التنجيم والكهانة والعرافة وقرأة الكف والنظر في الفنجان لمعرفة الحظ والخط بالرمل والضرب بالحصى والمندل والتبصير كلها من أعمال السحَرَةِ والمشعوذين والتى راجت في أيامنا فعُملت لها القنوات الفضائية وانشأت لها صفحات على مواقع الكترونية وفتحت لها مراكز مخصصه ومدارس وبيوت، واطلق على السحرة الشيوخ والشيخات والروحانيون والفلكيون وغير ذلك من أسماء للتلبيس، والله تعالى يقول:(وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)، قال العلامة الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله: السحر من كبائر الذنوب عدهُ النبي من السّبْع المُوبقات، والسِحرُ هو مُزاوَلةُ أفْعال وأقوالٍ خَبِيثَةٍ. وهو أنواعٌ منه ما يُحْوِجُ إلى عَملٍ كُفْريّ ومنه ما يُحْوِجُ إلى قول كفري، فالأَوّلُ كالسّجود للشمس أوالسجود لإبليس ومنه ما يحوجُ إلى تعظيم الشيطان بغير ذلك، فما يحوج إلى الكُفرِ ولا يحصل إلا بالكفر فهو كُفْرٌ. وما لا يحوج إلى الكفر فهو كبيرة . وقد أطلق بعض العلماء تحريم تَعلُّمه وفَصَّلَ بَعضٌ في ذلك فقال إن كان تعلُمهُ وتَعليمُه لا يحوج إلى الكفر ولا إلى تعاطي مُحَرَّمٍ جاز ذلك بشرط أن لا يكون القَصْدُ تَطبِيقَه بالعَملِ وإلا فتحريمه مُتّفَقٌ عليه ومن استَحَلَّ ذلكَ كَفَر. ومن أعمال السَحَرَةِ وأقوالِهم الخبيثة أنهم يَستنجِدونَ بالشياطين ويتكَلَّمون بكلامٍ قبيح فيه تعظيم للشيطان لِيُعينَهُم على إيذاءِ هذا الشخص الذي يريدونَ إيذاءَهُ، ومن الأفعال الخبيثة التي يزاولونها أنهم أحياناً يأخذونَ دمَ الحيض لِيَسقُوهُ الشخص الذي يريدون ضرره وأحياناً يأخذون ظِفْرَ الشخص أو بعض شعره ليكون إيذاؤه أشدّ. وأحياناً يأخذون من تراب القبر لذلك. وأحياناً يَستَعينُون بالأَرواحِ الأرضيَّةِ مِنَ الشَّياطِينِ، وأحياناً يَستَنْجِدُونَ بالكَواكِبِ، لأنها على زعمهم لها أرواحٌ تُسَاعِدُهُم وكذلك الشمس، ثم هم أحياناً يختارونَ وقتًا مُعَينًا لِعَملِ السِحر لأنَّ هذه الأوقات الله جعَلَ لها خَصَائِصَ لِعَمل الخير ولعمل الشر. ومن أنواع السحر سِحرُ التَّسْلِيطِ، يُسَلَّطُ على الشخص جِنيٌّ يُمْرِضُه وأحياناً هذا الجنيُ يَقْتلُه. وقولُ بعضِ الناس إنَّ رسول الله قال تَعلَّمُوا السحرَ ولا تعملوا به كَذِبٌ على رسول الله، فالسحرُ سواءٌ كان للمَحبة حتى يُحِبَّ هذا هَذِه أو هذهِ هذا أو للتبغيض حتى يَكْرَه هذا هذه أو هذه هذا فهو حرام. وكذلك السحر لإِمراضِ الشخص حتى يُجَنَّ حَرام أيضاً. ومن السحر ما يكون بالاستعانة بالشياطين ومنه ما يكون بغير ذلك. ولا يجوز مُقابلَةُ السحر بالسحر كما يفعل بعضُ الجُهّالِ. ومن السحر ما هو تخَييلٌ للأعين كالسحر الذي عمله سَحرَةُ فرعون لما تحدى فرعون سيدنا موسى فألقى السحرة الحبال التي في أيديهم فخُيّلَ للناس أنها حياتٌ تَسعى فألقى سيدنا موسى بعصاه فانقلبت ثعباناً حقيقياً أكَل تلك الحبال التي رماها السحرة. فالذي يَنْفِي وجُودَ السّحْرِ على الإطلاق فقد كذّبَ القُرءانَ.

