يجب على كل مكلف أن يعتقد أن الله تبارك وتعالى جعل في الآخرة ثواباً للمؤمنين الطائعين وعقاباً للكفرة والمذنبين قال الله تعالى:( وَيُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا). وقال تعالى في أهل العقاب:(وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وأمّا الكافر فلا حسنات له في الآخرة لأنّه أُطعِمَ بحسناتهِ في الدُّنيا وأما في الآخرة فلا ثوابَ له عند الله قال الله تعالى:( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)، ففي قوله تعالى: "وهو مؤمنٌ" ، اشترط لقبول الأعمال عند الله والثواب عليها الإيمان بالله تعالى، قال الله تعالى:( مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ)، أي أنّ أعمال الكفار في الدنيا كالبِر وصلة الأرحام كرمادٍ أشتدت به الريح في يوم ذي ريح شديدة، فلم تترك له أثراً فكذلك أعمالهم لا يجدون منها ما ينفعهم عند الله في الآخرة فقد أذهبها الكفر كما أذهبت الريح الرماد، ذلك السعي والعمل على غير أساس الإيمان بالله والموت على ذلك، هو الضلال البعيد عن الطريق المستقيم قال تعالى:(وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا والآيات في فضله وكرمه وعدله ورحمته كثيرة في كتاب الله العظيم ، فهو يثيب المحسن على إحسانه ويكافئه بالجود والفضل ويضاعف له الأجر أضعافاً كثيرة، قال تعالى:﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾، وأما من أساء قال تعالى:﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾. وهذا من لطف الله بعباده ورحمته وعدله في عباده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينَّ في حديثه عظيم عدل الله في الثواب على الخير والعقاب على الشر والمعاصي فقال صلوات الله وسلامه عليه:(إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)، وزاد مسلم في بعض رواياته:(أو محاها الله، ولا يهلك على الله إلا هالك).

وأما من هم بحسنة فعملها وهذا يشمل الحسنة القوليَّة والفعلية، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله عز وجل أو بحق أحد من خلقه. إذا همَّ العبد بحسنة، والهَمُّ هنا، بمعنى عزمُ القلب وتصميمُه على الفعل وتوجهه إلى تنفيذه، أي عَزَمَ على فعل الحسنة، طاعةٍ من الطاعات أو عمَلٍ من أعمال البر، لكنه لم يعمل ذلك، لا لأنه غيَّر رأيه، ولكنه لم يستطع إلى ذلك سبيلا، أو حال بينه وبين الفعل حائل أو مانع، فإن الله سبحانه وتعالى يُثيبه ويَكتب له ذلك حسنة كاملة بدون نقصان، لأنه همَّ بالخير وأراد الخير وعزم على فعله. وهذا من كرم الله عز وجل إن كانت نية العبد فعلُ الحسنة، وعلم الله منه العزم على فعل تلك الحسنة، ولكنه حيل بينه وبينها فلم يفعلها، فإن الله كرما وجودا وتفضلا وإحسانا يكتب ذلك عنده حسنة كاملة،ومن همّ بحسنة فعملها، لم يقف عند الهم، وإنما تجاوز إلى العمل والتنفيذ، إذا همّ بالطاعة وعزم على فعلها ووفّقه الله للعمل والقيام بها، جزأه أنها تكتب عند الله عشْرَ حسناتٍ إلى سبعمائة ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة فانظر ايها العبد وتمّعن في سعة فضل الله جل جلاله، مع أن العبد عمِل حسنة واحدة، ولكنَّ الله قد يكتبها له عشْرَ حسنات، وقد يكتبها له سبعمائة، وقد يكتبها سبعةَ آلاف، وقد يكتبها سبعين ألفاً وقد يكتبها سبعين مليوناً والله يضاعف ماشاء لمن يشاء قال الله تعالى:﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾، وهذا فضل الله سبحانه وتعالى وكرمُه يؤتيه من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم. وفي القرأن العظيم مثلاً رائع، في في مضاعفة الحسنات تقريباً للأذهان.. إنه مثل من يبذر بَذرة في أرض خصبة، فتنمو هذه البَذرة وتكبر حتى تخرجَ منها سبع سنابل، تتضاعف على نحو يصعب على البشر عده وإحصاؤه، قال ربنا تعالى:﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ﴾. إذا كانت الأرض وهى مخلوقة لله، يعطيها العبد المخلوق حبة فتعطيه سبعمائة حبة! فكيف يكون عطاء من خلق الأرض والعبد والحبة؟ قال تعالى:﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾. ولكن متى تكون الحسنة بعشرة، ومتى تكون أضعافا مضاعفة؟ قال أهل العلم: "مضاعفة الأجر على الأعمال، تكون بحسب ما يكون في القلب من الإخلاص ومن إتقان العمل، وبحسب الزمان والمكان وبحسب الحاجة إليها".

وأما من هم بالسيئة ولم يعملها، قصد وأراد أن يعمل سيئة ولكنه لم يعملها وتركها.. لماذا تركها؟ تركها لوجه الله ابتغاء ثواب الله أو خوفا من الله، فهو لم يترك السيئة من أجل أحد، ولم يتركها سمعة أو رياء أو خوفا، ولم يتركها لانه ما استطاع الوصول اليها لعارض طرأ، وإنما تركها لله ومن أجل الله، ولذلك جاء في الحديث القدسي:(إنما تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة)، فهو يُثاب عليها إذا تركها لِوجه الله. وفي قوله صلى الله عليه وسلم:(وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً)، بيان أن الله يرفع الحسنة ويحفظها عنده اي في مكان مشرف مكرم كاملة غير منقوصة.

ومن هم بالسيئة فعملها فهذا لم يكتف بالهم والعزم وإنما تجاوز إلى العمل والتنفيذ، إذا همّ بالمعصية وعزم على فعلها، تُكتب عليه سيئةً واحدة، وهنا لم يقل ربنا سبحانه وتعالى، كتبها الله عنده، ولم يقل سيئة كاملةً، بل قال:(كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)، وهذا من رحمة الله عز وجل، قال تعالى:﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾. أي لا ينقص من ثواب طاعتهم، ولا يُزاد على عقاب سيئاتهم. وهذا من لطف الله عز وجل ورحمته بعباده، ومن كمال عدله أنه يَجزي بالسيئة السيئة. فالله تبارك وتعالى كريم عفو بر رحيم يَجْزي بالسيئة مثلَها، أو يمحها بالتوبة والإستغفار والحسنات، ويَجزي بالحسنة عشرَ أمثالها أو يضاعفها إلى سبعمائة ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة، فالعجب كلَّ العجب لعبد تغلب سيئاته على حسناته مع هذا الكريم الواسع، وذلك هو المحروم الهالك الذي كثرت سيئاتُه مع أنها لا تتضاعف حتى غلبَت حسناته مع أنها تتضاعف!. ولذلك جاء في آخر الحديث:(ولا يَهلك على الله إلا هالك)، فبعد هذه السعة من الكرم والإحسان والرحمة من الله في كتابة الحسنات والسيئات لا يهلك بعد ذلك إلا هالك، أي من أصر على التجرؤ على السيئة عزما وقولا وفعلا، وأعرض ورغِب عن الحسنات هما وقولاً وفعلاً، ولم تنفع فيه النُّذر ولا المواعظ، فهو هالك محروم ولا يَهلِك ولا يَضُر إلا نفسَه. اللهمَّ وفقنا برحمتك لطاعتك وجنبنا بفضلك المعاصي. والله أعلم واحكم.