الصبر عادة الأنبياء والمتقين

الصبرُ عادة الأنبياء والمتقين، وصفة أولياءِ الله المُخلصين، وهو منّ أهم ما نحتاجُ إليه نحنُ في هذا الزمن الذي كثرت فيه المصائب وتعددت فيه النكبات، وقلّ معها صَبرُ الناس على ما أصابهم من الله تعالى من المصائب والنوازل والبلايا، والصبر ضياء كما جاء في الحديث الشريف أي نور في قلب وثمرته حلوه، وبالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمَم وبينَّ ذوي الضعف والخَور، والصبرُ ليس حالة يأسٍ أوذلٍ بل الصبرُ حَبسُ النفس عن الوقوع في سَخطِ الله تعالى وتحمل الأمور بحزمٍ وتدبر، والصابرونَ يوفَّون أجورهم بغير حساب قال تعالى عن أهل الجنة سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ [الرعد:24]، هذا هو الصبرُ وهذا جَزاءهُ.

وفي كتاب الله آيةٌ عظيمةٌ كفى بها واعظةً ومُسليَةً، عند وقوع المصائب: قال الله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلاْمَوَالِ وَٱلاْنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ[البقرة:155-157]، إنـا للهِ وإنا إليه راجعــــون علاجٌ ناجعٌ لكل من أصيبَ بمصيبةٍ دقيقة أو جليلة، والعبد مرجعه  ومصيره إلى الله مولاه الحق  الوكيل، فمن صبر و احتسب إيمانا ًورضى بقضاء الله يجدُ الثوابَ الجزيل والخير العميم في ذلك اليوم الآخر.

روى مسلم عن أم سَلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبدٍ تُصِيبُه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مُصيبتي واخلفْ لي خيراً منها إلا آجرهُ الله في مصيبة وأخلفه خيرا منها قالت: ولما توفي أبو سلمة؛ قلت: ومن خيرٌ من أبي سلمة صاحب رسول الله، فقلتها – قالت: فتزوجت رسول الله.

وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة  رضي الله عنهما عن النبي قال: ما يصيبُ المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يُشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه وليُعلم المُصاب علمَ اليقين أنَّ ما يُصيبه بتقدير الله وقدره وخلقه ومشيئته مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـٰكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور [الحديد:22، 23].  

فوطن نفسَكَ على أن كل مصيبة تأتي إنما هي بإذن الله عز وجل وقضائه وقدره فإنّ الخلقَ خلقُه والعباد متقلبونَ بمشيئته، وليُعلم ويذكر المُبتلى والمُصاب أنَّ الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه أو يضروه ولن يحصل ذلك إلا بشيء قد كتبهُ الله عليه، فاستعن على الصبر: بالاستعانة بالله، والإتكال عليه، والرضا بقضائه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن، إن أمرهُ كلهُ له خير وليس ذلكَ لأحدٍ إلا للمؤمن إن أصابتهُ سراءٌ شَكَر فكانَ خيراً له، وإن أصابتهُ ضَراءُ صَبر فكانَ خيراً له رواه مسلم.

ويقويّ على الصبر العلم بتفاوت المصائب في الدنيا، فمن حصلَ له الأدنى من المصائب يتسلى بالأعلى والأعظم من المصائب التي أصيب بها غيره واليذكر بأنَّ النعم زائـرة وأنها لا محالة زائلة، ثم الصبر أنواع فمنه الصبر على طاعة الله فيصبر المسلم على الطاعة؛ لأنه يعلم أن الله خلقه لعبادته، قال الله تعالى وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. فيصبر على العبادة صبرَ المحبِّ لها الراغب فيها الذي يرجو بصبره ثواب الله تعالى. شاكراً لله نعمتَه وفضله عليه. صابر على الصوم والحج. صابر على بره بأبويه ، ولا سيمّا عندَ كبرهما وضعف قوتهما، فهو يصبر على برهما صبر الكرام، ذاكراً أعمالهما الجميلة وأخلاقهما الفاضلة، وتذكراً لمعروفهما السابق، فهو يصبر على برهما، قال الله تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا  [الإسراء:22، 23]، فلا يضّجر منهما، ولا يستطيل حياتهما، ولا يسأمُ منهما ويرى فضلهما ومعروفهما سابقاً قبل ذلك، صابراً ومحتسب على ما قد يناله من أذية من الخلق، فهو يصبرُ صَبرَ الكِرام، قال الله تعالى وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ[الشورى:43].

