اللهُ تعالى أكرمنا أن جعلنا من أتباعِ النبيّ الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فخرُ الدنيا وأشرف وأكرم من خلقَ الله ، فقدرهُ صلى الله عليه وسلم العالى، ومقدارهُ الرفيع لن يَنالَ منهُ حَاسد أو كافرٌ سخيف، والأنبياء جملةً وجِدَ لهم أعداء ومبغضين في حياتهم و بعد مماتهم ، ولكنَّ اللهَ إذا رفعَ قدرَ مخلوق لم يستطع العالم أن يُنقصوا من قدره لأنَّ الله تعالى هو الخافض الرافع  المعز المذل، فلقد جَعلَ الله أعلى الخلقِ مرتبة وشرفاً أنبيائهُ صلواتُ الله عليهم أجمعين، من لَدُن آدمَ عليه السلام إلى محمدٍ مروراً بموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام. ومحمد صلى الله عليه وسلم رفعَ الله ذكره وشرّفَ قدرهُ وأخبرَ أنَّ مُبغِضَهُ أبترٌ مقطوع الخير والبركة، ولقد كرَّمَّ الله بني آدَمَ وفضَّلهم على كثيرٍ ممّن خَلَقَ تفضيلاً بأن جعل النبوة في البشر ومن البشر فقط، واصطفى منهم من خَصَّهُ بالنبوَّة والرسالة، واصطفَى مِن أولئك أفضلَهم نبيَّنا محمّد بن عبد الله صفوةَ بني هاشم، وهاشمٌ خِيَارُ قريش أشرف قبائل العرب، إختاره اللهُ لهذهِ الأمة لهدايتها إلى دين الله القويم وصراطه المستقيم، فكانت حياتُه عليه الصلاة والسلام عبادةً وشكرًا لله، ودعوةً وحِلمًا، وابتلاءً وصبرًا، وتعليماً للجاهل وإرشاداً للناس، وشفقة عليهم ونشراً لعقيدة المسلمين التى سبقه إليها إخوانه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فما مِن خَيرٍ إلا دَلَّ الأمة عليه صلوات الله وسلامه عليه، وما من شرٍّ إلا حذَّرَها عنه جزاه الله عنا خير الجزاء. قضَى صلى الله عليه وسلم زمنِ رسالته يَدعو لتوحيد الله وأن لايشرك به شيئاً وللعبادة الله الواحد الذي لايحتاجُ للخلق ولا يوصفُ بصفات الخلق، ويعلمُ الناس أن يعبدوا الله بأن يعتقدوا أنَّ الله تعالى هو الربُ المعبود الذي يَستَحِقُ العبادة ، وأنَّ الله تعالى له صفات الكمال من الوحدانية وأنّه تعالى صَمدٌ لايحتاج لأحدٍ، لا للملائكة ولا للعرش ولا للسماء، بل الله تعالى هو خالق الكُل، وهو لا يحتاج للكل، بل الكُلُ مُحتاجٌ إلى الله تعالى، حارب الوثنين الذين يعبدون المخلوقات ودعا لعبادة الله الواحد الذي لايشبه الخلق، ثمّ بعدها نزلت عليه الأحكام من صلاة وصيامٍ وحج ونحوه، وأخبرهم أنّ من لم يَستجِبْ له في هذا الدين ويؤمن بالله ورسوله خلَّدهُ الله في النار وحرَّمَ الجنةَ عليه. إفتتَحَ رسالتَه بكلمة التوحيد: "لا إله إلاّ الله"؛  كلمة التوحيد والتنزيه والكلمة التى فيها إثباتُ الألوهية لله ونفيها عن ما سوى الله تعالى، وقامَ يجهر ويصدع بها في مكة قائلاً يا أيّها النّاس قولوا: " لا إله إلاّ الله " تفلحوا..