الجَانّ والشياطين 

الإيمان بكل ما ورد في كتاب الله من حقائق وأمور ومخلوقات خلقها الله أصل من أصول العقيدة الإسلامية ومن ذلك التصديق بصنف من المخلوقات يُسمى الجِنّ والشياطين، ففي القرءان العظيم سورة كاملة فيها عن أخبار الجِنّ وتسمى سورة الجِنّ قال الله تعالى فيها: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا، فالمُكَذِبُ بوجودِ الجِنّ مكذبٌ لصريح القرءانِ وصحيح الحديث، وهاكم معلومات مختصرة عن الجِنّ وأحوالهم:

أصل خلقت الجِنّ من مارجٍ من نار وهو لهيب النار الصافي، قال الله تعالى: وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ، وفي الحديث الشريف أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قال: خَلقَ الله الْـمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخَلقَ الْـجَانّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَار، وَخُلِقَ آدَمُ مِـمَّا وُصِفَ لَكُم.

والجِنُّ مأمورونَ منهيونَ قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، فدلتْ الآيةُ على أنَ الغايةَ التي لأجلِها خَلقَ اللهُ الثقلان هي العبادة، وهم مكلفون بتكاليف شرعية منهيون عن أمور، ولقد كانت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً لإنس والجِنّ قال تعالى: لِيكونَ للعَالمِينَ نَذيرا، والعالمين هم الأنس والجِنُّ في هذه الآية، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ وَبُعِثْتُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ دليلٌ على ذلكَ.

والجِنُّ أيضاً متفاوتونَ في مراتِبهم وعبادَتهم لربهم، وصلاحهم وفسادِهم، فمنهم الصالحونَ ومنهم دونَ ذلك، قال اللهُ تعالى: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا، وقالَ الله تعالى: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا، ومن صفاتِهم أنهم يَستطيعونَ سَماع صوت الإنسان ويفهمونَ لغته ويتأثرون به، قال الله تعالى عنهم: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ 

والجنيُ قد يتشكل بجَسدٍ يُمكنُ مَسهُ من غير إحراق ويدلُ على ذلك الحديث الذي فيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ البَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلاَتِي، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَأَخَذْتُهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا والجنُ يتشكلونَ ويتصورون في أشكال مخلوقات مختلفة وحتى بصورِ بني أدمَ وقد أتي الشيطانُ لقريش في صورة شيخ نَجدي لما اجتمعوا بدار الندوة هل يقتلوا الرسول صلى الله علية وسلم أو يحبسوا أو يخرجوه كما قال تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ

والجانُّ من طبيعة خلقتهم أنهم يرونَ الناس ولا يراهم النّاس على حقيقتهم الأصلية، قال الله تعالى عن الشيطان وذريته: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ، وثبت في الخبر أنَّ الجَانَّ يأكلون وغير ذلك، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال: أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ: لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ.

وكثير من الناس يخلطون بين الجِنِ والشيطان والملائكة، فالجنُ فيهم المؤمن والكافر، ومن كفر منهم يسمى شيطاناً، والمسلم يقال له جنيٌ مؤمن، وإبليس هو أبو الجِنّ وهو الشيطان وله ذرية، ولقد كان في بدايةِ أمرهِ عابداً لله يُسمى عَزازَيِل وسَكنَ السماءَ مع الملائكة ثمّ كفر وطُرِدَ وصار ملعوناً رجيماً عندما أمره الله تعالى أن يسجدَ لآدم إحتراماً فاستكبرَ وأبى واعترض على الله و كفر، وقد جائت آيات كثيرة في القرءان تثبت أنَّ أبليسَ اللعين من صِنف الجن ومنها قوله الله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، ومن هنا بطلان ما يقوله بعضُ الناس أنَّ أبليس كان طاووس الملائكة أو مُعلم الملائكة فإنَّ هذا مَدحاً لأبليس وخفضاً للملائكة الكرام وهاتانِ العبارتان ظاهرتا الفَساد بل هو من الجِنِّ، ولو كانَ من الملائكة لما عصىَ الله وغوى، فالملائكة صفتهم أنهم لا يعصون الله ما أمرهم قال الله تعالى: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.

