الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .

إنّ من اعتقاد المسلمين سلفا وخلفاً إثبات صنف من المؤمنين يسمون بالأولياء، وإنّ هؤلاء قد يظهر الله على أيدهم أمراً يسمى بالكرامة وجمعها كرامات وذلك مأخوذٌ من الكتاب والسنة ونصوص العلماء السابقين قال الله تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ  ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، والولي هو العبد العارف بالله والمستقيم بطاعة الله المواظب على جميع الطاعات المجتنب لكل المحرمات والمداوم على نوع من السنن والنوافل والمعرض عن الإنهماك في الملذات والشهوات فهو الذي تولى طاعة الله فأكرمه الله في الدنيا والآخرة.

ويدل على ذلك الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: من عادي لي ولياً  فقد ءاذنتهُ بالحرب وما تقرَبَ إلىَّ عبدي بشىء أحبَ إليَّ مما افترضت عليه  و لا يزالُ عبدي  يتقرب إلى بالنوافل  حتى أحبه فإذا أحببتهُ كنتُ سَمعَهُ الذي يَسمَعُ به وبَصَرَهُ الذي  يُبصِرُ به ويدُه التى يبطش بها ورجلهُ التى يَمشي بها ، ولئن سَألني لأعطّينَهُ ولئنّ إستعاذني لأعذينّه، وفي رواية الطبراني من حديث حذيفة ويكون من أوليائي وأصفيائي. وفي معاني هذا الحديث أنَّ العبد المستقيم يحبه الله ويكرمه، ومعنى كنت سمعَهُ الذي يَسَمَعُ به فهوَ على معنى أنَّ الله يُعطيه  قوة  وبركة في سَمعِهِ  وبَصره  ويَدهِ  فيَسمَعُ ما لا يَسمَعُهُ غيرهُ ويرىَ ما لا يرَاهُ غيره وذلكَ بخَرقِ العادة  له وهذه التى تُسمى الكرامة.

والكرامة هي أمرٌ خارقٌ للعادة تظهر على يد المؤمن المستقيم بطاعة الله ، وبذلك تفترق الكرامات عن السحر والشعوذة وتفترق أيضاً عن المعجزة، فإنَّ المعجزة تكونُ لإثبات النبوة، وأما الكرامة فتكون للدلالة على صدقِ إتباع صاحبها لنبيه ، وأما الدليل على كرامات الأولياء من القرءان الكريم فهو كقوله تعالى إخباراً عن السيدة الجليلة  الصديقة مريم أم نبيّ الله عيسى عليه الصلاة والسلام: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا  قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا  قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، قال أهل التفسير كان زكريا عليه السلام يدخل عليها وهي صغيرة  في كفالته فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف ، وقد أخبر الله عنها أنّها كانت صديقة أي على مقام من الولاية ولم تكن مريم نبية وهذه كرامة لها ، ومنها أيضاً قول الله تعالى في شأن أهل الكهف إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًىومعلوم ما في القصة من نومهم مئات السنين والقصة مذكورة في القرءان الكريم بتفاصيلها ، و بإجماع أهل التفسير أنَّ أهل الكهف ليسوا أنبياء فما حصل معهم من نومهم في الكهف سنين ليس معجزة بل هو كرامة من كرامات الأولياء.

ومن كرامات الأولياء المذكورة في القرءان أيضا ما جاءَ في  في قول الله تعالى عن قصة سليمان عليه السلام: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ، والمعنيُ بهذا رجلٌ من أولياء أمة سليمان عليه السلام  يُسمى ءاصِف بن بَرخيا على ما ذكر المفسرون وأنه جَلبَ كرسي ملك بلقيس من اليمن إلى الشام بطرفة عين وتلك كرامة ظاهرة، وأما الأدلة من الحديث الشريف على كرامات الأولياء قوله عليه الصلاة والسلام: اتقوا فِرَاسَةَ المؤمن  فإنّهُ يَنظرُ بنور الله رواه الترمذي.

وقد أخبر عليه الصلاة والسلام عن الغلام الذي كان في الأمم السابقة وكان يُبرىءُ الأكمة والأبرص ويداوي الناس  حتى علم به ملك بلاده فعذبه بألوان من العذاب ليقتله  فلم يستطيع والحديث مذكور في صحيح مسلم وعند الترمذي  والنسائي وابن حبان وغيرهم.