، مَكثَ سنواتٍ في مكّة يدعوا الناس لتوحيد الله تعالى. ولن نُحيط بشمائله صلى الله عليه وسلم لكن غيضٌ من فَيضٍ على بعض خصاله وشمائله صلى الله عليه وسلم فقد كانَ كثير التعبُّد لله، قامَ بالطاعة والعبادة خيرَ قيام، خاشعٌ لله يُصلِّي في الليل والنّهار ، ولِسانُه لا يَفتُر عن ذكر الله، قالت عائشةُ رضي الله عنها:كانَ رسولُ الله يَذكرُ اللهَ على كُل أحيانِه رواه مسلم، وقال ابن عمر: إن كنَّا لنعُدُّ لرسول الله في المجلس الواحد مائةَ مرةٍ: ربِّ إغفر لي وتُبْ عليَّ، إنّكَ أنتَ التوابُ الرحيم، وهو المغفور له ولكن شكرا وتعبداً لله، يُحبُّ الصلاة ويُوصِي بها ويعظم شأنها، قال أنسٌ: كانت آخر وصيّة النبيّ حينَ موتهِ:الصلاةَ، وما ملكَت أيمانُكم، وكانَ يقينُه بالله عظيم، مُوقِنٌ بأنَّ العالم كله يجري بمشيئة الله وعلمه وتقديره، فكانَ يُكثرُ من قول قدّرَ اللهُ وماشَاءَ الله فَعل، وعلمَّ  بناته أن يَقلنَّ كلَ يوم ماشآء اللهُ كانَ ومالم يشأ لم يكنْ. وكانَ صلى الله عليه وسلم على يقينٍ أنَ كلامَ الله فيه شفاء، إذا مرضَ يرقِي نفسَه بكلام الله، قالت عائشة رضي الله عنها: كان إذا إشتكَى يقرأ على نفسه بالمُعوِّذات وينفُثُ.. أي ينفخ بهواء فمه بعد القراءة،مُعظِّمٌ للرُسِلِ من قبله؛ ونهى عن الغلو حتى في حُبه  فقال:لا تُطْروني كمَا أطرَت النّصارَى ابنَ مريم، فإنمّا أنا عبدٌ، فقولوا: عبدُ الله ورسولهوكان يقول صلوات الله وسلامه عليه: أنا أولىَ النّاس بعيسى بن مريم ليسَ بيني وبينهُ نبي، يدعو كلَّ أحدٍ إلى هذا الدين ولو كان المدعوّ صغيرًا أو أمراة أو ذو جاه أو مسكين ،يحب المساكين ويتودد إليهم بل كان من دعائه "اللهمَّ أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زُمرةِ المساكين" أي المتواضعين، زارَ غلامًا يهوديًّا مريضًا، فقعدَ عند رأسه وقال له:(أسلِم)، فأسلَمَ الغُلام. رواه البخاري. وكان صلى الله عليه وسلم يتواضَعُ للصغير ويلاطفهُ ويُكرمُ ذي الشيبة ويوقره، يَتلطّفُ في تعليمِ صحابَتِه ويحثهم على فعل الخير والبرّ والإحسان وأن يدعوا الناس إلى دين الله فيقول لعلي رضي الله عنه: لأنّ يَهدي اللهُ بكَ رجلاً واحداً خيرٌ لكَ من حُمرِ النَعم، لا يُعنِّفُ ولا يتكبَّر؛ بل صدرُه مُنشرحٌ لكل أحدٍ؛ وكانَ حسنَ الأخلاق ليس بفاحشٍ في الألفاظ، وحياؤه أشدُّ من العذارء في خدرهِا، يده عفيفة بيضاء طاهره لم يضرب أحدًا في حياته؛ قالت عائشة رضي الله عنها: ما ضربَ رسول الله شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا، إلا أن يُجاهدَ في سبيل الله، ولم ينتقم لنفسه؛ بل يعفو ويصفَح، وإذا خُيِّر بين أمرين أخذَ أيسَرهما ما لم يكن إثمًا، طلْقَ الوجه ليسَ بالعبوس؛ واصلٌ لرَحِمه، صادقٌ في حديثه، قاضٍ لحوائِجِ المكروبين؛ قالت له خَديجة له يوماً:إنّك لتصِلُ الرَّحِمَ، وتَصدُق الحديث، وتحمِلُ الكلَّ، وتكسِبُ المعدوم، وتَقريّ الضيفَ، وتُعينُ على نوائب الحقّ. وكان صلى الله عليه وسلم يُوصِي بالجارِ، ويحُثُّ على حُسن جواره وإكرامه، قال لأبي ذرٍّ: إذا طبَختَ مَرقةً فأكثِر ماءَها وتعاهَد جيرانك، رقيقُ القلب رفيقٌ بمن تحته وصفه الله تعالى بالرؤوف الرحيم؛ خدَمه أنسٌ عشرَ سنين، فما قال له: أفٍّ قطّ، ولا قال لشيءٍ صنعَه: لم صنعتَ؟ ولا: ألاّ صنعتَ؟! رحيمٌ بالضعفاء والمرضى حتى أمَر من يُصلِّي بهم أن يُخفِّف صلاتَه من أجلهم، رؤوفٌ بالناس شديد الحِلم؛ كثيرُ البذل والعطاء، لا يردُّ سائلاً ولا مُحتاجًا، قال حكيمُ بن حزامٍ : سألتُ رسولَ الله فأعطاني، ثم سألتُه فأَعطاني، ثم سألتُه فأعطاني. متفق عليه. واسعُ الجُود جاءَه رجلٌ فأعطاه غنمًا بين جبلَين. ورأى رجلٌ عليه بُردةً جديدة فقالَ: أكسنِيها؛ ما أحسنها! فأعطاه إياها. رواه البخاريطيّبٌ مطيب فخمٌ مُفَخَما لا يأكل إلا طيبًا حلالاً، يُجِلُّ صحابَتَه ويُعظِم مكانتهم وإذا مرِضَ أحدُهم عادَه وحزنَ لمُصابه وفرح لفرحهم، زار سعدَ بنَ عبادة فوجدَ مرضَه شديدًا، فبكى، وفيٌّ مع صحابته، لم ينسَ فضلَهم وإيثارهم، آخِر يومٍ صعد فيه المنبر قال: أُوصيكم بالأنصار؛فاقبَلوا من مُحسِنهم وتجاوزوا عن مُسيئهموحفظَ لزوجته لخديجةَ مواقفها العظيمة الشجاعة وبذلَها السخيّ لنصرة الدعوة، فكانَ يذكرها بالخير بعد وفاتها، ويصِلُ أقرباءها ويُحسِن إلى صديقاتها ويُكرِمُ صديقتها بالبر والصلة، ومن وفائه لأصحابه أنه أمر بسدِّ كل خَوخةٍ -أي: باب- من البيت يُفتَح على المسجد النبوي سوى باب أبي بكرٍ وفاءً لأبي بكر وإشارة أنّ هذا يكون خليفة بعدي. ومع عِظَم مسؤولياته و ما أُوكِل إليه من الرسالة كان جميلَ المعشَر مع أهله مُتلطِّفًا معهم، فإذا دخل بيتَه يكون في مهنتهم، وإذا حضرَت الصلاة خرج إلى الصلاة لم يكن بالمتسَخِط في دارهِ، حسن العشرة ما اشتكت منه زوجاته مع تعددهم، لطيف المعشر يواسى ويصبر ولم يرى عبوساً في بيته قط، رقيقٌ مع أولاده وأحفاده مُكرمٌ لهم، إذا دخلت إبنتُه فاطِمَةُ يقومُ لها ويأخُذ بيدها ويُجلِسُها في مكانه الذي كان يجلسُ فيه ويقبلها تودوداً وحباً وشفقة ورحمة. وكانَ يَضعُ الحسنَ على كتفه ويقول: اللهمَّ إني أُحبُّه فأحِبَّه.ذاقَ صلى الله عليه وسلم من الحياةِ شدة بلائها ومصائبها؛ فصبرَ وشكرَ وزهد وترك التنعم والدنيا وزينتها قالت عائشة رضي الله عنها: "دخلت عليَّ امرأةٌ ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجِد عندي شيئًا غير تمرةٍ واحدة"، تمرةٌ واحدة في بيت سيد الخلق!! وهذا ليس عن فَقرٍ بل عن زهدٍ وعدم تعلق بالدنيا ومتاعها، لا قَى من المِحن والشدائد الثقال؛ نشأ يتيمًا، وأُخرِجَ من بلَدِه مكة، وماتَ له سِتَةٌ من الولد في حياته، وقاتلته العشائر والأحزاب من العرب وعَذبّوا أصحابه الشيَء الكثير ونكلوا بهم ، ومَكرَ به أهلُ النفاق وتآمروا عليه فخذلهم الله، وجعل له السمّ في طعامه فحفظه الله منه، وعُمِل له السحر ولم يضره، والتفّتْ عليه الأحزاب  وحاصروهُ فهزَمَهُمُ الله، ومع ما لاقاه من تلك المصائبِ وغيرها كان بشوش الوجه غير حقود ولا مكار مُتفائلاً في حياته ويقول: يُعجِبني الفَألُ والكلِمَةُ الحسَنَة. وكان صلى الله عليه وسلم معرضا عن الدنيا لايميل إليها ولا يطمع في زخارفها وزينتها؛ فكان يقول: ما لي وللدنيا؟! ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ إستظلَّ تحتَ شجرةٍ ثم راحَ وتركها فارقَ الحياةَ ولم يُخلِّف شيئًا من حُطام الدنيا الزائل؛ لم يترك قصوراً ومتاعاً وجنائنَ وثروات بل ترك ميراثُ علم يهتدي به العالم، قالت عائشة رضي الله عنها:تُوفِّي رسولُ الله وما ترك دينارًا ولا درهمًا ولا شاةً ولا بعيرًا، ولا أوصى بشيء. ولقد عاش داعياً معلما آمرا بمحاسن الأخلاق ناهيا عن الشرك والكفر والفواحش والرذائل، فنبيُّنا قد أدَّى أمانةَ الرسالة ونصحَ لأمته، ومِن وفاءِ الأمّة له أداء حقوقِه؛ من الإيمان به والتصديق بما جاء به، وتعظيمه وتوقيره والذبِّ والدفاع عن شريعته والصلاة والسلام عليه، وزيارة قبره الشريف، وتلاوة سيرته العطرة، وتمسك الأجيال بمحبته وعشقه ومدحه وإتباعه في الحياة وجوانبها كلها ، ومن حقه تقديمُ حبِّه على جميع المحبوبات، قال: لا يُؤمنُ أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولدِه ووالده والنّاس أجمعين. ومِن أصول الإعتقاد عند المسلمين الإيمان برسالتة مع الإيمان بإخوانه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قال الله تعالى: لا نُفرقُ بينَ أحدٍ من رُسله، ومِن محبته تعلمُ سيرته ومعرفةُ هديه وسننه في كلّ حين، ونشرُ دعوته في الآفاق، وأن يدعوَ المسلِمُ لما دعا إليه من التوحيد وأوامر الدّين ومحاسنِه وفضائِله، ومن جَعلَ النَبيَّ قدوتَه في عباداتِه ومعاملاته نَالَ الفلاحَ والرّضا، قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا، فسعادةُ الدارَين بطاعته عليه الصلاة والسلام، وعلى قدرِ متابعتِه تكونُ العزَّة والنجاة والسعادة والهداتية، قال الله عز وجل: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا، ومن أطاعَه صَلُحَ دينُه وحَسُنت دنياه وأنشرَحَ صدره وحسن حاله، ومن أحبَّ أن يكونَ رفيقَه في الآخرةِ فليكُن مُقتفيًا أثرَه، مُستنًّا بسنته، مُعرِضًا عمّا يُناقِضُ الشهادةَ له بالرّسالة أو يُنقِصُها، قال سبحانه: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. وعلى المحب المتّبع الإكثار من الصلاة والسلام عليه في الليل والنهار، فالصلاة عليه  صلى الله عليه وسلم فيها شرح للصدور وبركة وتيسير للأمور ودَرٌ للأرزاق ومحو للذنوب وبها تحل البركات وبها تنال الرغائب وحسن الخواتيم، ومعنى الصلاة عليه هو: يارب زِدْ هذا النبيّ العظيم شرفاً على شرفه، وجاهاً وعظمةً على شرفه وسَلِم أمته مما يكرهُ محمد صلى الله عليه وسلم،

أيها المسلمون فلنفتخر بنبينا وإمامنا وقدوتنا الذي شَرّفَّ الدنيا والذي جعله الله مقدماً على كل من سواه من بشرٍ وجنٍ وملائكة، فافخروا برسول الله والرسول لا يضره عند الله بغضُ مبغضٍ سافلٍ، ولكن ينضرُ من يُبغضه، فمسبة النبيّ بل مَسبة أي نبيّ من الأنبياء كفر بالله وكذا إنتقاصهُ بكلام فيه نسبة دنائة أو تحقير أو رذائل فهو كفر بالله، فتعظيم الأنبياء واحترامهم أمرٌ أوصى الله به العباد فمن نَقّصَ نبياً أو رمى نبياً بالكفر أو بالرذائل من الفواحش فعليه من اللهِ اللعائنُ وأن ماتَ على ذلك فهو مُخلد في النّار، والله تعالى رفعَ قدرَ هذه الأمة وشرفّها وما شَرفُها إلا بشَرفِ نبيها، قال الله تعالى:كنتم خيرَ أمةٍ أخرجت للنّاس، وشرفُ هذه الأمة بشرفِ النّبي العظيم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.