الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

الله تبارك وتعالى خلق البشر وخصّ بعضهم بخصائص ليست لبعض، وفضل بعضاً عن بعض، وجعلَ في خلقه الذكرَ وفيهم الأنثى، وخصَ النّساء بأحكام شرعية تتعلق بهنَّ حتى إنَّ سورة في القرآن الكريم سميت بسورة النّساء لكثرةِ ما فيها من أحكام متعلقة بالنساء ومع أنَّ ثواب الأعمال عند الله واحد، فالرجل له في الآخرة الحسنة بعشرة أمثالها والمرأة كذلك، وكذلك السيئة من الرجل سيئة ومن المرأة كذلك، قال الله تعالى: وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا. وقد تتفوقُ المرأة على الرجل بكثرة طاعتها لربها وتقواها وتزودها من الخير للآخرة ، فالرضى عند الله تعالى هو الفضل والتقوى سواء كان في الرجل أو في المرأة فكم من من ذكر سعيدا عند الله وكم من شقي، وكم من الإناث مثل ذلك، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ وأما في العبادات والطاعات فهناكَ نوع من الأحكام خاصٌ بالنّساء كالأمور المتعلقة بالحيض والنِّفاس والستر والعِدَةِ والإحدَادِ وغير ذلك.  ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتمُ بتعليم النّساء ما يحتجنَّ إليه فكانَ يخصهنَّ ببعضِ مجالسه ومواعِظه وأحياناً كُنَّ يحضُرنَّ مع الرجال ويسألنَّ ما يهمُهنَّ من أمور الدين ،ذكر البخاري في كتاب العلم في صحيحه في باب عِظة النّساء وتعليمهنَّ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: أشهدُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة العيد قبل الخُطبة ، قال: ثمَّ خَطَبَ فرأى أنهُ لم يُسمِعِ النّساء فأتاهُنَّ فذَكّرهنَّ ووعظَهُنَّ وأمرَهُنَّ بالصدقة وبلالٌ باسِطٌ ثوبه، فجعلت المرأة تُلقي الخَاتم والخِرصَ والشيء، وفي هذا الحديث إستحبابُ وعظِ النساء وتعليمهنَّ ولو كان في محضر الرجال، وبسَطُ بلالٌ رضي الله عنه للثوبِ على معنى جمع الصدقة من حُليّ النّساء. وأما إفرادهُ عليه الصلاة والسلام النّساء بمجالس خاصة فكان يحصلُ أحياناً ، كما روى مسلم والبخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنبيّ صلى الله عليه وسلم: غَلبَنَا عليكَ الرجال فاجعل لنا من نفسِكَ يوماً نأتيكَ تُعلمنا ممّا علمَكَ الله قال: إجتَمِعنَ يومَ كذا وكذا، فاجتمَعنَ فأتاهُنَّ رسول الله فعلمَهُنَّ مما علمَهُ الله، وهذه السيدة الجليلة عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها تمدحُ  وتُثني على النّساء اللواتي يَسألنَّ عن أمور الدين فقالت:نِعمَ النّساءُ نساءُ الأنصار لم يمنَعهُنَّ الحياء أن يتفقَهنَّ في الدين رواه البخاري.

 الذهب والحرير

ومن هذه الأحكام حِلّ لبس الذهب والحرير للنّساء مع كونه حراماً على الرجال ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أُحِلَّ الذهبُ والحرير لإناث أمتي وحُرّمَ على ذكورها رواه الترمذي.  وانعقد الإجماع على جواز لبس الذهب للنّساء وكما مرَ في حديث الصدقة إنَّ النّساء كُنَّ يضعنَ في الصدقة الخاتم وأنواع الحلي، وهذا يَدلُ على أنهُنَّ كُنَّ يَلبِسنَّ الذهبَ حتى خارج البيت ويحضرنَّ به المصلى يوم العيد، والعجب ممن حَرمَّ في هذا العصر لُبسَ الذهب للمرأة مخالفاً الحديث والإجماع وهو المدعو ناصر الألباني حيثُ قال في كتابه ءاداب الزفاف ص 122:" يَحرمُ على المرأة أن تَلبِس الذهب المُحلق"!! ويعني بذلك الخاتم والسوار والسلسلة من الذهب !!.فلا عبرة بكلامه بعد إجماع الأمة على جواز ذلك والحديث الذي رواه الترمذي وقال فيه: حديث حسن صحيح.

