ذكرى الإسراء والمعراج

ذكرى الإسراء والمعراج

يقول الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ  تمر علينا في هذا الشهر الكريم رجب ذكرى الإسراء والمعراج، فإنها مناسبة سامية لذكرى راقية يُحْتَفَل بها لعظيم مدلولها وجلال قدرها، كيف لا وهي معجزةٌ كبرى من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم خُص بها محمد بن عبد الله النبي الأمي العربي الأمين، خاتم الأنبياء وأمامهم،  فقد كان إسراؤه من مكة المكرمة للأقصى الشريف حيث جمع الله عز وجل له الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من آدم فمن بعده فصلى بهم إمامًا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

في القدس صليّت يا خير النبيّين      وقدسنا اليوم نبكيها وتبكينا

إليك مني رســـــــــــــــــــــول الله معذرة      ماذا أقول إذا ضاعت أراضينا

وليقف الواحد منا عند هذه المناسبة العظيمة ليبكي حالَ الأمة ليبكي حال الأقصى الأسير ليبكي الأمّ الثكلى والطفل المذبوح في أرض الأقصى مسرى نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليه. ولكن لنأخذ العزيمة والثبات والعبرة من موقف ماشطة بنت فرعون والتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرها ليلة الإسراء فشم  منه الرائحة الطيبة الزكية سئل النبي جبريل قبر من هذا؟ قال جبريل قبر ماشطة بنت فرعون التي كانت تسرح شعر بنت فرعون فوقع المشط من يدها فقالت بسم الله، فقالت لها بنتُ فرعون: أَوَلَك ربٌ إلهٌ غيرُ أبي؟ فكان جوابها: ربي وربُ أبيكِ هو الله، فأخبرت البنتُ أباها فطلب منها فرعون الرجوع عن دينها الإسلام حيث كانت مسلمة من اتباع موسى عليه السلام، وأيُّ التزام التزام الماشطة، وأي موقفٍ موقفُ تلك الماشطة المجاهدة الشهيدة، أبتّ أن ترجع عن الحق والدين أبت أن ترجع عن الإسلام. وكان فرعون جبارًا لا يرحم ويكفرُ بإله الكون ويقتلُ من أسلم. فحمّىَ لها ماء وقال ارجعي يا ماشطة قالت بقلبٍ ثابتٍ الله ربٌ مُنتقم، الله ربٌ منتقم. وأبت إلا البقاء على الإسلام والحق والإيمان، وأحمي التنور وتحته النيران، وجعل عليه الزيت معه الماء في القدر وبدأ يرمي بأولادها أمام عينيها، فكان يرمي بالولد فينفصلُ عظمهُ عن لحمه وهي ثابتةٌ متمسكة بدينِ الإسلام، وبقي بين يديها طفل رضيعٌ فأنطقهُ الله فقال: يا أماه اصبري فإنّ عذاب الآخرة أشدُ من عذاب الدنيا، فلا تتقاعسي فإنك على الحق. أنطقه الله الذي أنطق كلَ شىء أليس الله على كل شىء قديرًا؟ بلى ونحنُ على ذلك من الشاهدين. فقالت لفرعون لي عندك طلب أن تجمعَ العظام وتدفنها في مكان واحد فقال لها : لك ذلك، فرماها هي ورضيعها في الزيت الحامي فماتت هي وأولادها شهداء.

وبعد مئات السنين لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قبرها بالعطر فاح، شّم رسول الله من قبرها رائحة طيبة عطرة وكأنها تقول السلام عليك يا رسول الله وكأنها تقول أنا على دينك يا رسول الله دين الإسلام دين جميع الأنبياء. لقد كان إسراءه صلى الله عليه وسلم بجسده وروحه وفي اليقظة فهذا ليس بعزيز على الله. وليعلم أنه لا خلاف في الإسراء برسول الله إذ فيه نصٌ صريح قرءاني. لذلك قال العلماء: « إن من أنكر الإسراء فقد كذبَ القرءان والذي يكذب القرءان لا يكون من المسلمين، وعليه الرجوع إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين بقول : أشهد أنْ لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله.

كان الرسول في بيت أم هانئ وهي شقيقة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومع عمه حمزة وابن عمه جعفر رضي الله عنهما، أخذه جبريل ووصل به إلى المسجد الأقصى حيث صلى بالنبين عليهم الصلاة والسلام وفي ذلك إعلام بأن دين الأنبياء واحد ودعوتهم واحدة عبادة الله تعالى وأن لايشرك به شىء ومن بعد رحلة الإسراء التى هي في الأرض من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى عرج بالنبي إلى السموات ليرى من آيات الله وعظيم قدرته.

يقول الله تعالى في القرءان الكريم:وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى سورة النجم من ءاية 7 إلى ءاية 15.

عرج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى السماء يقظة جسدًا وروحًا وليس في المنام والمقصود من المعراج تشريف الرسول صلّى الله عليه وسلّم بإطلاعه على عجائب العالم العلوي وتعظيم مكانته، فلقد رأى صلوات ربي وسلامه عليه مالكًا خازن النار والبيت المعمور، وهو بيت مشرف وهو لأهل السماء كالكعبة لأهل الأرض، كل يوم يدخله سبعون ألف ملك يصلون فيه ثم يخرجون ولا يعودون أبدًا، ورأى سدرة المنتهى وهي شجرة عظيمة بها من الحسن ما لا يصفه أحد من خلق الله، ورأى الجنة وهي فوق السموات السبع فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر مما أعده الله للمسلمين الأتقياء خاصة، ولغيرهم ممن يدخل الجنة نعيم يشتركون فيه معهم، ورأى صلى الله عليه وسلم العرش وهو أعظم مخلوقات الله وحوله ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله.

وقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما السمواتُ السبعُ في جَنبِ الكُرسي إلا كحلقةٍ في أرضٍ فلاة وفضلُ العرشِ على الكرسي كفضلِ الفلاةِ على الحلقة والله خلق العرش إظهارًا لقدرته ولم يتخذه مكانًا لذاته، لذلك حريٌ بنا ونحن نتكلم عن المعراج أن نُنبه لدسائس إنتشرت بين بعض الناس كقولهم إنَّ الله إلتقى بمحمد كما يَلتقي البشر ببعضهم فهذا كفرٌ والعياذ بالله تعالى، أما الآيتان الكريمتان المقصود بهما جبريل عليه السلام هما ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى

وقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى:ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى قالت: إنما ذاك جبريل عليه السلام كان يأتيه، وإنما أتاه في هذه المرة في صورته التي هي هيأته الأصلية فسد أفق السماء. وليس المقصود من المعراج الوصول إلى مكان  ينتهى فيه وجود الله تعالى بل كان المعراج لتشريف النبي عليه الصلاة والسلام بإطلاعه على عجائب خلق الله تعالى. نسأل الله تعالى أن يعيد علينا هذه المناسبة وقد تحسن الحال وتحررَ الأقصى الشريف.