قال الله تعالى:( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ\ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )، فيُعْلَمُ من هذه الآية أن هاروت وماروت مَلَكَانِ أمرَهُما الله أن يَنْزِلا إلى الأرض ويُعَلّما الناس السحر لا لِيَعْمَلُوا به بل لِيَعْرِفُوا حَقِيقَتَه، كانا يعلمان الناس مع التحذير، يقولان للناس نحنُ فِتنة أي مِحنة وابتِلاءٌ من الله واختبار نُعَلّمُكُم ولا تَكفُروا أي لا تعتبروا السحر حلالا إنما تتعلمون فقط، كانوا يعلمونهم ما يكون من السحر من نوع التفريق بين اثنين متحابين، ثم الناس الذين تعلموا منهما بعضهم ما عَمِلَ بهذا السحر الذي تَعلّمَه، وبعض الناس عَمِلُوا به وعَصَوا ربَّهُم. وكان من السحر غير هذا الذي علمه هاروت وماروت للبشر، الشياطين أي كُفّارُ الجن كانت تَعمَلُ السحر وتعلمه للناس لكن بعض أنواع السحر الذي كانت الشياطين تعلمه البشر كان في كفر كعبادة الشمس ومنه ما فيه عبادة إبليس بالسجود له ومنه ما كان فيه غير ذلك من أنواع الكفر حتى إن منه ما تشترط الشياطين على من تعلمه لتساعده أن يَبولَ الشخص على المصحف لأن الكفر إذا حصل من ابن ءادم فهذا عندهم أعظم شىء، يشتهون هذا اشتهاءً. ثم إن مما يحتالون به لترويج عمل السحر أنهم يَخْلِطُونَ بعض الآيات القرءانية بالسحر حتى يُوهِمُوا الناس أنَّ القرءان له دَخل في السحر، والقرءانُ ضدُّ السحر، بالقرءان يُفَكُّ السحر. لكن أولئك يخلطون بعض الآيات القرءانية بالسحر، يضعون كلاما خبيثاً في الورقة ثم يكتبون قُرْبَه بعض الآيات فيَظُنُّ الجاهلون من البشر أن القرءان له دخل في السحر، الشياطين بذلك تُضِلُّ الناس، فمن رأى شيئا مكتوبًا من السحر وإلى جانبه ءايات قرءانية فليعلم أن القرءان ليس له دخل إنما الشياطين أدخلت هذا لتُضل الناس بأن يظنوا أن القرءان فيه سحر.

سيدنا سليمان عليه السلام الكفار كانوا يقولون عنه إنه كان مَلِكًا من الملُوكِ وإنّه كان يَعمَلُ بالسحر وكَذَبُوا، السحرُ ليس من عمَلِ الأنبياء والأولياء إنما الشياطين كانوا مُغْتَاظِينَ من سيدنا سليمان عليه السلام لأنَّ الله أَعطاهُ سِرًّا فكانت الشياطين تُطِيعُه مع كُفْرِهم من غير أن يؤمنوا كانوا يَخْدِمُونَه، يَعْمَلُونَ لَهُ أعمالا شَاقّةً ومَن خَالفَه منهم الله تعالى يُنْزِلُ به عذابًا في الدنيا، لذلك كانوا مقهورين له، فلما مات كتبوا السحر ودفنوه تحت كرسيه ثم قالوا للناس بعد أن ظهر بعضهم أو عدد منهم للناس هل تدرون بم كان يحكمكم سليمان، كان يحكمكم بالسحر احفروا تحت كرسيه فحفروا فوجدوا هذا الكتاب فصدقوا أن هذا الكتاب لسليمان وضع فيه السحر فكفروا، الذين صدَّقوا الشياطين كفروا، لأن السحر ليس من عمل الأنبياء ولا الأولياء.

