حقيقة التصوف

إن مما ابتُلينا بهِ في هذا العصرِ أناسًا يروِّجون الأكاذيبَ الملفَّقةَ والأقاويلَ الفاسدةَ باسمِ الصوفيةِ وهم في الحقيقةِ ما عرفوا من الصوفيةِ إلا الإسمَ بل هم بعيدونَ كلَّ البعدِ عن التصوفِ. كما نرى أناسًا ءاخرونَ يذمُّونَ الصوفيَّةَ بالإطلاقِ ويعتبرونَ التصوفَ كفرًا وزندقة ، ليستِ الصوفيةُ مذمومةً على الإطلاقِ بل المذمومُ هو من ادَّعى التصوفَ ثم خالفَ الشريعةَ وترك العملَ بما جاءَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا بد للصوفيِّ أن يعملَ بما جاء عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا. وليس التصوف كما يقولُ بعضُ مدعي التصوفِ عن الذين يشتغلونَ بالعلمِ أنتم أهلُ الظاهرِ أما نحنُ أهلُ الباطن، يقولونَهَا على معنى الذمِّ وهذا فسادٌ لا يقبلُه الدين.

التصوُّفُ هو صفاءُ المعاملةِ مع اللهِ والصدقُ بالقولِ والعملِ والنِّية ، واجتنابُ المحرمِ والتزامُ الواجبِ والإكثارُ من نوافِلِ الطاعاتِ وتعلُّقُ القلبِ بالآخرةِ والعطفُ على الفقراءِ والمساكينِ ومساعدةُ الأراملِ والمحتاجينَ وعدمُ تعلقِ القلبِ بالدُّنيا وزينَتِها مع التواضُعِ والانكسارِ وغضِّ البَصَرِ وحِفظِ الجوارحِ مع الحِلمِ والتأَدُّبِ بآدابِ الشريعةِ واتِّباعِ الرسولِ في كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، والعمل بقولِ اللهِ تعالى: قل إنْ كنتم تحبونَ اللهَ  فاتبعونِي يحبِبْكُمُ الله.         

الصوفيةُ هم الذينَ صفَتْ نفوسُهم وزكَت أعمالهُم. فمن كانَ بهذهِ الصفةِ فهو من أحبابِ اللهِ تعالى، وقد كانَ أولُ الصوفيةِ أبو بكر الصديقُ رضي اللهُ عنه ثم أشباهُه في سيرتِه التي هي صفاءُ المعاملةِ واتباعُ الرسول فمن عامَلَ ربَّه معاملةً صافيةً وأخلصَ للهِ في سرِّه وأحسنَ نيتَهُ فذلك هو الصوفِيُّ الذي تستَنْزِلُ الرحماتُ بذكرِه. ليسَ التصوفُ مجردَ لبسِ الثيابِ الرَّثةِ وعدمِ الاكتراثِ إلى صنوفِ الملذَّاتِ بل لا بد منَ التَّقوى قبلَ كلِّ ذلك، فكم من أناسٍ يظهرونَ أنفُسَهُم بمظْهَرِ التصوُّفِ ثم نراهُم يُحرِّفونَ دينَ اللهِ تعالى بل ومِنهم من يعتقِدُ الحلولَ والاتحادَ أي على زعمِهم أنَّ اللهَ حلَّ فيهم وهذا كفرٌ وضلالٌ، فمثلُ هؤلاءِ هم من أساءوا إلى التصوُّفِ حتى ظنَّ بعضُ الناسِ أن الصوفيَّةَ كلَّهُم على هذا الاعتقادِ، وقد قالَ الشيخُ محيي الدينِ بنُ العَرَبي: من قالَ بالحلولِ فدينُهُ معلولٌ وما قالَ بالاتحادِ إلا أهلُ الإلحادِ معناهُ من اعتقَدَ بالحلولِ أو الاتحادِ فهو كافرٌ ملحِدٌ والعياذُ باللهِ.

وكانَ من هؤلاءِ رجلٌ اسمُهُ الحلاّجُ كان يدَّعي التصوفَ ثم يقولُ ما في الجُبَّةِ إلا اللهُ وأنا اللهُ وقد بعثَ مرةً برسالةٍ إلى أحدِ مريديهِ يقولُ له فيها من الرحمنِ  الرحيمِ إلى فلان، والعياذُ باللهِ من هذا الكفرِ.فالتصوفُ بريءٌ من مثلِ هذا الرجلِ الذي تفَرَّسَ فيهِ الجنيدُ إمامُ الصوفيةِ العارفينَ حيثُ قالَ له: لقد فتحتَ في الإسلامِ ثغرةً لا يسدُّها إلا رأسُك. فتحقَّقَتْ فراسَةُ الجنيدِ بالحلاجِ الذي قُتِلَ على يدِ الخليفةِ المقتدِرِ باللهِ فأراحَ اللهُ المسلمينَ من فسادِه وشرِّه.

وقد قالَ سيدُنا أحمدُ الرفاعيُّ الكبيرُ عن الحلاجِ: لو كانَ على الحقِّ ما قالَ أنا الحق ُّوليُعلم أيضًا أنهُ ليس من التصوفِ الاجتماعُ باسمِ الطريقةِ بدعوى الذكرِ كما يفعلُ بعضُ المنتسبينَ إلى بعضِ الطرقِ ثم نراهم يحرِّفونَ اسمَ اللهِ كأن يقولوا اللا بدلَ الله ثم يقولونَ بعدَ ذلكَ ءاه ءاه.فذلكَ من الحرامِ الذي لا يرضى اللهُ بهِ لأنَّ فيه تحريفًا لاسمِ اللهِ واللهُ تعالى يقولُ: وللهِ الأسماءُ الحسنى فادعوهُ بها وذرُوا الذين يُلحدونَ في أسمائِه.