الرؤيا وتعبيرها

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

قال الله تبارك وتعالى: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، إن الناظر المتأمل في جسد الإنسان يجد فيه من العجائب ما يدل على عظيم قدرة الله تعالى، ومن ذلك أمر الرؤيا التى يراها الإنسان في منامه وما فيها من مشاهدة بلاد بعيدة وأكل وشرب وإحساس بحزن أو بفرح أو إختراق الغمام أو الغوص في الماء وسماع الكلام والإجابة عليه وأعجب ما في المنامات أن الإنسان لما يفتح جفنه عن عينه ينقطع عن هذا ويعود إلى عادته وهو في فراشه، فسبحان من جعل في خلقه ما يدل على عظيم قدرته وعظمته. والرؤيا هي مشاهدة روحية أي أن الروح تَسرحُ بعد نوم الشخص من غير إنفصال كلي عن الجسد، الروح تسرح إلى ما شاء الله مع إتصالها بالجسد فيُريها الله تعالى ما شاء من المرئيات. والرؤيا إما أن تكون رؤيا خير وبشرى وإما أن تكون أضغاث أحلام أي رؤيا مختلطه لا تأويل لها. روى البخاري عن أبي سَلمة قال سمعت أبا قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ مِنَ اللَّهِ ، وَالحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ)، قال ابن حجر في كتاب فتح الباري: الرؤيا من الله أي مطلقا وإن قيدت في الحديث بالصالحة فهو بالنسبة إلى ما لا دخول للشيطان فيه وأما ما له فيه دخل فنسبت إليه نسبة مجازية مع أن الكل بالنسبة إلى الخلق والتقدير من قبل الله وإضافة الرؤيا إلى الله للتشريف.أ ه.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا المُبَشِّرَاتُ قَالُوا : وَمَا المُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ : الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ) وفي رواية( يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ أَوْ تُرَى لَهُ)، والرؤيا الصالحة كرؤيا الأنبياء أو الملائكة وسماع الخير والبشرى منهم للرائي أو يرى نفسه في الجنة أو من الناجين يوم القيامة ومن علامات الرؤى الصادقة صدق حال صاحبها فقد جاء في الحديث انه صلى الله عليه وسلم قال :(إِذَا قَرُبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ ، وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا)، وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن معنى قوله تعالى:(لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)، أنها رؤيا النبيّ صلى الله عليه وسلم التى هي بشرى بحسن الخاتمة وهذا النوع من الرؤى لا يشترط أن يكون رائيها على حال معينة فهي منحة من الله قد يعطيها الله للعاصي أو الطفل من غير طلب يتفضل الله بها على من يشاء. والرؤيا منها ما هو كفلَقِ الصبح واضحة المعنى والإستبشار وهي الرؤى الصالحة الواضحة البينة. أما تفاصيل مايراه الإنسان فله معنى يعلمه أهل التأويل والتعبير للمنامات وهم الأنبياء وبعض الأولياء العارفين الذين يعطيهم الله هذا العلم منحة وهبة من الله تعالى. والأنبياء رؤياهم وحيٌ من الله كما جاء في القرءان في قصة إبراهيم وولده إسماعيل عليهما الصلاة والسلام ، وما جاء في القرءان أيضاً عن نبي الله يوسف عليه الصلاة و السلام أنه رأى الشمس والقمر والكواكب الأحد عشر ساجدين وجاء تأويلها بعد مدة بسجود أبويه وإخوته تحية له وفي ذلك قال الله تعالى إخبارا عن سيدنا يوسف عليه السلام:(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) وقال تعالى:(وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا)، وكذلك ما أخبر الله عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:(لقد صدق لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ)، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أولَ الرؤيا لنفسهِ ولغيرهِ ففي البخاري من حديث عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ ، حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي ، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي - يَعْنِي - عُمَرَ قَالُوا : فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : العِلْمَ ) ، رواه البخاري وكذلك أولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا لغيره فعن عبد الله بن سلام ، قال : رأيت كأني في روضة ، ووسط الروضة عمود ، في أعلى العمود عروة ، فقيل لي: ارقه ، قلت : لا أستطيع ، فأتاني وصيف فرفع ثيابي فرقيت ، فاستمسكت بالعروة ، فانتبهت وأنا مستمسك بها ، فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:( تِلْكَ الرَّوْضَةُ رَوْضَةُ الإِسْلاَمِ ، وَذَلِكَ العَمُودُ عَمُودُ الإِسْلاَمِ ، وَتِلْكَ العُرْوَةُ عُرْوَةُ الوُثْقَى ، لاَ تَزَالُ مُسْتَمْسِكًا بِالإِسْلاَمِ حَتَّى تَمُوتَ)،رواه البخاري. وأما غير الأنبياء من المعَبرين فلا يحصل التعبير إلا من ولي آتاه الله هذا العلم، علم تعبير الرؤى، وهذا لا يُتعلم عند المشايخ ولا في المدارس ولا من الكتب بل هو علمٌ موهوب من الله لمن شاء من أوليائه وهو المعنيُ بقوله تعالى:(وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّه)، معناها أن الإنسان التقي قد يعطيه الله علمَ تأويل الرؤيا، ولا يكون المرء تقياً إلا إن تعلم العلم الديني الواجب وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر مع أداءالواجبات واجتناب المحرمات، فلا ينبغي لأي إنسان أن يؤِول الرؤيا أو أن يقصد من ليس فيه هذه الشروط لتعبير الرؤيا لمجرد أنه قرأ في كتب تأويل المنامات أو أنه سمع شخصاً يؤول مناماً فيوؤل مثله لأنَّ هذا العلم خاص بالأنبياء وبعض الأولياء الملهمين بعلم يعطيه الله تعالى من لدنه. والكتب المتداولة اليوم مثل الكتاب المنسوب لإبن سيرين أو النابلسي أو غيرهما فليس شرطا أن يكون ما فيها ينطبق على جميع الأشخاص لأنّ تعبير الرؤيا بحسب حال الرائي فقد يرى الإنسان نفسه في حالة ويعبر له بشيء ويرى غيره نفسه في مثل تلك الحالة ويعبرُ له بشىء آخر، وإنما النظر في مثل هذه الكتب للإستئناس، ومن الرؤيا ما يكون لها معنى ينكشف ولو بعد مدة من الزمن. وأما رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فاختلف الفقهاء في مسئلة رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم إشترط قسم منهم لثبوتها أن تكون الرؤيا على صورة النبيّ الحقيقية ، والبعض لم يشترط ذلك بل قالوا لو رأى النائم النبيّ صلى الله عليه وسلم في أي صورة حتى لو رءاهُ طفلاً أو على صورة وهيئة شخص يعرفه ووقع في قلب الرائي أنه رأى النبيّ ثبتت له الرؤيا وتمت له البشرى بحسن الختام وهذا الذي عليه جمعٌ من الفقهاء لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَمَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي)، رواه البخاري، والذين اشترطوا لثبوت رؤيا النبيّ أن يراهُ النائم على صورته الحقيقية التى كان عليها في حياته فقالوا لا بُدَ أن يراهُ أبيض اللون ،أسود الشعر، أسود العينين ،مربوع القامة، واسع الجبين، إلى غير ذلك مما جاء في وصفه في السيرة النبوية، وليعلم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لا يُنسبُ إليه قول أو فعل في المنام يخالف ما جاء به في الحقيقة واليقظة، فمن ادعى أنه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام وأخبره أو أمره بشيء يخالف الشرع فهذا إما متوهم لم يفهم ما قيل له في الرؤيا وإما أنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعبرة بأحكام الشرع في الظاهر لا ما يرى في المنامات فلو إدعى شخص أنه رأى الرسول في المنام وقال له غداً يكون رمضان فلا يُعتمد على رؤياه بل لا بُد من رؤيةِ الهلال أو استكمال شعبان ثلاثين لاحتمال توهمه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم هو الذي أخبره، وكذلك الفتاوى لا تعتبر بالرؤى إلا إن كانت موافقة للأحكام الشرعية، ومن أشد الكذ هو الكذب على رسول الله ولو بطريق المنامات فعن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:( مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لمْ يرَهُ، كُلِّفَ أنْ يَعْقِدَ بيْن شَعِيرتينِ، ولَنْ يفْعَلَ )، رواه البخاري قال ابن أبي جمرة في شرح الحديث معناه يُعذب زماناً طويلا كما الذي يريد أن يعقدبين شعرتين يطول زمانه ولا يفعل.أ ه. والكذب على رسول الله في المنامات يحصل من بعض الدجالين ليصلوا إلى أموال الناس أوإلى شهواتهم يكذبون كالذي يأتي لشخص ويقول له الليلة رأيت رسول الله وأمرني أن أتزوج إبنتك أو أن تعطيني شيئاً من المال أو غير ذلك كذبا وافتراء فالويل لمن يفعل ذلك لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)، رواه البخاري، وختاماً من أحب أن يرى في منامه البشارات الحسنة فليكثر من ذكر الله ومن الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم ولينم على طهارة ويقرأ قبل نومه سورة الكافرون والمعوذتين ومن رأى رؤيا حسنة فليخبرها لمن يحب ومن رأى غير ذلك فليتعوذ بالله كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:( الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا ، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ ، وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا ، وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا ، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ )، ومن كان يرى شيئا يفزعهُ في منامه فليدعُ بما علمه النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه فقد روى الترمذي وابو داود عن عمرو بن شعيب عن ابي عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات:(أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ ، مِنْ غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ عَقَلَ مِنْ بَنِيهِ ، وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ كَتَبَهُ فَأَعْلَقَهُ عَلَيْهِ )، وفي الحديث دليل لأهل السنة على جواز تعليق الحروز التى فيها ما لايخالف الشرع. والله تعالى أعلم وأحكم.