفْضَلُ الذّكْر لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ. الرسولُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا عملتَ سيئةً فأتبعها بالحسنَّةِ، قلتُ: "أمنَ الحسناتِ يا رسولَ الله لا إلهَ إلاَّ الله؟ قَالَ: "هِيَ أحسنُ الْحَسَنَاتِ". فقولهُ هي أي "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" أحسنُ الحسناتِ أي أفضلُها أي لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ أفضلُ ما يتقربُ بهِ إلى الله مع خفَّتها على اللسانِ وعدمِ المشقَّةِ في النّطقِ بها. ليسَ هناكَ في الشرعِ قاعدةٌ كلّيةٌ أن ما كان من الأعمالِ أشقَّ وأكبرَ كُلفةً أفضلُ من غيرهِ بل من الأعمال ما هو أخفُّ وهو أفضلُ من غيرهِ من سائرِ الأعمالِ الصالحةِ كهذه الكلمةِ الشريفةِ "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" هي خفيفةٌ على اللسانِ لكنَّ اللهَ تعالى جعلها أفضل الحسناتِ.

فمهما عَمِلَ الإنسانُ من الأعمالِ الحسنةِ فأنَّ "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" مقدمةٌ في الفضلِ عند اللهِ وذلكَ أنَّها البابُ إلى الإسلامِ، الكافرُ إذا أرادَ الدخولَ في الإسلامِ لاَ يدخلُ إلى الإسلامِ إلاَّ بها أو بما يُعطي معناها. قالَ الفقهاءُ: "إذا قالَ الكافرُ الذي يريدُ الدخولَ في الإسلامِ: "لاَ خَالقَ إلاَّ اللهُ محمَّدٌ رسولُ الله" صحَّ إسلامُهُ أيّ ثبتَ له الإسلامُ كذلكَ لو قالَ: "لاَ ربَّ إلاَّ اللهُ محمَّدٌ رسولُ اللهِ". قالوا صحَّ إسلامُهُ كذلكَ لو قالَ: "لاَ ربَّ إلاَّ الرحمن" أو "لاَ إلهَ إلاَّ الرحمن" لأنَّ هؤلاءِ الكلماتِ كلٌّ بمعنى "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" لكنَّ أفضلَ ذلكَ كله هذه الصيغةُ "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" فمن أرادَ الدخولَ في الإسلامِ فلو نطَقَ بترجمتها بلغتهِ التي يعرفها صحَّ إسلامُهُ وليسَ شرطاً للدخولِ في الإسلامِ أن ينطِقَ بعينِ اللفظِ العربي بلْ لو نطقَ بترجمتها دخلَ في الإسلامِ.

أمَّا إضافةُ "أشْهدُ" إلى هذه الكلمة مقرونةً "بأنْ" أي قولُ: "أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ". قال الفقهاءُ فهو أَوكدُ لمن يريدُ الدخولَ في الإسلامِ.القولُ الصحيحُ أنَّهُ إذا قالَ: "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ".صحَّ إسلامهُ وإن كان الأفضلُ لمن يريدُ الدخولَ في الإسلامِ أن يقولَ: "أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" لأنَّ "أشهدُ" تعطي معنىً يؤكدُ مضمونَ هذه الشهادة ولأنَّ "أشهدُ" تدلُ على أنَّ هذا المتلفظ بها يعترف عن إيقانٍ وإعتقادٍ وعلمٍ ليستْ بمثابة أعلمْ فلو قالَ: "أعلمُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" ليستْ بمرتبةِ أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ فيها زيادةُ تأكيدٍ لإثباتِ الألوهية لله تعالى لدلالتها على الإعترافِ والإعتقادِ والإيقانِ فمعنى "أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" أنا موقنٌ ومعتقدٌ وجازمٌ بلا تردُّدٍ ولاَ شك وأنا عالمٌ بأنهُ "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" أي لاَ معبودَ بحقٍ إلاَّ الله أي لاَ يستحق أحدٌ أنْ يتذللَّ لهُ نهايةَ التذلل إلاَّ اللهُ أي أن الله تعالى هو المنفرد بإستحقاقِ نهاية التذلل أي أنهُ هو الذي يجوزُ أن يتذلل له نهاية التذلل ومن سوى الله من الملآئكة وأنبياء وغيرهم مما خلقَ الله تعالى لا يستحقُّ هذه العبادة التي هي نهاية التذلل.

ثم كلمة "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" فيها دلالةٌ على جميعِ ما يجبُ للهِ تعالى أن يتصفْ به من صفات الكمالٍ التي هي لا تثبتُ الأُلوهيةُ إلاَّ بها لا تثبتُ الأُلوهيةُ بدونها من ذلكَ "الحياةُ" تدلُ على أن الله حيٌّ تدلُ على أن هذا الذي يستحق نهاية التذلل حيٌّ ليسَ ميتّاً وتدل على العلم أي تدلُ على أن هذا الإله الذي هو منفردٌ بإستحقاقِ نهاية التذلل عالمٌ بكلّ شىء.

والله تعالى اعلم واحكم.