إنّ منَ العقيدة ِالإسلامية الإعتقادُ أنّ الله تباركَ وتعالى موصوفٌ بصفةِ العلم، وعِلمُ اللهِ تعالى ليسَ كعلم الخلق بلْ عِلمُهُ سبحانه وتعالى ليسَ لهُ بداية ولا نهاية ولايخفىَ عليه شيء، ولما تكررَ في القرءانِ كثيراً من صفاتِ الله تعالى ومنها العِلمُ، كانَ ينبغي على المتدَبر في القراءن أنّ يزدادَ تعظيمهُ لله تعالى وأنّ تشتَدَّ مُراقبتهُ لله تعالى بحيثُ يكونُ على ذِكْرٍ أنّ الله تعالى يَعلمُ بنّا أينمَا كُنّا ولا يَخفىَ عليه شىءٌ في الأرض ولا في السماء، فحريٌ بمن ذكَرَ أنَّ اللهَ تعالى يَعلمُ به أن يَستحي من الله تعالى، فلا يَقترف ما لايرضىِ الله الذي هو عالمٌ به، والذي لايغيبُ عن علمه شىءٌ في الأرض ولا في السماء، وتأملْ قولَ الله تعالى في القرءانِ الكريم إِنَّمَا إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَىْء عِلْماً[طه:98]. وسِعَ أيّ أحاطَ بكلِ شىءٍ علما، فهو سبحانه وتعالى َيعلمُ ما تُسرونَ وما تعلنون، والله يعلمُ وأنتّم لا تعلمون، واللهُ يعلمُ المفُسدَ من اُلمصلِح، ويَعلمُ ما في أنفسِكُم وما في السمّواتِ وما في الأرض، ويَعلمُ اللهُ الذينَ جاهدوا مِنكم ويعلمُ الصابرين، ويعلمُ من يخافُه بالغيبِ، ويعلمُ ما تُبدونَ وما تكتمونَ، ويعلمُ سِركم وجهرَكم ويَعْلمُ ما تكسبون، ويَعلمُ ما في البرِ والبحرِ ويعلمُ ما جَرحْتُم بالنهارِ وما عملتُم بالليل، ويعَلمُ ما تحملُ كُلُ أنثى وما تَغيضُ الأرحام وما تَزدَادُ، ويَعلمُ ما تكسبُ كلُ نَفسٍ، ويعلمُ اللهُ ما تَكنُ صدورهم وما يُعلنون، ويَعلمُ اللهُ ما يَلجُ في الأرض وما يَخرجُ منها، ويعلمُ خائنةَ الأعينْ وما ُتخفي الصدور، ويعلمُ مُتقَلبَكم ومثوَاكُم ويعلمُ السرَ وأخفَى، وما تَفعلوا منْ خيرٍ َيعلمُه الله، وما أنفَقتم منْ نَفقةٍ أو َنذرتُم منْ َنذرٍ فإنَّ اللهَ يَعلمُه، أحاطَ بكلِ شىءٍ علما وأحصىَ كلَ شىء عددا، لا تَتحرَكُ ذَرةٌ إلا بعلمه.

ومثل هذا كثير في كتاب الله قال اللهُ تعالى وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ[الأنعام:59]،  تأملْ فيِّ بعضِ معاني هذهِ الآية،الله اللهَ الله ما أعظَمَ قُدرةَ اللهِ وما أجَلَ صفاتِ ربِنّا سبحانه وتعالى ما تَسقطُ من ورقةٍ إلا يَعلمُها.! كُل شجرة وكلُ نباتٍ في الكونِ كُله في بطونِ الأودية ِوأعالي الجبالِ وفي عُمقِ الصحاريِ في ليلٍ أو نهارٍ، لو سَقطت ورقة عَلمَها تبارك وتعالى، بلْ زيادة على هذا قال الله تعالى إلا في كتابِ مُبين أيّ أنهُ كَتبَ في اللوح المحفوظ قبلَ أنّ يَخلقَ السماوات والأرض، كَتبَ أي أمرَ القلم بقدرته أن َيكتُب ما جَرى في اللوح المحفوظ ما يجري منْ حركاتٍ وسكناتٍ في هذا الكون الكبير كَتبَ القَلم بقدرةِ الله الذي خَلقهُ كَتَب أنهُ سَتَسقطُ ورقة من تلكَ الشجرة في ظلماتِ الليل في تلكَ البُقعةِ من الأرض، وهو بَعدُ لم يَخلقِ الشَجرةَ، بل لم يخلقِ الأرض كلها، لا إله إلا هوَ وسعَ كلَ شيءٍ علماً !!.