عورة المرأة

ومن الأحكام المتعلقة بالنساء أنه يجب على المرأة ستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين إلا أمام من يحل له النظر لها وذلك لقوله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وفُسِرَ ما ظهرَ منها بالوجه والكفين، وإنّما لم يكونا عورة لأنّ الحاجة تدعو إلى إبرازهما ، والسترُ يكونُ بما يستر لونَ البشرة والشعر فلا يكفي ما يحكي لون البشرة أو الشعر كالثوب الشفّاف المُظهِر لما تحتهُ من لون البشرة أو لون الشعر، لحديث عائشة رضي الله عنها أنَّ أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها دخلت على رسول الله وعليها ثياب رِقاق فأعرضَ عنها رسول الله وقال لها يا أسمّاء إنَّ المرأة إذا بلغت المَحيض لم يَصلح أن يُرىَ منها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه. رواه أبو داوود. ولا يشترط للمرأة لباسٌ معين بل كل ما توفرت فيه شروط الستر يصلح سواء كان قماشا أو جلداً أو غيره يُغطي لونَ الجلد والشعر، إلا أنّ الأفضلَ ما كان فضفاضاً واسعاً كالجلباب لإخفائه حجم الجسد الحقيقي، ولا بأسَ بالسراويل الواسعة ولو تحتَ القمصان (الفساتين) فعن أبي هريرة قال: بينما النبيّ صلى الله عليه وسلم على باب المسجد مرت إمرأة على دابة فلما جازت النبيّ صلى الله عليه وسلم عثرت بها فأعرضَ النبيُ صلى الله عليه وسلم وتكشفت فقيل: يا رسول الله إنَّ عليها سراويل فقال: رحِمَ اللهُ المُتَسَروِلاتِ من النّساءوليُعلم أنَّ الستر الواجب على المرأة ليس فيه ذُلٌ لها أو لعيبٍ فيها، إنمّا تعبداً وطاعة لله ولتُحفَظَ وتُصان عمن لا يجوز له النظر إليها، وما بين السرة والركبة من المرأة فلا يجوز أن تكشفه أمام المحارم إلا أمامَ الزوج إلا إن كان لضرورة ، وكم أفسدت عادة كشف العورات والتعري من نساء ورجال و بيوت ومجتمعات، وكم أورثتها فتناً ومشاكل وفضائح ، فعلى المرأة التي تخاف الله وتريد العفّة والصونَ والشرف أن لا تنجرف مع أولئك اللواتي يكشفْنَّ ويتعرينَ أمام الجيران والأقارب غير المحارم أو الأصدقاء، وليس هذا فحسب بل إنَّ بعض النِسوة يَجلسنَّ على شرفات البيوت في مواجهة الجيران كاشفات ويدافعن بقول: نحن في بيوتنا والإنسان حرٌ في بيته، فهؤلاء وقعنَّ في الحرمة والمعصية لأنَّ الشرع الشريف ينهى المرأة أن تكشف بدنها إلا أمامَ من يجوز لها أن تكشف عنده.

السفر بلا محرم

ومن الأحكام المتعلقة بالنّساء أنه يحرم على المرأة أن تُسافر لغير ضرورة مسافة  تعرفُ  بين الناس بالسفر إلا ومعها مَحرَم كزوج أو أخٍ أو صهرٍ أوحفيد ونحوهم، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام إلا ومعها مَحرم، رواه البخاري وورد حديث بمسافة نصف يوم ، أما إذا كان السفر لضرورة فيجوز، وباب الضرورات واسعٌ ومثال الضرورة سفر المرأة للحج الفرض فإنه يجوز إن لم تجد محرماً يسافر معها، ويشترط للمحرم أنّ يكون بالغاً، وأجاز الإمام أحمد سفر المرأة بدون محرم إذا كانَ  مع جَمع من النسوة الثقات.