والجِنُ أعطاهم الله تعالى القدرة على القيام بالأعمال الشاقة والصناعات الدقيقة والمبهرة والأشغال الَّتي يعجز البشر عن القيام بمثلها، فقد أخبر الله في القرءان العظيم أنّ الله قد طوَّع الجنَّ لنبيِّه سليمان عليه السلام، وسخَّرهم له فشيَّدوا له الأبنية الضخمة، وعملوا له الصناعات الفنية، وجلبوا إليه الأحمال الثقيلة من مسافات بعيدة وبوقت قليل، وغير ذلك من الأعمال الَّتي يعجز البشر عن القيام بها قال تعالى في بيان سيرة سليمان عليه السلام: فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ *وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ، وقال الله تعالى أيضاً: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ، وسليمان عليه السلام استخدمهم لنفع الناس لا للشر والإيذاء حاشاه من ذلك.

وليحذر من الذين يخلطون عمل الأنبياء بالسحر والشعوذة ليوهموا الناس أن سليمان عليه الصلاة والسلام أو غيره من الأنبياء كان يسحر الناس بطريق الجن وهذا محض إفتراء على أنبياء الله الذين شرفهم الله تعالى ورفع قدرهم، وما جاء في قصة سليمان عليه السلام من ذلك فالصحيح فيه هو كما قال الله تعالى: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، فيُعْلَمُ من هذه الآية أن هاروتَ وماروت مَلَكَانِ أمرَهُما الله أن يَنْزِلا إلى الأرض ويُعَلّما الناس السحر لا لِيَعْمَلُوا به بل لِيَعْرِفُوا حَقِيقَتَه، كانا يُعلمان الناس مع التحذير، يقولان للناس نحنُ فِتنة أي مِحنة وابتِلاءٌ من الله واختبار نُعَلّمُكُم ولا تَكفُروا أي لا تعتبروا السحر حلالاً إنما تتعلمون فقط، كانوا يعلمونهم ما يكون من السحر من نوع التفريق بين اثنين متحابين، ثمَّ الناس الذين تَعلموا منهما بعضهم ما عَمِلَ بهذا السحر الذي تَعلّمَه، وبعض الناس عَمِلُوا به وعَصَوا ربَّهُم، وكانَ من السحر غير هذا الذي علمه هاروت وماروت للبشر، الشياطين أي كُفّارُ الجن كانت تَعمَلُ السحر وتعلمه للناس لكن بعض أنواع السحر الذي كانت الشياطين تعلمه البشر كان فيه كفر كعبادة الشمس ومنه ما فيه عبادة إبليس بالسجود له ومنه ما كان فيه غير ذلك من أنواع الكفر حتى إنَّ منه ما تشترط الشياطين على من تعلمه لتساعده أن يَبول الشخص على المُصحف لأنَّ الكفرَ إذا حصل من ابن ءادم فهذا عندهم أعظم شىء، الشياطين الذين هم كفرة الجِن يشتهونَ هذا إشتهاءً، ثم مما يحتالون به لترويج عمل السحر أنهم يَخْلِطُونَ بعض الآيات القرءانية بالسحر حتى يُوهِمُوا الناس أنَّ القرءان له دخل في السحر، والقرءانُ ضدُّ السحر، بالقرءان يُفَكّ السحر، لكنَّ أولئك يخلطون بعض الآيات القرءانية بالسحر، يضعونَ كلاماً خبيثاً في الورقة ثم يكتبونَ قُرْبَهُ بعضَ الآيات فيَظُنُّ الجاهلون من البشر أنَّ القرءان له دخلٌ في السحر، الشياطين بذلك تُضِلُّ الناس، فمن رأى شيئا مكتوبًا من السحر وإلى جانبه ءايات قرءانية فليعلم أن القرءان ليس له دخل إنما الشياطين أدخلت هذا لتضل الناس بأن يظنوا أنَّ القرءان فيه سحر.

