دمعة بعد الحج

الحمد لله رب العالمين مدبر الخلائق أجمعين باعث الرسل صلواته وسلامه عليهم أجمعين.

دمعة بل دمعات.. بل عبرات هيجها الحب والشوق والذكريات.

(دمعة بعد الحج )... ليست ككل الدمعات.. إنها دمعة صادقة حارة..  فاضت بها المدامع منهمره ، دمعة عبد طالما حلم برؤية المشاعر المقدسة.. والبقاع الطاهرة.. وها هي اليوم تسكب هناك.. وتنهمر في جنبات البقاع المقدسة قبل الرحيل من رحلة الحج المباركة..  دمعة تسكب مع الدعوات، وتنهمر على وجنات الحجيج شيباً وشباناً نساًء ورجالاً،  طالما حُبست في المحاجر. وها هي اليوم تخرج ..آه .. ثم آه وآهات وآهات من وحشة الفراق لموضع قال فيه إمام الدنيا وسيدها عليه الصلاة والسلام لصاحبه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هنا تُسكَبُ العبراتُ يا عُمر .... وصدقَ صلى الله عليه وسلم

هناك في جنبات الكعبة المشرفة وبين الركنِ والمقامِ وعند حِجر إسماعيل وعند شرب ماء زمزم.. وهناك هناك في مدينة النور طيبة الطيبة بريحها وتربها ومسجدها التي فيها أطيب خلق الله هناك عند الروضة الشريفة وعند قبر خير الخلق صلى الله عليه وسلم واصحابه، هناك تسكب دمعات الشوق والحب و هناك الرجوع والتوبة والإنابة إلى الله، وهناك التوسل بالنبيّ أن يستجيب الله الدعوات، واكرم برسول الله وسيلة الى الله تعالى.

هناك هناك عند سيد الشهداء حمزة عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، حمزة الشهيد البطل الرابض على سفح جبل أحد الذي دفن مضرجاً بدمائِه ممزق الجسد في سبيل الله ونصرة الدين و لأجل إعلاء كلمة الحق والتوحيد . هناك وأنت تفارق شوارع المدينة المنورة تذكر وتتذكر أولائك الأبطال العظام الذين ناصروا النبيّ  صلى الله عليه وسلم والذين هاجروا معه ومنهم بلال بن رباح الحبشى الذي سَادَ على الكثيرين من العرب والعجم وهو يردد الكلمات العظيمة "أَحدٌ أَحد" ويرفع الأذان بين يدي رسول الله .. 

كيف لا تُسكب الدموع لبقيع الغرقد لتربة ضمت بين ترابها خيار الأمة وبقعة فيها أمهاتُ المؤمنين الطاهرات وأبناء النبيّ صلى الله عليه وسلم وأنصاره وصحبه الطيبين، من لم يبكِ لفراق مثلَ هذه الأماكن فعلى أي شىء يبكي..!!؟،  ومن لم تبلل دموعه ووجناته شوقاً وحباً ولوعةً على فراق تلك الديار فعلى اي شي ء يبكي؟،

هذا هو دمع الشوق الذي هو حزن باطنه الطمئنينة، والفرح والأنس بما حصد الحجيج من الحسانات والمبرات... وفي هذه الدمعة ممن لمن لم يحج أيضاً على ذهاب مواسم الخير وأيام البر والصلة بل مضت الأيامُ المعلومات المعدودات هنيئاً لمن كبَّرَ وهلل وسبح فيها وذكر وشكر الله تعالى،

هنيئاّ لكم أيها البكائونَ من خشيةِ الله إظهارأ للإفتقار لله تعالى، وحسرة على نفسٍ أثقلتها الأوزار...

دمعة خضوع وانكسار وندم لعل الذنوب تغفر والعيوب تستر، ربي إغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنك انتَ الأعزُّ الأكرم .

ذكريات عزيزة وأيام خلت لنا فيها العبر والعبر.. فيها كانَ الخليل إبراهيم عليه السلام يعلن طاعة ربِ البرية، والخضوع والخشوع والإنقياد حتى ولو بذبح الولد..!!

