تأويل قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾[1]

أجمع المعتبرون من العقلاء على أن الله سبحانه وتعالى منزه عن المجيء والذهاب والحركة والسكون وكل ما هو من صفات الخلق ويدل عليه وجوه: أحدها ما ثبت في علم الأصول أن كل ما يصح عليه المجيء والذهاب لا ينفك عن الحركة والسكون وهما محدثان، وما لا ينفك عن المحدث فهو محدث، وما يصح عليه المجيء والذهاب يجب أن يكون محدثاً مخلوقاً والإله القديم يستحيل أن يكون كذلك.

وثانيها أن كل ما يصح عليه الانتقال من مكان إلى مكان فإما أن يكون في الصغر كالجزء الذي لا يتجزأ وهذا محال على الله باتفاق العقلاء وإما ألا يكون كذلك بل يكون شيئا كبير فيكون أحد جانبيه مغاير للأخر فيكون مركبا من الاجزاء والابعاض وكل ما كان مركباً مفتقر الى غيره وكل مفتقر الى غيره لا يكون الها (الحجر الذي يرمي ينتقل من مكان يفرغ مكان ويملئ اخر وكذلك العصفور يطير تاركا مكانا ويملئ مكانا غيره وهكذا)

وثالثها ان كل ما يصح عليه الانتقال من مكان الى مكان فهو محدود ومتناه فيكون مختصاً بمقدار معين وهذا مستحيل على الله تعالى.

رابعها إذا جوزنا في الشيء الذي يصح عليه المجيء والذهاب أن يكون إلها حينئذ لا يمكننا أن نحكم بنفي الالهية عن الشمس والقمر وعلى هذا يقدر قول الله تعلى (وجاء ربك) فيه مضاف أي جاء أمرُ بك وهذا يقال له عند علماء البيان مجاز الحذف[2]. وورد عن الامام احمد بن حنبل أنه سئل عنها فقال (جاء أمره) وفي رواية (جاءت قدرته) أي آثار قدرته معناه يوم القيامة يظهر الله أهوالاً عظيمة وهذا يُظهرُ أنَّ الإمام أحمد يجوزُ التأويل الذي يوافق الكتاب والسنة ولغة العرب ولو كان الإمام أحمد مجسم كأدعياء السلفية اليوم لكان أخذ بالظاهر أما المجسمة أدعياء السلفية فيقولون التأويل تعطيل والتعطيل هو نفي وجود الله أو صفاته فيكونون بذلك حكموا على أحمد بالكفر لأنهم جعلوه معطلا "التأويل معناه صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله موافقاً بالكتاب والسنة"، فكيف يدعون الانتساب اليه وقد ثبت عن أحمد انه قال:( مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك) رواه ابو الحسن التميمي الحنبلي في كتابه المسمى ( اعتقاد الإمام المبجل أحمد بن حنبل ) وقوله هذا مأخوذ من قول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا فِكرةَ في الرب" وقول الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه " جاءت قدرته " اي أثار القدرة ، العجائب التي تظهر يوم القيامة منها أن سبعين ألف ملك يجرون جُزءً كبيراً من جهنم بسبعين ألف سلسلة الله أعلم بضخامتها ، يقربونها من أرض الموقف بحيث يبقى بينها وبين أرض الموقف مسيرة أربعين سنة فيراها الكفار قبل أن يدخلوا جهنم فيزدادون رعباً وخوفاً وقلقاً واضطراباً .ولو كان يوجد موت هناك لمات الكفار من شدة هول ذلك المنظر لكن هناك في الآخرة لا يوجد موت في الدنيا من أشتد الألم عليه قد يموت أما في الآخرة فلا موت. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا)[3]، وكذلك في يوم القيامة تظهر عجائب أخرى منها الذهب الذي كان الشخص لا يزكيه في الدنيا يعيدهُ الله فيحمى عليه في نار يصير مثل الجمر ثم يكوى به جنب وجبهة وظهر ذاك الذي كان لا يزكي، ويعيد الله البقر الذي لا يزكيه الشخص فتنطحه بقرونها وكذلك الإبل تدوس بخفافها الشخص الذي كان لا يزكيها[4]. وفي يوم القيامة ينزل ملائكة كثر يحيطون بالإنس والجن فلا يستطيع أحد أن يخرج من هذا المكان وهؤلاء الملائكة يكونون سبعة صفوف. وفي موقف من مواقف القيامة الكافر ينكر أنه كان يعبد غير الله، فيختم الله على فم الكافر فتنطق أعضائه، ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [5]، وقال الله جل جلاله: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [6]تشهد عليه أعضاؤه بما كان يعمل من الكفر، هذا من العجائب التي يظهرها الله يوم القيامة. كذلك الأرض التي كان يعمل عليها الانسان شرا أو خيراً الله ينطقها هذا الجزء من الأرض يشهد عليه بما فعل من السيئات ويشهد للمؤمن بما فعل من الخيرات. وكذلك في ذلك اليوم تظهر عجائب كثيرة اخرى هذه العجائب ما قال الله عنها: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ). قولُ الله تعالى (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) أي يَوْمَ القيامة، وورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم والترمذي وغيرهما أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال (يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ) أي يَوْمَ القيامة لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا، فيكون عدد الملائكة الذين يَجُرُّونَ هذه القطعة منها 4,900,000,000 أربعة مليارات وتسعمائة مليون مَلَك، فإذا أتي بهذا الجزء من جهنم مزمومة بيد الملائكة إلى أرض الموقف رءاها الناس، فازداد الكفار نكداً ورعباً وتعساً وحسرة فوق حسرة ولا يخفف عنهم العذاب ولا يلقون لحظة راحة بل هم في عذاب إلى ما لا نهاية له. وقوله: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ)، يتذكر الإنسان تفريطه في الدنيا في طاعة الله، وفيما يقرّب إليه من صالح الأعمال ( وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) يقول: من أيّ وجه له التذكير. نسأل الله السلامة في الدين والوفاة على كامل اﻹيمان بجاه رَسُول اللَّهِ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.


[1] [ سورة الفجر: 22]

[2] مجاز الحذف كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي: أهل القرية ونحوه قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} أي: أمر ربك

[3] رواه مسلم

[4] قَالَ : مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ ، لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ ، إِلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، فَتُكْوَى بِهَا جَبْهَتُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ ، حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا ، إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ ، فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ ، فَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا ، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا ، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ ، وَلَا جَلْحَاءُ ، كُلَّمَا مَضَتْ أُخْرَاهَا ، رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا ، إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ ، فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ ، فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا ، كُلَّمَا مَضَتْ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا ، رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ عِبَادِهِ ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ،

[5][يس: 65]

[6][النور: 24].