الأجير هو الذي يعمل لغيره مقابل أجرة معينة وتركُ إعطاءِ الأجيرِ أجرتهُ التي يستحقها من كبائر الذنوب، فمن استأجر أجيراً بعقد إجارة صحيح يجب عليه أن يعطيه أجرته المتفق عليها من غير أن يماطل بإعطائه، لأن المستأجر أدى العمل الذي اتفقا عليه فمنعه من أجرته حرام وأي حرام عند الله تعالى صحَّ الحديثُ القدسيُّ قال الله تعالى:" ثلاثةٌ أنا خصمهم يومَ القيامةِ ومَنْ كنتُ خصمهُ خصَمْتُهُ رجلٌ أعطى بيَ العهدَ ثم غدرَ ورجلٌ باعَ حرًّا فأكلَ ثمنهُ، ورجلٌ استأجرَ أجيرًا فاستوفى منهُ ولم يُعطِهِ أجرهُ ومعنى خصمتهُ أنه مغلوبٌ لا حُجةَ له يوم القيامة. وجاء الحديث النبوي الشريف بالحث على إعطاء الأجير حقه عند استحقاقه من دون تأخير ولا مماطلة قال عليه الصلاة والسلام:« أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» فيحرم تأخير أجرة المستأجر والتسويف به مع القدرة، فالأمر بإعطائه قبل جفاف عرقه في الحديث إنما هو كناية عن وجوب المبادرة عقب فراغ العمل إذا طلب وإن لم يعرق أو عرق وجف أو لم يعرق وليس شرطاً عطائه بعد العمل بل قد يكون قبله، وإنما الحديث فيه الترغيب في الوفاء بالعقود والتسريع بدفع أجرة الأجير لأن في تأخير إعطاء الأجير حقه ظلم وبغي واعتداء على حقه، وأكثر الخلافات بين الناس في مثل هذا تكون بسبب عدم مراعاة الشروط المقررة عند الفقهاء للإجارة فيحصل الظلم والتعدي بسبب الجهل في أحكام الإجارة التي ذكرها الفقهاء وبينوا شروطها وما يلزمها فلا يعذر أصحاب الأعمال ولا المستأجرون في الخوض بدون معرفة الحكم الشرعي لعقد الإيجار لأنه يحرم الدخول في شيء حتى يعلم المرء ما أحل الله فيه وما حرم، فما يحصل مع الكثيرين عند الاتفاق مع الأجير قولهم للعامل لا نختلف معك أو لا تكون إلا مبسوط أو نرضيك أو نكرمك، فتلك ليست إجارة صحيحة فيجب على الأجير والمستأجر أن يتعلموا كيف يصح عقد الإجارة من أهل العلم وإلا وقعا في المعصية، ومن أكرم أجيره لله تعالى وأحسن إليه المعاملة وإعطائه ما يستحق مع الزيادة كان ذلك خيراً و ذخرا له في الآخرة وفي الدنيا ويكون سبباً لتفريج الكروب والنجاة من المهالك، ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فقالوا تعالوا نتوسل إلى الله بصالح أعمالنا فذكر كل منهم عملاً من الخير متوسلاً إلى الله به ففرج عنهم وجاء في الحديث أن الثالث منهم قال:( اللَّهُمَّ إنّي استأجرتُ أُجراءَ فأعطيْتُهم أجرَهم غير رجُل واحدٍ ترَك الَّذي له وذهب، فثمَّرت أجْرَه حتَّى كثُرَت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله، أدِّ إليَّ أجْري، فقلتُ له: كلُّ ما ترى من أجرِك، من الإبل والبقر والغنم والرَّقيق، فقال: يا عبد الله، لا تستهزئْ بي، فقلت: إنِّي لا أستهزئُ بك، فأخَذه كلَّه فاستاقَه، فلم يترك منْه شيئًا، اللَّهُمَّ فإن كنتُ فعلتُ ذلك ابتِغاء وجْهِك، فافرجْ عنَّا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصَّخرة، فخرجوا يَمشون)، الله تعالى فرج عنه بتوسله بعمله الصالح وهو الإحسان إلى أجيره وتنمية ماله له و حرصه على أجر الأجير ولو ترك أجره وذهب نماه إليه فضلاً منه حتى أصبح وادياً من النَعم!! وليكن على ذكر أصحاب الأعمال الذين يستأجرون الناس لينجزوا لهم ما يريدون أن الخدام والأجراء والعمال فئة من الناس عندهم من المشاعر ما عندك ويؤذيهم ما يؤذيك ولهم حقوق فاتقِ الله بهم وارفق بهم واعدل معهم وأنصفهم إن كنت أنت من تستخدمهم أو تستأجرهم، فالله تبارك وتعالى جعل الناس على طبقات ليتخذوا بعضهم سخرياً لا ليستعلوا على بعضهم بغير الحق ولا ليأكلوا حقوق بعضهم بعضا، قال الله تعالى:( وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا)، قال النسفي في التفسير: أي جعلنا البعض أقوياء وأغنياء والبعض ضعفاء وفقراء:( لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً)، ليصرف بعضهم بعضاً في حوائجهم ويستخدموهم في مِهنهم ويسخروهم في أشغالهم حتى يتعايشون ويصلوا إلى منافعهم هذا بماله وهذا بأعماله هذه قسمة الله الحكيم العليم في خلقه فمن أعطاهُ الله تعالى أن يكونَ له خدم أو أجراء فعليه بحسن المعاملة والرفق والعدل معهم ابتغاء ثواب الله ورضاه، وأكرم برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في إنصاف وإكرام الخَدم والأرقاء والضعفاء من الناس، فعن أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله يسلم يقول:" لقد خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرَ سنينَ فوالله ما قال لي: أفٍّ قَط، ولمْ يقل لشيء فعلتهُ: لم فعلتَ كذا ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا" بل إن رحمته صلى الله عليه وسلم وصلت للبهائم العجماء فجمل في المدينة يتُعِبُه صاحبه ويحمّله اكثر مما يطيق شكا الجمل للنبي صلى الله عليه وسلم حاله فأنّبَ النبي صاحب الجمل وأوصاه بالإحسان اليه ففي حديث جعفر بن عبد الله قال : دخل النبي حائطا لِرَجُلٍ من الْأَنصارِ فَإِذَا جملٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ ، فَقَالَ : مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ ؟ ، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ: أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وتبدئه!!! فكيف بمن يفعل ذلك مع أخيه يتعبه ولا يعطيه حقه؟! قال صلى الله عليه وسلم: (إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم). والإمتناع عن إعطاء الأجير أجرته معصية فاحشة تحتاج لتوبة تامة بشروطها ومنها أداء حقوق الأجراء الذين ظلمهم ، وطلب العفو والمسامحة منهم، و الإقلاع عن الظلم فوراً، والندم عليه والعزم على عدم الرجوع لظلم الأجراء. والله تعالى أعلم وأحكم.