يا الله ما أعظم هذه الحب والطاعة لله رب العالمين.. سلامٌ عليك أبا الأنبياء في العالمين، سلام عليك وعلى آلك، وسلام على إبنك إسماعيل البار الصديق الوجيه عندَ ربه عليه الصلاة والسلام، الراضي بقضاء الله المستسلم لطاعة ربه، 

وفي تلك الأمكنة الفاضلة يعلنُ نبينا السيد المعصوم عليه من الله الصلاة والتسليم، يدعوا إلى توحيد الله تعالى وعبادته ، صباح مساء  من غير فتور ولا ملل، فيعمّ نور دعوته الدنيا وأصقاعها، من هناك من هذه الأماكن المقدسة والبقاع الشريفة تعلو كلمة التوحيد، وينتشر الإسلام والإيمان بالله الرب الموجود الذي لاشبيه له، ويصدع أصل التوحيد لاإله إلا الله الذي لاشريك له ولا شبيه له ولا مكانَ له ولايحتاج لشيء، الغني عن كل شىء المفتقر إليه كل شىء، نعم من هناك كان تاريخنا...نبكي على مواطن الخير بل وفي هذه الدمعة حرقة وأسى ولوعة على حال المسلمين في كل فج ٍعميق.. القتل سرى بينهم... شردوا في الأرض زرافات ووحدانا، جاعوا وأهينوا وذلوا وذاقوا المرُّ َمن ألوان القهر والعذاب والهوان ،  وكثير أضعفهم العجز والوهن وأقعدهم الكسل ومزقتهم الفرقة والفتن والدنيا، وضيعتهم المناصب والمصالح الشخصية والأرصدة البنكية وسرقة المال والاحتيال.. وأصبح حال الأمة اليوم حال الثكلى فلا والد يرعى ولا ولد يعين ولا صبر يهون... وإلى الله المشتكى..اللهم حسن حالنا وارزقنا العودة والحج والزيارة مرات ومرات ...

وجزءٌ من هذه الدمعة المحرقة على حال جاليتنا في هذه البلد فالشرَهُ على المال والدنيا قتل نفوس الكثيرين منهم فلم يفرق بين حلال وحرام عند الكثيرين لا في المأكل ولا في المشرب ولا في الملبس بل ولا في الذين يسمون وجهائها وزعمائها !! حتى الشيوخ صار منهم مقاولون ومتعهدون يبيعون ويشترون بكلامهم على حسب الدفع والمنفعة إلا من رحم ربي .. دمعة على أفواج من الأمة  يساقون همجٌ رعاع يتبعون كل ناعق يُساقون شمالاً وجنوباً بسياط الجهلاء الذين لايخافون الله... والمؤمن الغيور حينما يرى الواقع المرير وما آلت إليه الحال لا يملك إلا هذه الدمعة فتهراق على مقلةٍ طالما حلمت بعز الإسلام وإنتشار المراكز الإسلامية التى تشع نوراً بدلاً مما نرى ونسمع من الكثيرين من الجهلاء المتسلطين على المراكز والمصليات والمساجد...!!! بل وفي هذه الدمعة حزن على التفريط في زمن الحياة فأنَّ العمر ساعة فهنيئا لمن جعلها في طاعة... والعبد حينما يذكر الساعات الضائعة من عمره لا يملك عبرته فتهراق ندماً على التفريط في زمن الغفلة فرط في الخيرات وما كان مطيعاً وأشتغل بالملهيات إذا كان مستطيعاً ولا عذر له في التفريط... والوقتُ أنفَسُ ما عُنِيتَ بحفظِهِ   وأراهُ أسهَلَ ما عليكَ يَضيعُ !!

وفي هذه الدمعة: أنينٌ وحنين وأملٌ أن يعفو الله الرب الكريم عن الزلات وأن يصفَحَ عن السقطات.. فتدمع العين في الموقف الطاهر وتسكب العبرة عندما تقرأ قول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، أسأل الله أن يتقبلَ منا منكم صالح الأعمال وأن يغفر الزلل ويوفقنا الله لصالح النية والعمل وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.