نُبذ من كلام الإمامِ العلمِ الولىّ السيد أحمدَ بنِ علىّ الرفاعىّ

المتوفى سنة ٥٧٨ هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله ربّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، وصلوات الله البرّ الرحيم على خاتم المرسلين وحبيب ربّ العالمين سيدِنا محمدٍ وعلى سائر إخوانه من النبيين والمرسلين وءالِ كلٍّ وصحبه

أما بعد فقد قال السيد أحمد الرفاعِى رضى الله عنه

أىْ سادة، الزهدُ أولُ قَدَمِ القاصدين إلى الله عز وجل وأساسه التقوى وهى خوف الله رأس الحكمة، وجماع كلّ ذلك حسنُ متابعة إمامِ الأرواحِ والأشباحِ السيدِ المكرمِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأولُ طريقِ المتابعةِ حسنُ القدوةِ عملاً بحديثِ «إنما الأعمال بالنيات»[٢] ألا ترون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قال لرجل قال له يارسول الله رجلٌ يريد الجهاد وهو يبتغى عرضًا من الدنيا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا أجر له» فأعظمَ ذلك الناسُ فقالوا للرجل عُدْ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فلعلك لم تفهمْهُ فقال الرجلُ يارسول الله رجلٌ يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغِى من عرض الدنيا فقال «لا أجر له» رواه الثقات وصَحَّحُوهُ[٣] فمن هذا ومثلِهِ علمنا أنّ نتائج العمل تَحْسُنُ وتَقْبُحُ بالنية فعامِلوا الله بِحُسْنِ النياتِ واتّقوه فى الحركات والسكنات وصونوا عقائدَكُمْ من التمسكِ بظاهرِ ما تشابَهَ من الكتابِ والسُّنَّةِ لأنّ ذلك من أصول الكفر قال تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)[٤] والواجبُ عليكم وعلى كلّ مكلفٍ فى المتشابه الإيمانُ بأنه من عند الله أنزله على عبدِهِ سيدِنا رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وما كلّفنا سبحانه وتعالى تفصيلَ علمِ تأويلِهِ قال جلّتْ عظمتُهُ (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)[٥] فسبيل المتقين من السلف تنزيهُ اللهِ تعالى عما دلَّ عليه ظاهره وتفويض معناه المراد منه إلى الحقّ تعالى وتقدَّسَ وبهذا سلامةُ الدينِ. سُئِلَ بعضُ العارفين عن الخالق تقدستْ أسماؤه فقال للسائل إن سألت عن ذاته فليس كمثله شىء، وإن سألت عن صفاته فهو أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وإن سألت عن اسمه فهُوَ اللَّهُ الَّذِى لا إِلَهَ إلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وإن سألت عن فعله فكُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ اهـ وقد جمع إمامنا الشافعىّ رضى الله عنه جميع ما قيل فى التوحيد بقوله مَنِ انتهض لمعرفة مدبره فانتهى إلى موجود ينتهِى إليه فكره فهو مشبّهٌ وإن إطمأنَّ إلى العدمِ الصِرْفِ فهو معطل وإن اطمأن لموجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحّد اهـ 

أى سادة، نزهوا الله عن سمات المحدثين وصفات المخلوقين وطهّروا عقائدكم من تفسير معنى الاستواء في حقه تعالى بالاستقرار كاستواء الأجسام على الأجسام المستلزم للحلول تعالى الله عن ذلك، وإياكم والقولَ بالفوقيةِ والسفليةِ والمكانِ واليد والعين بالجارحة والنزول بالإتيان والانتقال فإنّ كلّ ما جاء فى الكتاب والسنة مما يدل ظاهره على ما ذكر فقد جاء فى الكتاب والسنة مثله مما يؤيد المقصود فما بَقِىَ إلا ما قاله صلحاءُ السلفِ وهو الإيمانُ بكلّ ذلك[٦] وردُّ علمِ المراد إلى الله ورسوله مع تنزيه البارئ تعالى عن الكيفِ وسِماتِ الحدوثِ وعلى ذلك درجَ الأئمة وكل ما وصف الله به نفسه فى كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عنه ليس لأحد أن يفسره إلا الله تعالى ورسوله ولكم حمل المتشابه على ما يوافق أصل المحكم لأنه أصل الكتاب والمتشابه لا يعارض المحكم.

سأل رجلٌ الإمامَ مالكَ بن أنس رضىَ الله عنه عن قوله تعالى (الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)[٧] فقال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجبٌ والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعًا وأُمر به أن يخرج اهـ وقال إمامنا الشافعىّ رضىَ الله عنه لما سُئل عن ذلك ءامنتُ بلا تشبيهٍ وصدقتُ بلا تمثيل واتهمتُ نفسِى فى الإدراك وأمسكتُ عن الخوض فيه كل الإمساك اهـ وقال الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه من قال لا أعرف الله أفى السماء هو أم فى الأرض فقد كفر لأنّ هذا القول يوهم أنّ للحقّ مكانًا ومن توهَّمَ أنَّ للحقّ مكانًا فهو مشبّهٌ اهـ وسُئل الإمام أحمد رضىَ الله عنه عن الاستواء فقال استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر اهـ وقال الإمام ابنُ الإمام جعفر الصادق عليه السلام من زعم أن الله فى شىءٍ أو من شىءٍ أو على شىءٍ فقد أشرك إذ لو كان على شىءٍ لكان محمولاً ولو كان في شىءٍ لكان محصورًا ولو كان من شىءٍ لكان مُحْدَثًا اهـ

انتهى كلام الإمام والله أعلم وأحكم.


[١] المرجع كتاب البراهينُ على صدقِ حادثةِ مدّ اليمينِ للجامعه الشيخ سمير بن سامى القاضى حفظه الله تعالى.

[٢] راجع صحيح البخارىّ، كتاب بدء الوحى، باب كيف كان بدء الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنن البيهقى الكبرى، كتاب الطهارة، باب النية فى الطهارة الحكمية.

[٣] راجع سننَ أبى داود، كتاب الجهاد، باب من يغزو ويلتمس الدنيا.

وصحيحَ ابنِ حبان، كتاب الجهاد، باب فضل الجهاد.

[٤] (ءال عمران/١٧).

[٥] (ءال عمران/٧).

[٦] أى الاعتقاد بصحة إطلاق هذه الألفاظ التى جاءت فى القرءان وصحّت فى السنة من غير تشبيهٍ ولا تكييفٍ بل على مراد الله ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على ما تذهب إليه الأوهام والظنون، وليس المقصود بالظاهر هنا ما يتبادر من صفات المخلوقين ومعانِى المربوبين والأعضاءِ والجوارحِ والصُّوَرِ، كيف وقد تقدم قبل أسطرٍ قولُهُ رضىَ اللهُ عنه بأنّ سبيلَ السلفِ تَنْزيهُ اللهِ عن ما دلَّ عليه ظاهرُ المتشابِهِ.

[٧] (طه/٥).