فالصبرُ على الطاعات عنوانُ الإستقامة والثبات على الحق، والنوع الثاني من الصبر صبر المسلم عن معاصي الله، يصبرُ عن الأمور التي حرمها الله عليه، يكفُّ نفسه عنها، ويُلزمها الصبرَ والتحمُّل، يصبر عن مشتهيات النفس التي تدعو إلى المخالفة، يصبر فيغضّ بصره، يصبر فيحصِّن فرجه، يصبر فيمتنع عن الحرام وكل المغريات التي تدعوه إلى المخالفة، فهو يَصبرُ عنها، صابرٌ في مكاسبه فيلزمُ الحلال وإن قلَّ ، ويبتعدُ عن الحرام وإن كثرَ، المؤمن صابر في كونه يؤدي الأمانة، يؤدي الحقوق إلى أهلها، صابر في أمانته، صابر في حسن تعامله مع الناس بالخلق الحسن وبين الزوج وزوجته، الزوجان لا بُدَّ من مشاكل في الغالب بينهما، فصبرُ الرجل على امرأته وتحمُّله المتاعب عونٌ له على استمرار الحياة الزوجية، وضجره ومعاتبتُه مما يقلِّل تحمله ويفسد الثقةَ بينهما.

وكذلك صبر المرأة على زوجها مما يسبِّب صفاءَ الحال وتعاونَ الجميع على الخير و التقوى. وصبرُ الرجل على أولاده، ومحاولة جمع كلمتهم، والصبر على ما قد يناله منهم فيه خيرٌ كثير، ولهذا نُهي المسلم أن يدعو على نفسه أو ولده، فلعلها أن توافق ساعةَ إجابة، بل يصبر على الأبناء والبنات، يرجو من الله الفرج والتيسير، ولا يحمله الضجر على الدعاء عليهم، فربما حلّت بهم عقوبة يندم عليها ولا ينفع الندم. فالصبر عون للعبد على كل خير، صبرٌ يعينه على الاستقامة على الطاعة، وصبر يعينه على الكفّ عن المعاصي، وصبر يعينهُ على تحمل الأقدار والرضا بها والطمأنينة والسكينة عند نزولها، والنوع الثالث الصبر على البلاء النازل بالإنسان سواء بجسده أوتلف ماله أو موت عزيز عليه فلا بُدَ من صبر على أقدار الله المؤلمة التي قد تناله في جسده أو في ماله أو في ولده، فيصبر على قضاء الله وقدره، يؤمن حقَّ الإيمان بأن الله على كل شيء قدير، وأن الله علم الأشياء قبل كونها، وكتبها، وشاءها، وقدرها، فما شاءَ الله كان وما لم يشأ لم يكن، يؤمن بقضاء الله وقدره، فالصابرون المحتسبون يتلقون المصائب بالصبر والتحمل، يتلقونها أولاً بالصبر عليها، ثم ثانياً يتلقونها بالرضا والتسليم، فلا تحمل نفوسهم تسخطاً على قضاء الله وقدره، ولايتلفظون بألفاظ الإعتراض الكفرية كمَسَبةِ الله أو  مسبة القدر أو نسبة الظلم إلى الله تعالى والتسخط فهذا عمل الكافرين المعترضين على قدر الله وحكمته، والتسليم والرضى والصبر عمل أهل الإيمان، فيصبرون ويحتسبون، ولا يظهر منهم ضجرٌ ولا تسخط على قضاء الله وقدره.

فصبر المسلم على المصائب إنما هو من ثمرات الإيمان الصادق بأن الله حكيم عليم فيما يقضي ويقدر، وأن هذا التقديرُ تقديرُ الحكيم العليم،حكيم عليم فيما يقضي ويقدر، فلا إعتراض ولا مَلامَة، ولكنّ صَبرٌ وإحتساب ورضا عن الله، وأكمل المؤمنين من جمعَ بينَ الصبر على المصيبة والرضا عن الله تعالى يرجو ما عند الله من الثواب الذي وعد به الصابرين الصادقين، قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ[الزمر:10]. وما أحوجنَا في هذه الظروف الصعبة إلى الصبروالإتكال على الله وعدم اليأس وأن نرجو دفع البلاء بالطاعة والصلاة والعبادة وحبس الألسن عن الإعتراض على الله تعالى،  فالله الأمر في الأولى والأخرة وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد الذي تنّفرجُ بهُ الكُرَب وتُحّلُ به العُقدُ وتقضىَ به الحوائج وحُسنُ الخواتيم.