سيدنا سليمان عليه السلام الكفار كانوا يقولون عنه إنه كان مَلِكًا من الملُوكِ وإنّه كان يَعمَلُ بالسحر وكَذَبُوا، السِحرُ ليس من عمَلِ الأنبياء والأولياء إنما الشياطين كانوا مُغْتَاظِينَ من سيدنا سليمان عليه السلام لأنَّ الله أَعطاهُ سُلطة عليهم فكانت الشياطين تُطِيعُه مع كُفْرِهم من غير أن يؤمنوا كانوا يَخْدِمُونَه، يَعْمَلُونَ لَهُ أعمالا شَاقّةً ومَن خَالفَه منهم الله تعالى يُنْزِلُ به عذابًا في الدنيا، لذلك كانوا مقهورينَ له، فلما ماتَ كتبوا السِحرَ ودفنوهُ تحتَ كرسيه ثم قالوا للناس بعد أن ظهرَ بعضهم أو عدد منهم للناس هل تدرون بمَ كانَ يحَكُمُكم سليمان؟، كانَ يحكمكم بالسحر! احفروا تحتَ كرسيه فحفروا فوجدوا هذا الكتاب فصدقوا أنَّ هذا الكتاب لسليمان وضع فيه السحر فكفروا، الذين صدَّقوا الشياطين كفروا، لأنَّ السِحرَ ليس من عمل الأنبياء ولا الأولياء.

فالحَذَرَ الحَذَرَ من الذين يقالُ عنهم فُلانٌ رُوحَانيٌّ أو معَهُ جِنٌّ رَحْمانيٌّ، إحذَروهم وحَذّرُوا الناس منهم، أغلَبُ هؤلاءِ ضَالُّون مُفْسِدُونُ يُوقِعُون الناسَ في الضلال والكفر لأنَّ الإنسانَ إذا إعتقدَ أنَّ السحِرَ حلالاً وأنهُ شىءٌ حَسَنٌ يَكْفُر..، لأنَّ السِحرَ أمرٌ مُحَرَّمٌ من المُحرمَاتِ الكبائرِ واستِحلالهُ كفرٌ.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ مِنّا مَنْ تَكَهَّنَ أو تُكُهّنَ لهُ أو سَحَرَ أو سُحِرَ لَهُ والسحِر منه ما يكونُ بالإستعانةِ بالشياطين ومنه ما يكونُ بغير ذلك، ولا يجوز مُقابلَةُ السحرِ بالسِحر كما يفعلُ بعضُ الجُهّالِ، ومن أعمال السَحَرَةِ وأقوالِهم الخبيثةِ أنهم يستنجدونَ بالشياطين ويتكَلَّمون بكلامٍ قبيح فيه تعظيمٌ للشيطان لِيُعينَهُم على إيذاءِ هذا الشخص الذي يريدونَ إيذاءهُ.

ومما يَنْفَعُ للتّحَصُّنِ مِنَ السحر أن يُداوِمَ الشخص كلَّ صباح ومساءً على قراءة المعوذات، قل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق وسورة الإخلاص ثلاثاً ثلاثا، فهذه الطائفة من المخلوقات الجِنّ والذي على الرغم من تواتر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تناولت هذا الخلقَ بالتفصيل وذكر أمور عنه كثيرة، إلا أنَّ مُعظم المسلمين لديهم معلومات مغلوطة أو مشوهة أو مبالغة عن هذا الجِنّ، فبعضُ الناس يُنكرونَ وجود الجِنِّ أصلاً ويعدونهم من قبيل الخرافات والخزعبلات الموروثة وهذا باطل، والبعض الآخر يُضخمون من شأنِ الجِنّ ويَهابونهم ويخشونَهم وينسِبون إليهم كلَ نازلةٍ ومصيبةٍ فتراهم يحملون كل نازلة ومصيبة أنها بسسب الجنّ وأثره  ولذلك كان من الضروري تبيانُ بعض الأمور المتعلقة بالجنّ ليعلم الناس الصواب ويجتنبوا الباطل، وإنَّ أمرَ الجنِ يختلف اختلافاً كلياً عن جنس الملائكة وعن الإنسان، فكلٌ له مادتـُهُ التي خُلِـقَ منها، وصفاته التي يَختَلِفُ بها عن الأخر، واللهُ تعالى أعلم وأحكم.