الحيض

ومن الأحكام المتعلقة بالنساء الحيض وما يتعلق به من مسائل وهو دمٌ يخرجُ على سبيل الصحة لا المرض ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: هذا أمرٌ كتَبَهُ الله على بناتِ آدم رواه البخاري .وأقلُ سن تحيض فيه المرأة تسع سنوات قمرية (هجرية) وأقلُ الحيض يوم ليلة أي مقدار أربع وعشرين ساعة، سواء كان متصلا أو متقطعا في ظرف خمسة عشر يومًا، فلو رأت المرأة الدمَ ستة أيام كل يوم أربع ساعات ثم أنقطع كانت تلك المدة كلها حيضا ، وأكثره خمسة عشر يوما ، والحيض يمنعُ المرأة من فعل الصلاة والصيام وقراءة القرءان ومسّ المصحف وحملهُ والمكث في المسجد والطواف بالكعبة، ويحرّمُ عليها أيضاً تمكين الزوج من الإستمتاع بما بينَ السُرة والركبة أثناء مدة الحيض ، وما سوى ذلك لا يحرم، وما شاعَ عن ألسِنة بعض النساء أنَّ بدنَ المرأة زمنَ الحيض يبقى نجساً وأنها لا تضع يدها في طبيخ ونحوه لأنها تنجسه فليس هذا من دين المسلمين بشيء!! بل هذا من أقاويل وخرافات اليهود. روى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه أنَّ اليهود إذا حاضت المرأة هجروها وأخرجوها من البيت فسأل الصحابة النبيّ فأنزل الله هذه الآية: وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًۭى فَٱعْتَزِلُوا۟ ٱلنِّسَآءَ فِى ٱلْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ  فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ  إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّ‌ بِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ، فقال رسول الله  إصنعوا كل شئ إلاّ النّكاح أي لامسوهن وكلوا معهنَّ وناموا بفراشهن ولا تمنعوهنَّ من شئ إلا ما ذُكر في الحديث ، وقد ضرب النبيّ المُعلم المثل بنفسه في ذلك للمؤمنين والمؤمنات جاءَ في الصحيحين عن أم سلمة زوجة رسول الله قالت: بينما أنا في الخَميلة (نوع من الثياب) قالت: إذا حِضْتُ فانسَللتُ فأخذت ثياب حيضتي فقال لي رسول الله: أنفِسْتِ (أي حضتِ) قلت: نعم، فدعاني فاضجعت معه في الخميلة، فانظر لفعل النبي من إدخال زوجته وهي حائض في الغطاء فيعد هذا كيف يجرؤ اولئك بالمنع!؟ وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ناوليني الخِمرة (قطعة من القماش  بقدر ما يسجد عليه  الشخص) فقلت إني حائض فقال: حيضَتُكِ ليست في يدكِ معناه بدَنُكِ طاهرٌ لاعلاقة لحيضك بسائر البدن، وفي الصحيحين أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أُرجلُ (أسَرِحْ) رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض، أي كان النبيّ وهو في المسجد يُدني رأسه من عائشة في حجرتها الملاصقة للمسجد فتُرَجِل له رأسه وهي حائض. وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت:كنتُ أشرب من الإناء وأنا حائض ثم أناول النبيّ فيضعُ فاهُ على موضع فيَّ أي كان صلى الله عليه وسلم يأخذ من يدها الإناء وهي في الحيض فيضع فمه على الموضع الذي وضعت فمَهَا عليه فيشرب !!، وعن عائشة أيضا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرءان. وفي هذه الأحاديث أوضح دليل على أن المرأة الحائض لها مزاولة كل الأعمال إلا ما ورد في الشرع الإمتناع عنه،وفي هذه الأحاديث أيضاً بيان إكرام المرأة في الإسلام وكيف كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعامل أزواجه حتى في حالة الحيض. وقد حرمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق المرأة وهي في حالة الحيض، وفي تحريم الطلاق في الحيض حِكمٌ عظيمة إذ إنها لو طلقها بالحيض لطالت عدتها وحتى لا تظن المرأة أنَّ الرجل طلقها في الحيض لاستغنائهِ عن التمتع بجسدها، وفيه من العناية من حيث إنه لو انتظر إلى وقت الطُهر لعله يغيرُ رأيه وتعودُ المودةُ والإلفة بينهما إلى غير ذلك  من الحِكَموأما الإستحاضة وهو الدمُ الخارج لعلة مرض من غير الحيض فلو بقي الدمُ نازلاً من المرأة الحائض بعد خمسة عشر يوماً يسمى إستحاضة، والإستحاضةُ غير الحيض ولها تفاصيل وأحكام يطول ذكرها فعلى من كانت بها هذه العلة أن تسأل أهل العلم والمعرفة عن تفاصيل أحكامها.

