سجود السهو

الإنسان بطبعه وعادته النسيان والسهو حتى ولو كان في عبادة كالصلاة قد يحصل منه النسيان والسهو إما بالنقصان أو الزيادة أو الترك أو يحصل منه الشك، فشرِعَ للمصلى أن يسجد آخر الصلاة سجوداً يُسمى سجود السهو، وأكثر ما يكون السهو في الصلاة بنقص فيها، فلو نقص ركنٌ كالركوع أو السجود مثلاً فلا يُجبره السهو وإنما لا بُدَّ من فعله وإتمامه، ويسنُ له أن يسجد للسهو آخر الصلاة قبل السلام مثال ذلك ترك ركعة أو سجدة لا بُد من الإتيان بها أو بركعة بدلها على تفاصيل بالمسئلة في الفقه، ويسجد للسهو، وأما لو ترك التشهد الأول وهو سنة في مذهب الشافعي فلا يعود إليه ويسجد للسهو، لما رواه البخاري وغيره أنَّ النبىّ صلى الله عليه وسلّم صلَّى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس " يعني للتشهد الأول " فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبَّر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم ثم سَلَّم"، وكذا لو ترك سنة عمداً يسجد للسهو فلو ترك التشهد الأول عمداً سجدَ للسهو، وسمى بسجود السهو لأنه في الغالب المُهتم بصلاته لا يترك مثل هذا عمداً بل سهواً، ومثله لو ترك دعاء القنوت في الصبح سجدَ للسهو آخر الصلاة، ولا يسجد لترك هيئة في الصلاة كترك كالإستعاذة في البَدء أوترك دعاء التوجه، هنا لا يرجع إليه ولايسجد للسهو، ولو سجد لمثل هذا فسدت صلاته، ففي الحديث أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، صلى بالناس وسَلَّمَ من ركعتين بصلاة رباعية فلمَّا سلَّم وأُخُبِرَ بالنقص قامَ وأَتَمَّ مَا بَقِي مِنَ الصَّلاَةِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنه قال: صَلَّى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إحدى صلاتَيِ العَشِيِّ إمَّا الظُّهرَ وإما العصرَ فسَلَّمَ في ركعتيْنِ، ثمَّ أتى جِذْعًا في قِبْلة المسجدِ، فاستند إليها، وخرجَ سرعانُ النَّاس( يعني خرجَ الناس المتعجلون من المسجد)، فقام ذو اليديْنِ وكان رجلٌ في يديه طُولٌ فقال: يا رسولَ الله، أقُصِرَتِ الصَّلاةُ أم نسيتَ؟ فنظرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يمينًا وشِمالاً، فقال:(ما يقولُ ذو اليدينِ؟!) قالوا: صدَقَ، لَمْ تُصَلِّ إلا ركعتينِ، فصلَّى ركعتيْنِ وسلَّمَ، ثم كبَّرَ، ثم سجدَ، ثم كبَّرَ فرفعَ، ثم كبَّرَ وسجدَ، ثم كبَّر ورفع)، رواه البخاري ومسلم، ففي هذا الحديث أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ترك الركعتين الأخيرتين ناسياً فلما سَلمَ وأُخبرَ بذلك أتى بما ترك ولم يكتفِ بسجود السهو بل أتى بركعتين بعد أن سَلّمَ ناسياً وسجد في آخرها للسهو، وكذا لو زاد ركناً كالركوع ناسياً ثم تذكر أو ذُكِر فيأتى بسجود السهو ويكتفى به، ففي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم صلَّى الظهر خمساً، فقيل له: أزيدَ في الصلاة؟ فقال: " وما ذاك؟ " قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلَّم. وفي رواية: فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجَدَ سجدتين ثم سلَّم، رواه البخاري وغيره، وكذا يسجدُ للسهو النَّاسي كمن سَلمَ من ركعتين في صلاة رباعية ناسياً ثم ذَكَرَ أو ذكرهُ المصلون فهذا أيضاً يسجد للسهو، والشكُ في بعض مواضع الصلاة أيضاً يشرع له سجود السهو وله صورٌ منها أن يشك في الصلاة في عدد الركعات، فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى ثَلاَثًا أَمْ أَربَعًا، أو سَجَدَ مرةً أو مرَّتين، فإنه يبني على الأقل ويمضي على ذلك ويسجد للسهو، فلو قال في نفسه أنا في الركعة الثالثة أم في الثانية؟ يبنى على أنها الركعة الثانية على الأقل يبني، ثم يسجد سجود السهو، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ في صَلاَتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاَثًا أَمْ أَرْبَعاً فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْساً شَفَعْنَ لَهُ صَلاَتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ"، وكيفية سجود السهو هو أن يَسجد مرتين آخر الصلاة وقبل السلام في مذهب الإمام الشافعي، وفي بعض المذاهب محله بعد التسليمة الأولى، وكِلا الأمرين رويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سَجَدَ للسهو قبل السلام وبعد السلام لكن آخر ما الأمرين قبل السلام، فاعتبر الإمام الشافعي هذا ناسخاً لما قبله فقال إنَّ سجود السهو يكون قبل السلام، ومن سَها مِرارًا في صلاة واحدة كفاهُ سجدتان، ويقول المصلى في سجود من الذكر والتسبيح ما يقوله في سجود الصلاة، فليس لسجود السهّوِ ذكرٌ يَخُصُّه، ولو سجد الإمام للسهو وجبَ على المأموم أن يتبعه إلا إن كان مسبوقاً تبعه وسجدَ معه ثم أتى بسجدة أخرى في آخر صلاته، وليعلم أنَّ تفاصيل المسائل في سجود السهو كثيرة واسعة وهي في شروحات الفقه، والله تعالى أعلم وأحكم.