عِلمُ الله لايتجددُ ولايتطور ولا يطرءُ عليه انقطاع بل اللهُ عَلمَ الأشياء قبل أن تحصل بعلمه الأزليّ الذي لابدايةَ لهُ وكما قالَ الإمامُ عليّ رضي الله عنهُ وكرمَّ وجه إنّ اللهَ عَلمَ ما كانَ وما لايكونُ أنّ لو كانَ كيفَ كانَ يكونُ بعلمٍ واحدٍ أزليٍ غيرَ حادث، أيّ غيرَ مخلوقٍ، رواهُ عنهُ السيوطي. ولما جَادل فرعونُ موسى كما جاء في القرآن في شأن القرونِ الأولى قال الله مخبرا ًعن ذلك قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلاْولَىٰ [طه:51]، قال الله إخبارً عن موسى عليه السلام:عِلْمُهَا عِندَ رَبّى فِى كِتَـٰبٍ لاَّ يَضِلُّ رَبّى وَلاَ يَنسَى [طه:52]، فالعبدُ المخلوق علمهُ محدود متطور متجدد متحصل من بعدِ جَهل، وينسى ما كانَ يَعلمهُ، أشياءَ كثيرةً يتعلمُها العبدُ المخلوقُ ويحفظها، فإذا دخل مرحلةَ الشيخوخة، َنسيَ مُعظمها، قال الله تعالى وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً [الحج:5]، لقد كانَ هذا الإنسانُ في يومٍ من الأيامِ عالماً معلما، وإذا بهِ يَنسَى كثيراً مما كانَ يعلمُه ويحفُظه ويضبطهُ، فصارَ لا يَعلمُ ولا يستَحضِرُ طرأ عليه النسيان وتفّلت منه ما حفظ هذا شَأنُ المخلوق، ضعيفٌ مُعرضٌ للنسيانِ والجهلِ والقصور، بخلافِ صفاتِ الخالق جل جلاله وتنزه عن الشبيه، فإنّهُ لا يَنسَى أبداً بلْ كُلُ صفاتِ اللهِ تعالى لاتُشبهُ صفةً من صفاتِ المخلوقات، منْ عَلمَ ذلكَ قويَّ في قَلبِهِ المراقبةُ للهِ تعالى أي دوامُ الخوفِ منّ اللهِ الذي يَحمِلُ المرء على الحياءِ منَ اللهِ وملازمة التقوى والعمل بما يرضي الله تعالى، وما أحوجَ قلوبنا إلى هذه المراقبة !!

ما أحَوجَنَا إلى هذا الحال والخلق العظيم في حيِاتنا حينَ ينطلقُ المسلم في عمَلهِ وفي حِلهِ وَسفرِهِ وفي بيته واهله، في نهارهِ وليلهِ، وعندَ وجودِ الناسِ أو في الخلوةِ عنهم لايُخِيفُهُ كاميراتُ مراقبةٍ، ولاعيونُ حُراسٍ، ولا نظراتُ أشخاصٍ من أن َيفعلَ ما لايُرضى اللهَ، بل يَذكرُ ويَتذكَرُ  ويستحضر دائماً أنَّ اللهَ مُطلعٌ علينا وأنهُ تعالى سَيُحَاسِبُ الناسَ يومَ القيامةِ على ما فَعلوا، يقولُ الله تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7]، يقولُ اللهُ تعالى مُخبرًا عن إحاطةِ علمهِ بخلقهِ واطلاعِهِ عليهم وسماعِهِ كلامهم ورؤيتِه مكانهم حيثُ ما كانوا وأينَ ما كانوا... فيطلعُ عليهم ، ويَسمعُ كلامَهم وسِرَهم ونجواهم ، ورسُله أيضًا أي الملائكة الحافظينَ علينا مع ذلكَ تَكتبُ ما يتناجونَ بهِ وما يتخافتونَ به مع عِلم اللهِ تعالى بهِ، وسمعهِ لهمْ من غير أنّ يكونَ سَمعهُ وبصرَهُ بآلةٍ وجارحةٍ كالمخلوقينَ بلْ اللهُ تعالى سميعٌ بصيرٌ بغيرِ أذنٍ ولاعينٍ ولاآلةٍ بلْ اللهُ سمعُهُ ليسَ كسْمعِنَا وبصرُه ليسَ كبصرِنَا وهو اللهُ الذي ليسَ كمثلهِ شىءٌ وهوَ السميعُ البصير، نحنُ في أمسِ الحاجةِ إلى التوجيهِ والتذكيرِ على هذا الأمر في حياتنا أولاً، وإلى دراسةِ وتَعلمِ وتعليمِ أهلينا أسماءَ اللهِ تعالى وصفاتهِ التى منها: الرقيبُ، الشَهيدُ، الُمحيطُ، العليمُ، والبيانُ أنَّ هذه الأسماء والصفات لاتشبهُ أسماءَ وصفاتَ الخلقِ بل لها مَعاني تليقُ بالله تعالى، ومنْ عَرَفَ هذهِ المعلوماتِ ازدادَ تعظيمهُ لله وازدادَ خشيةً لله.