ومما يدل على الكرامة أيضاً ما ثبتَّ بالإسناد الصحيح أنَّ الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه نادى أمير الجيش الذي كان بناحية نهاوند وأسمه سارية بن زُنَيم بقوله: (يا سارية الجبل الجبل) فسمع سارية صوت سيدنا عمر وكان عمر رضي الله عنه بالمدينة يخطب على المنبر، وهذه القصة أخرجها البيهقي وأفردها الحافظ الحافظ الدمياطي بتأليف وصححها ، وعمر رضى الله عنهُ هوَ الذي قال فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم: قد كانَ فيمن قبلكم من الأمم محدثون فإن يكن في أمتى منهم أحد فعمر منهم رواه مسلم، المُحدَثون أي المُلهَمون قاله النووي رحمه الله في كتاب إثبات كرامات الأولياء.

ومنها أيضاً ما أخرجه إبن أبي شيبة وغيره أنَّ الصحابي خالد بن الوليد رضي الله عنه لما نزلَ مدينة  الحيرة  وهي ناحية وسط العراق فَقَالُوا لَهُ : احْذَرِ السُّمَّ لا تَسْقِيكَهُ الأَعَاجِمُ . فَقَالَ :ائْتُونِي بِهِ فَأُتِيَ بِهِ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ اقْتَحَمَهُ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ فَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا، قال الحافظ عن هذه الحادثة وقعت كرامة لخالدبن الوليد فلا يتأسى به في ذلك لئلاَ يُفضي إلى قتل نفسه إلا لمن وصَلَ لمثل الحال التى حصلت لخالد رضي الله عنه. 

ومنها أيضًا ما أخرجه البخاري  عن أنس رضي الله عنه أن أُسيد بن حضير وعباد بن بشر تحدثا عند النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لهما، حتى ذهبَ من الليل ساعة ، في ليلة شديدة الظلمة ، ثم خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقلبان ، وبيد كل واحدٍ منهما عصية ، فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها ، حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه، فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغَ أهله ، رواه البخاري ، ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة جُرَيج أنّه قال للصبي الرضيع من أبوك؟ قال الطفل فلان الراعي ، والحديث مرويٌ في الصحيح.

ومنها الحديث المشهور في صحيح البخارى وغيره في قصة الصحابي خبيب الأنصاري رضي الله عنه وقول بنت الحارث فيه : والله ما رأيت أسيراً قط خيرٌ من خُبيب ، والله لقد وجدته يوماً يأكلُ من قطف عنب في يديه وأنه موثق في الحديد وما بمكة من ثمر ، وكانت تقول  إنه لرزق رزقه الله خبيبا، وكتبُ الحديث ملأى برويات عن كرامات الصحابة كالعلاء بن الحضرمي الذي مشى على وجه الماء، ومنها حملُ عليّ رضي الله عنه باب الحصن بخبير بيده كالترس ولم يرفعه جمع من الصحابة بعده، وكذلك ما روى عن سَفينة صاحب رسول الله الذي كانَ في سفره فدخل غابة وأضلَّ طريقة فوجدَ أسداً فقال للأسد: أنا سفينة صاحب رسول الله فطأطا الأسد رأسه ومشى أمامه كأنه يدله على الطريق حتى وصل وأشار له بيده، وغيرها من الروايات مما يطول ذكره.

وأمّا من كرامات التابعين الذين جاءوا بعد الصحابة فعلى سبيل المثال لا الحصر ، ما أخرجه أبو نُعيّم في الحلّية أنَّ أبا مُسلم الخَوَلاني الذي كان في ناحية اليمن في زمن أبي بكر رضي الله عنه، كان يحذر الناس من مسليمة الكذاب الذي أدعى النبوة، وكان يحرض النّاس على عدم تصديقه  فأضرمَ مُسليمة له ناراً عظيمة وألقاه  فيها فلم تضره، ثم نفاهُ من بلاده فلما دخلَ أبو مسلم المدينة أتى المسجد فرءاهُ سيدنا عمر فقال له: أنتَ أبو مسلم الخولاني ، قال نعم  فقبله بين عينيه وقال عمر : الحمدُ لله الذي لم يُمتني من الدنيا حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فُعِلَ به كما فعلَ بإبراهيم الخليل عليه السلام.