الـنّفـاس

النفاس دمٌ يخرج عقب الولادة بعد فراغ الرحم من الحمل، وسمي نفاساً لأنه يخرج عقب نفس، وأقل النفاس لحظة وأكثرهُ ستون يوماً وإن كان الأغلب أربعين يومًا، والعبرة بوجود الدم وانقطاعه ولا عبرة بالأربعين يوما على الدوام كما هو شائع عند بعض النسوة أنَّ المرأة لو انقطع دمها قبل الأربعين تبقى بغير صلاة ولا صيام إلى تمام الأربعين!!، هذا غلطٌ وجهل بالحكم ، وقد جاء في حديث البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش إذا أقبلت الحَيضة فدعي الصلاة وإذا أدبَرت فاغتسلي وصلي والدمُ الخارج قبل الولادة لا يُسمى نِفاساً بل هو دمُ علة أو جرح فتبقى في هذه الحالة الصلاة واجبة عليها لأنَّ النفاس يكون بعد الولادة.

عدة الطلاق والوفاة

العدة إسم مأخوذٌ من العدد وهو مدة تتربصُ فيها المرأة لمعرفة براءة الرحم، فإذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول بها لم تجب لها العدة لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا، وإذا طلقها بعد الدخول وكانت حاملا فعدتها بوضع حملها لقوله تعالى: وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا وإن كانت غير حامل فعدتها ثلاثة قروء أي ثلاثة أطهار وذلك لقوله تعالى:وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَـٰثَةَ قُرُوء ومعنى يتربَصنَّ ينتظرنَ. وإن كانت المرأة ليست من ذوات الحيض كالمرأة التي بلغت سناً إنقطع فيه حيضها فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى:وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وكذلك من مات عنها زوجها وجبَ عليها العدة لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، والمعتدة تلتزم بيت زوجها مدة العدة ولا يصح لها عقد نكاح قبل إنتهاء عدتها.