وهذه الأسماءُ والصفاتُ هي في كتابِ الله تعالى، ومن قرأ القرآن متأملاً في هذهِ الأسماء ووقفَ عندَ كُل اسمِ أو صفةٍ متفكرًا متمعّنًا متعلماً أدركَ ذلكَ بيّنًا واضحًا، وعظّمَ الله تعالى في قلبهِ، وعظّمَ أوامرَ الله تعالى في حالهِ. وهذا العلمُ بمعنى لاإله إلا الله، قالَ اللهُ تعالى فاعلم أنهُ لاإلهَ إلاّ الله أيّ إعلم مَعرفةَ الله َتعالى أنهُ موجودٌ لايشبهُ الموجداتِ سبحانهُ وتعالى وبعدَ هذا فالمراقبةُ لله من واجبات ِالقلب التى يبنبغي معرفتُها، بالمراقبةِ يعظمُ العبد حرماتِ الله ويتجنبُ محارمَ الله وعلى قدر عَظمةِ هذه المنزلة في قلبِ العبدِ يكونُ تقواهُ للهُ اكثرَ، فإذا أرادَ أن يتكلّمَ بكلمةٍ نظرَ لماذا يُخرجُها الآن؟ وهلْ هيَ مرضيةٌ عند الله وهل يجوزُ قولها؟ وما المصالحُ المترتبةُ على إخراجها؟ وهل هي في مرضاةِ اللهِ أو سخطِهِ وغضبهِ؟ وهل هي في ميزانِ الحسناتِ أو ميزانِ السيئاتِ؟ وهكذا كلُ أعماله التي يعملها ينبغي أن ينَظرَ لها بمثل هذا النظر والفكرِ، وهذا هو العملُ بمقتضىَ اسمِ الله تعالى الرقيب وهو الحافظُ الذي لا يغيبُ عنه شىءٌ، و من تحققَ عندهَ ذلكَ نَظرَ إلى الأعمالِ التي َيعملها، فيصححٌ أولاً مقصدهُا والمرادُ منها ونيتُه فيها، ويخلصُ فيها للهِ ربِّ الأرض ِوالسماء، فإذا صَححَ نَظرَ البدايةَ اهتمَّ بالأداءِ وصححه على ما يوافقُ الشريعة من مراعاةِ الأحكام وفْقَ السُنةِ المطهرةِ، وهكذَ المؤمنُ في صلاتهِ وصدقتهِ وصيامهِ وحجهِ وسائرُ أعمالِ البرِ الظاهرُ منها والباطنُ وفي اعتقاده بالله تعالى ايضاً يُخلصُ ويبتعدُ عن نسبةِ مالا يليقُ باللهِ إلى اللهِ فليسَ من عقيدةِ المسلمين نسبة الجلوسِ والتحيزِ والجسمِ كما يُسمعُ من  البعض من قولهم الله يسكنُ السماء أو قول البعض نحن على الأرض والله تعالى على السماء أي ساكن فيهاّ!! فالسمواتُ كغيرها مخلوقةٌ لم َتكن موجودةً في الأزلِ وهي وما فيها له َحجمٌ وصورةٌ وَشكلٌ وكل ذلكَ من صفاتِ المخلوقينَ المقهورينَ أما اللهُ تعالى وتبارك فهوَ الربُ الموصوفُ بالكمالِ وهو الله كانَ قبل الزمانِ والمكانِ وقبلَ العرشِ والسموات وبعدَ أن خَلقَ الكون فلا يحتاجُ لشىءٍ من خلقهِ ولايشبهُ شىء من خلقه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمونَ الكافرونَ علواً كبيرا، ومتى كانَ المؤمنُ يستشعرُ عظيمَ مراقبةِ الله تعالى صحتْ منهُ النياتُ، وسَلمَتْ الظواهر، وكانَ القبولُ أحرى لإخلاصِهِ. وقد قالَ بعضهم:

إذا ما خلوتَ الدهرَ يومًا فلا َتقلْ      خلوتُ ولكنّ ُقلْ عَليَّ رقيبُ

اللهم نسألكَ خَشيةً نتقي بها ما حرمتَهُ علينّا وتصلحَ بها بواطنِنِا وظواهِرِنا يا أرحمَ الراحمين.