من معاصي البدن الكبيرة استِعمال أواني الذهب والفِضَّة. والمراد بالإناء كل ما يستعمل في امر وضع له عرفا فيدخل الصحون والأقداح والفناجين والسكاكين والملاعق وسائر ما يستعمل من ذلك. وكذا الاستعمال لو لم يكن للأكل أو الشرب كمكحلة ومقرض اظافر ومشط من ذهب او فضة وكاستعمال سُبْحة من فضة أو مفتاح وحمّالة المفاتيح أو نحو ذلك كقلم من ذهب. أما ما طُلِيَ طلاء خفيفًا بحيثُ لا يتقاطر منه شيء إن عُرِضَ على النار فلا يَحرُم مثل الاقلام والساعات والصحون إن طُليت بشيء خفيف بحيث لو اراد أحد فصل الذهب الخفيف عن ما طلي بذهب او فضة بإدخاله النار او نحوه لا يتقطر الذهب منه فهذا لا يحرم ،اما الساعة التي تلبس باليد مثلا لو كانت فيها قطع ذهبية تزع لو فصلت عنها فحرام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إنّ الذي يأكلُ ويَشرَبُ في ءانِية الذّهب والفِضَّة إنَّما يُجَرْجِرُ في بَطْنِه نارَ جَهنّم)، والحديث فيه إشارة الى شدة وعيد الذي يأكل بانية الذهب والفضة بأن يجرجر النار في بطنه في جهنم وهذا يدل على انه ذنب من الكبائر والجرجرة صوت جرع الانسان للماء فشبه نزول العذاب في الجوف بصوت الجرجرة للتخويف من عظيم هذا الذنب وشدة العقاب عليه في الآخرة، قال الشيخ الامام الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ نقلا عن الشَّيْخُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ انه قال: وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الشُّرْبَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَبِيرَةٌ وَهُوَ مُنْطَبِقٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ كَبِيرَةٌ انْتَهَى. وهذا التحريم ان لم يكن هناك ضرورة للاستعمال وذلك أو عُذرٌ لنَحْوِ استعمال الذهب أو الفضة للتّداوِي بنحو المِيْلِ مِنهُما فإنّه يَحِلُّ بقَول طبِيب عَدْل إنَّ الاكتِحَالَ بمِرْوَدِ ذهَبٍ أو فِضّة يَنفَعُ لعِلاج العَينِ المُحتاجَةِ. وكذا يجوز تركيب سِنّ من ذهب لمن قُلِعَ سِنُّه ويجوز لمن ذهبت أسنانه أن يركّب جِسْرًا من ذهب ولو وجد غيرَه. وكذا يجوز لمن قُطِع أنفُه أن يركّب أنفًا من ذهب. ويجوز استعمالُ غيرِ الذهب والفضة من الأواني حتى الجواهر النفيسَة كالياقوت واللؤلؤ إلا إذا كان للكِبْر والفخر، وذِكْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الْحَدِيثِ مِثَالٌ وَلِذَا أَلْحَقُوا بِهِمَا سَائِرَ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ وَأَلْحَقُوا بِالِاسْتِعْمَالِ الِاقْتِنَاءَ أَيْضًا فَيَحْرُمُ لِأَنَّ اقْتِنَاءَ ذَلِكَ يَجُرُّ إلَى اسْتِعْمَالِهِ، وقالوا: إنَّ العلة في تحريم الاكل والشرب منها لما يتضمنه من الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء، وجواز استعمال الْأَوَانِي النَّفِيسَةِ الْمُثَمَّنَةِ كَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ والزجاج المسمى بالكريستال وغيرها مهما كانت غالية الثمن ما لم تكن للتكبر، لأنه لا تعرف هذه الاواني النفيسة عند الفقراء فلا يعرفها إلا الخواص من الناس فلا تنكسر قلوب الفقراء الناظرين اليها بخلاف الذهب والفضة فانه لا يخفى على أحد من الفقراء معرفته. ولا فرق في تحريم الاكل والشرب بالذهب والفضة بين الرجال والنساء بل كل مكلف يحرم عليه حتى المرأة ليس لها ان تسقى طفلا من قدح فضة ونحوه، وَيُسْتَثْنَى مِنْ حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ مَا مَرَّ الضَّبَّةُ الصَّغِيرَةُ عُرْفًا لِلزِّينَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ فِضَّةٍ فَإِنَّهَا تَحِلُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لِأَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِهِ ضَبَّةٌ، وَأَصْلُ الضَّبَّةِ مَا يُصْلَحُ بِهِ خَلَلُ الْإِنَاءِ كَشَرِيطٍ يُشَدُّ بِهِ كَسْرُهُ أَوْ خَدْشُهُ، ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى مَا هُوَ لِلزِّينَةِ تَوَسُّعًا، وَكَذَا تَحِلُّ ضَبَّةٌ لِحَاجَةٍ لَكِنْ تُكْرَهُ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً؛ وَلَيْسَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ الْمُحَرَّمِ مَا يُتَلَقَّى بِالْفَمِ أَوْ الْيَدِ مِنْ مَاءِ مِيزَابِ الْكَعْبَةِ النَّازِلِ مِنْهُ ولو كان ذهباً، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا عُرْفًا، والله اعلم.