أن ينطق الانسان بما يعرفه من الحق شهادة أمر لا بد منه عند الحاجة الماسة إلى الشهادة إذ أنها سبب في إثبات الحقوق وحفظ الأرواح والأموال والأنساب فهي طريق لإنصاف المظلومين، وردع الظالمين، وحسم النزاع بين المتنازعين. فمن كبائر الذنوب كَتمُ الشهادةِ بلا عذرٍ روى مسلم من حديث زيدٍ بن خالدٍ الجُهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا أخبركم بخيرِ الشهداءِ هو الذي يأتي بالشهادةِ قبلَ أن يُسألها) وذلك مُقيدٌ بما إذا دُعيَ إلى الشهادةِ، ومرادهُ في غير شهادةِ الحِسبةِ فإنّ شهادةَ الحسبةِ لا تتقيدُ بالطلبِ، فإذا علمَ اثنانِ ثقتانِ بأنّ فلانًا طلَّقَ امرأتهُ طلاقًا يمنعُ مُعاشرتها بأن يكونَ طلاقًا بائنًا بالثلاثِ أو بانتهاءِ العدةِ قبلَ الرجعةِ ويريدُ أن يعودَ إلى مُعاشرتها بغير طريقٍ شرعي وجبَ عليهما أن يشهدا عندَ الحاكمِ من غيرِ طلبٍ منه. وإذا دُعي إلى الشهادة جماعةٌ فأجاب شاهدان، سقط الفرض عن الباقين؛ لأن القصد من الشهادة التوثيق، وذلك يحصل بشاهدين، فإن امتنع جماعتهم عن الإجابة، أثِموا، فإن لم يكن في موضعٍ إلا شاهدان، فدُعيا إلى تحمل الشهادة عند الحاكم او القاضي، تعيَّنت عليهما الإجابة، فإن امتنعَا أثمَا؛ لأن المقصود لا يحصل إلا بهما. وما يدل على ان كتم الشهادة من الكبائر، وجود العقوبة الخاصة بها لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [البقرة: 283]، فنهى عن كتمان الشهادة وتوعده على كتمها وبين أنه آثم قلبه، فدل على أنه يجب إظهارها، وقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ﴾ [البقرة: 282]،