وأمّا هاروتُ وماروت فهُما مَلَكان من الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. وما يروى عنهما أنهما شَربا الخَمْرَ ثم قتلا الطفل الذي كانت تَحمِلُه المرأة ووقعا عليها فَغَيرُ صحيح. وما يذكره كثير من المفسرين من أهل السنة في قصة هاروت وماروت أنهما مُسْتَثنيَانِ من عِصْمَةِ الملائكة مِن أنّ الزُّهَرَةَ امرأةٌ راوَداها عن نفسها فأَبَتْ إلا أن يعلماها الاسم الأعظم فعلماها فَرُفِعَتْ كَوكَبًا إلى السماء فَهُو كذِبٌ ولَعلَّه من وَضع الإسرائيليين. أيضا ما يروى أنهما رأيا امرأةً فرُكّبَتْ فيهما الشَّهوَةُ فأرادا الوقوع بها فقالت حتى تُشْرِكا فَرفَضا فقالت اشربا الخمر فشربا فسَكِرا وقتلا الصبي وسجدا للصنم فهذا كَذِبٌ هذا خُرافَةٌ. وينبغي الحَذَرُ من الذين يقال عنهم فُلانٌ رُوحَانيٌّ أو معَهُ جِنٌّ رَحْمانيٌّ، احذروهم وحَذّرُوا الناس منهم، أغلَبُ هؤلاء ضَالُّون مُفْسِدُونُ يُوقِعُون الناسَ في الضلال والكفر لأنَّ الإنسان إذا اعتقد السحر حلالا وأنه شىء حَسَنٌ يَكْفُر، لأنَّ السحر أمرٌ مُحَرَّمٌ من المحرمات الكبائر واستحلاله كفر. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليسَ مِنّا مَنْ تَكَهَّنَ أو تُكُهّنَ لهُ أو سَحَرَ أو سُحِرَ لَهُ ومما يَنْفَعُ للتّحَصُّنِ مِنَ السحر أن يُداوِمَ الشخص كلَّ صباح ومساء على قراءة المعوذات، قل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق وسورة الإخلاص ثلاثاً ثلاثا. كذلك مما ينفع للتحصن من السحر ما رواه الإمام مالك في الموطإ بإسناد صحيح عن القعقاع عن كعب الأحبار رضي الله عنه أنه قال "لولا كلماتٌ أقولُهُنَّ لجعلَتني اليهُودُ حمارًا" فقيل له ما هُنَّ قال " أعوذُ بوجه الله العظيم الذي ليسَ شىءٌ أعْظَمَ مِنْه وبكلمات الله التّامّاتِ التي لا يُجاوِزُهُنَّ بَرٌّ ولا فَاجِرٌ وبأسماءِ الله الحُسنى كُلّها ما عَلِمْتُ منها وما لم أعلَم مِنْ شَرّ ما خلَقَ وذَرَأ وبَرأ" يعني كعب الأحبار رضي الله عنه بقوله هذا أنَّ اليهود من أسْحَر خَلْق الله تعالى أي من أكثر الناس استعمالا للسحر فلولا أنه يقول هذا الذكر لضروه كثيرا. وهو رضي الله عنه كان يهوديا ثم أسلم في خلافة سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان عنده كتب من أبيه ختمها إلا واحدا منها وقال له اقرأ في هذا وكان والده من أحبار اليهود، قال وأخذ علي العهد بحق الوالد على الولد أن لا أَفُضَّ واحِدًا منها فلَمّا ظَهَر الإٍسلام فتحتُها فإذا فيها نَعتُ محمد صلى الله عليه وسلم وتبشير الأنبياء به، عندها أسلم كعب. فهذا الذكر ينفع للتحصن من السحر ولفك السحر حتى لو كتب في ورقة وعُلّقَ على الصّدر. ومما ينفع لفك السحر ورقُ السّدْر يؤتى بسبع ورقاتٍ خُضْرٍ صِحَاح وتُدَق بين حجرَين دقًّا جيّدا ثم توضع في ماء ثم يقرأ عليه ءايةُ الكرسي والمعوذات ثلاثًا ثلاثًا أو مرّةً مرة أو يُقرأ على الورق بعد دقّه وقبل وضعه في الماء ثم يشرَب المصاب من هذا الماء ثلاث جرعات ويغتسِلُ بالباقي. ومما ينفع لذلك أيضا أن يؤتى بإحدى وأربعين حبّة فلفل أسود ويُقْرأَ على كلّ حبّةٍ سبع مرّات سورة الإخلاص ثم يُبَخَّرُ المصابُ بها. ومما ينفع لفك السحر بإذن الله قراءة الآية:( فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)، خمسًا وعشرين مرّة. وكذا الفاتحة سبع مرات وءاية الكرسي سبع مرات، وسورة الإخلاص إحدى عشرة مرة، وسورة الفلق إحدى عشرة مرة، وسورة الناس إحدى عشرة مرة تقرأ على ماء ويشرب منها المسحور, إنتهى كلام الإمام الهرري رحمه الله.

والتوبة من السحر أن يُقلِعَ عن ممارسة السحر، ويندم على ما فعل في الماضي، ويعزم على تجنبه في المستقبل وإن كان أفسد بسحره على غيره إستسمحهم من فعلته، ويكثر من الإستغفار والعمل الصالح، اللهمَّ نجنا من السحر والسَحرة واحفظنا بحفظك يا أرحم الراحمين.