الإحداد على الزوج

يجب على المرأة المتوفى عنها زوجها الإحداد وهو التزام ترك الزينة إلى إنتهاء أربعة أشهر قمرية وعشرة أيام، ولا يختص الإحداد بلون واحد من الثياب بل يجوز الأبيض والأسود والأصفر والأحمر وغير ذلك إذا لم تكن ثياب زينة، ويحرم من الأسود ما فيه زينة أيضًا، ويكون الإحداد بترك الزينة والطيب وما يتبع ذلك مما يسمى زينة ولو في البيت لوحدها لقوله صلى الله عليه وسلم المتوفى عنها زوجها لا تلبس الحلي ولا تكتحل ولا تخُضب رواه أبو داوود والنسائي. وليس من الإحداد الواجب عليها ترك مكالمة الرجال أو عدم كشف وجهها أمام الرجال غير المحارم فهذا ليس مما يدخل في الإحداد الشرعي، إنما هذه عادات أضافها بعض الناس ونسبها إلى شرع الله وليس لها أصل، وتحرم الزيادة على هذه المدة الشرعية في الإحداد بقصد الإحداد ويحرمُ على غير الزوجة من النساء الزيادة على ثلاثة أيام في الإحداد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لا يحلُ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ على ميت فوقَ ثلاث إلا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرا رواه البخاري. ولا يجوز للمرأة المحدة أن تبيت خارج بيتها  لغير ضرورة و يجوز لها أن تخرج لتَستأنِس ببعض جاراتها ولو كن في البناء المجاور ثم تعود إلى البيت للمبيت فيه وكذا لها الخروج لجلب الطعام إن لم يكن لها من يعينها به وكذا الضروري من العمل ونحوه فالإحدادُ هو الانكِفافُ عن الزينة تحَزُنّا على الموت الذي فرَّق بين المرأةِ وزوجِها لأن في ذلك مساعدةً لها على الاستعداد لمصالح الآخرة. ومن جملة ما في العِدّةِ منَ الحِكَم حفظُ ماءِ الزوج لأنّه قد يكون في رحمِها نُطْفة انعقدت، ومن ذلك التفرغُ في هذه المدة لعمل الآخِرة كما أنَّ أصحابَ الخلَوات يتفرّغون لعبادة الله في خلواتِهم.

نتفُ الحاجب والخلوة

ومن الأحكام المتلقة بالمرأة حرمة النَمَص وهو نتفُ الحاجب للحُسنِ وهو يختص بنتف الشعر من الحاجب فقط، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لعنَ رسولُ الله الواصلَة والمُستوصِلةَ والواشِمةَ والمُستَوشِمَة والنّامِصَة والمتَنمصَةَ، رواه البخاري ومسلم، وما سوى الحاجبين لها نتفه كالشعر الذي ينبت في الوجه، بل يستحب لها نتف الشعر الذي في الوجه واللحية لو كان لها ذلك، ورجحّ بعض الشافعية في النمص ونحوه الحِل بإذن الزوج فإن مات زوجها حَرُم عليها فِعلُه بعد ذلك، وقال بعضُهم إنّما يَحرُم النَّمْص إذا كان على وجه فيه تشبُهٌ بالفاجرات مؤولين للحديث على هذا المعنى، وذلك كالتي تنتف شعَر الحاجب كله ثم تَرْسُمُه رَسْما بنَوع من الألوان فهذا حرامٌ عند الجميع.  وأما غير ذات الزوج فليس لها نتفُ الحاجب فلينتبه لهذا الحكم. وكذا يحرم على المرأة أن تختلي برجلٍ غير محرم وغير زوج في مكان لا يراهما ثالث يستحى منه لقوله عليه الصلاة والسلام:لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا كانَ الشيطانُ ثالثهما، معناه الشيطان يشتغل بهما حتى يوقعهما في الحرام لأنه تلك الساعة يقوي عليهما، ولقوله عليه الصلاة والسلام في وصيته عند بيعة النساء:إنمّا أنبئكن عما نهيتنَّ عن أن تعصيني فيه لا تَخْلُوَن بالرّجالِ وُحْدانَا رواه الترمذي. فلو كان رجل وامرأتان لم تكن خلوة، ورجلان وإمرأة ليست خلوة وإن كان حكم الخلوة يحرم على الرجل أيضاً إنمّا لغلبة الفتنة ذكرناه، فعلى المرأة أن تتقي الله تعالى في ما نهيت عنه وتستعد للآخرة بالتزود بالعمل الصالح، فكما صَلُحَ من الرجال كثير كذلك صَلُحَ من النّساء كثيرات وكثيرات، الله أسأل أن ينفعَ كل من قرأ هذا المقال، والله أعلم وأحكم.