وما ذكرناه في الصحابة والتابعين هو أيضًا موجود بين من جاء بعدهم من الأولياء العارفين الصالحين فإن لهم كثيرًا من الخوارق مثل إمام الحرمين الجويني رحمه الله الذي أضاءت يمينهُ أي يده اليمنى التى كانَ يكتبُ العلم بها أضائت بعد موته فرءاها مُغَسِلَهُ، وكدخول بعض الأولياء النار العظيمة كما كانَ يحصل لبعض الرفاعية أتباع الإمام أحمد الرفاعي رضي الله عنه من دخول الأفرانِ الحامية فلا تؤثر بهم، وهذا متواتر في كثير من البلاد والنواحي مما يصعب حصره.

والفرق بين السحر والكرامة أنَّ الكرامة لا تظهر إلا على من وصف بالإستقامة وهي لزوم طاعة الله بأداء الواجبات واجتناب المحرمات والإكثار من نوافل العبادات، قال الله تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، وقد يكونُ من لايُكشَفُ له ومن لاتحصلُ له بعض الخوارق أفضل ممن كوشفَ لأنَّ الذي يُكاشف بشىء من الخَوارق قد يكون ذلك ليقوى إيمانه ويثبت جنانه، وفوق هؤلاء أقوام باشرَ بواطنهم روح اليقن وصفت سرائرهم  بنور التقوى  فلا حاجة لهم إلى المدد من الحوادث ولهذا لم يكثر في الصحابة الكرامات كثرتها فيمن جاء بعدهم، والفرق بين الوليّ والنبيّ أنَّ الولي تجوزُ عليه المعاصي الكبيرة  والصغيرة  لكنه معصوم من الكفر لأنّهُ من أولياء الله ولا شكَّ في أنّ من كانَ من أوليائه وأصفيائه أمِنَ من سَلبِ الإيمان والولاية فلا يَصدرُ منه كفرٌ إلآ أنهُ في حال غيبوبة عقله قد تصدرُ منه مخالفات للشرع وهو في حكم الغائب المعذور ولا يجوز أن  يُقتدى به  في مثل هذه الأحوال.

وها أنت قد رأيت أيّها القارىء كيف أنّ الولاية أمرٌ ثابتٌ في القرءان والحديث ولا ينكرهُ إلا محرومٌ أو شقيٌ كأبنِ تيمية الحراني الذي بَلغَ حسده درجة أنه لمّا رأى الرفاعية أتباع الشيخ أحمد الرفاعي يُقبلُ عليهم الناس قال : هؤلاء يدهنونَ أجسادهم بدواءٍ ثمَّ يدخلونَ النار فلا تؤثر فيهم، فلِمَ لم يدهن هو هذا الدواء ويدخل النار ويفسد عليهم على زعمه ، إلاّ أنّه وأتباعه دأبهم التشويش والطعن في أولياء الله الأحياء منهم والأموات ، وقد ألفَّ إبن تيمية تأليفاُ سماه  كشفُ حال الأحمدية وأحوالهم الشيطانيه!! وذمَّ فيه الصوفية ولا سيما أصحاب الطريقة الرفاعية أتباع الإمام أحمد الرفاعي، وما دفعه لذلك إلا الطعن بالصوفيه والحسد والحرمان والجهل بحال الأولياء فهو واتباعه لايفرقون  بينَّ  الولي الصالح وبينَّ الساحر المشعوذ لذلك يصفون أولياءَ الله بالمشعوذين والسحرة ويرفضونَ كل ما جاءَ من الأدلة من إثبات الكرمات وقد توتر ذلك في أصقاع الأرض وشاهد ذلك جمعٌ كبير من المسلمين وفي ذلك قال بعض العلماء:

وأثبتّن للأوليا الكرامة        فمن نَفَاها فانبّذنّ كلامَه

نسال الله أن ينفعنا بأوليائه الأحياء والأموات وأن يُلحِقنا بالذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون إنّه على كل شىء قدير.