قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر ". فمن الكبائر التكبرُ على عباد الله وهو رد الحق على قائلهِ مع العلمِ بأنّ الصوابَ مع القائلِ لنحوِ كونِ القائل صغيرَ السنّ فيستعظمُ أن يرجعَ إلى الحق من أجلِ أنّ قائله صغيرُ السنّ أو لأنه منَ الخاملينَ والمردودَ عليه منَ المشهورينَ البارزينَ ونحو ذلك.

واستحقار الناس أي ازدراؤهم كأن يتكبر على الفقير وينظر إليه نظرَ احتقار أو يُعرض عنه أو يترفعَ عليه في الخطاب. وقد نهى الله تعالى عباده عن التكبر قال الله تعالى ( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ)، أي ولا تُعرِض عنهم متكبرًا، والمعنى أقبل على الناس بوجهكَ متواضعًا ولا تولّهم شِقَّ وجهك وصفحتهِ كما يفعله المتكبرون. (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ)، أي لا تمش لأجل المرح والأشر أي لا تمشِ مِشيةَ الكبر والفخر. وروى مسلم من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ن الله تعالى أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغيَ أحدٌ على أحدٍ ولا يفخرَ أحدٌ على أحد). وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهمَّ أحيني مسكينًا» أي متواضعًا. وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( وما تواضعَ أحدٌ للهِ إلا رفعهُ الله تعالى)،. وقال بعض الأكابر كَنْ أرضًا تكن لله أرضى اهـ، فالذي يضع أواني الذهب أو الفضة في خزانة مثلاً بحيث يراها الناس للفخر أي حتى يقول الناس ما أغناه يوجدُ عنده شئٌ ليس عند غيره فعليه ذنب كبير. كلُّ شيء يفعله الإنسان للفخر من لباس جميل ومركب جميل فهو حرام، وكذلك الذي يبني بناءً فخمًا للفخر حتى يقال ما أجملَ بيتَ فلان ذنبهُ كبير، أما الذي يلبس ثوبًا أنيقًا للتجمل فقط فهو جائز. والفخرُ معناه أن يفعلَ ذلك ليُعجبَ به الناسُ أي يريدُ أن يكونَ له اختصاص عند الناس بالنظر إليه والتفخيم، والله تعالى لا يحبُّ الفخرَ في الثياب وفي الأثاث وفي المسكن وما أشبه ذلك، وقد ورد في الحديث الذي رواه البخاري بأن المتكبرينَ يحشرون يومَ القيامة كأمثال الذر (أي النمل الأحمر الصغير) يطؤهم الناس بأقدامهم. وقال سيدنا علي رضي الله عنه:" ما لابن ءادم والفخرِ أولهُ نطفةً وءاخره جيفةٌ" معناه كيف يفعل ذلك وهو يعرف أن أوله نطفة وءاخره جيفة. والجيفة الجسم لا روح فيه. وقد روى الحافظ ابن حجر في الأمالي بإسناد حسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: _(إنكم لتغفُلون عن أفضلِ العبادةِ التواضع) معنى الحديث أن التواضع مِن أعظم العبادات عند الله. فالتواضع مطلوبٌ مع الكبار والصغار والأغنياء والفقراء لوجه الله وهو يدعو للتآلف، وأما التكبر فهو مذموم في وجه المؤمن وغير المؤمن لأنّ الأنبياء لما دعَوا الكفار إلى الدين ما كانوا متكبرين عليهم لأنهم لو كانوا متكبرين في وجوه الكفار لنفروا عنهم، وأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء تدل على ذلك فقد كان رجلٌ من اليهود في المدينة عامل النبي صلى الله عليه وسلم ببيع إلى أجلٍ ثم جاء اليهودي إلى النبي قبل حلول الأجل فقال يا بني عبد المطلب إنكم مُطْلٌ، فلم يُعنِّفه النبي ولا أظهرَ الغضبَ منه ليدعوه ذلك إلى التفكر في شأن الرسول من حيث تواضعه وحلمه فيميل إلى الدخول في الإسلام، ثم أمر النبي بوفاء دينهِ على وجه الإحسان . فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكفهر في وجه هذا اليهودي الذي أهانه من ذمّه وذمّ عشيرته لأنّ كلامه شاملٌ له ولعشيرته، فكأنه قال أنت يا محمد وعشيرتك تُماطلون الدين فأسلمَ هذا اليهودي لأنه أرادَ أن يمتحنهُ هل يجدُ فيه العلامات التي هي مذكورةٌ في بعض الكتب القديمة من صفة محمد، فلما رءاها كلها أسلم. وحصل لسيدنا أحمد الرفاعي رضي الله عنه شبيهٌ بذلك فإنه كان ذات يوم يمشي مع جمعٍ من مريديه فعلمَ بذلك يهوديٌّ كان يسمعُ أن السيد أحمد الرفاعي حليمٌ متواضعٌ فأراد أن يمتحنهُ هل هو كما يصفه الناس أم لا فأتى إليه وقال له يا سيد أنت أفضل أم الكلب أفضل فقال السيد رضي الله عنه إن نجوتُ على الصراط فأنا أفضل فأسلم اليهودي وأسلم أهله وكثيرٌ من معارفه، فلولا أنه تواضع معه لم يُسلم، فلو كان ظهر في وجهه أنه غضبَ كأن اكفهرّ في وجهه أو قال له كلمة شتم ما رغبَ في الإسلام لكن أعجبه شدةُ حلمهِ وتواضعهِ فاعترفَ في نفسهِ بأنّ دينَ هذا السيد صحيح.

تنبيه. قول بعض الناس "التكبر على المتكبر صدقة" ضلالٌ مبين والعياذ بالله تعالى لأن الله أمر عباده بالعفو والإحسان والتواضع فيجبُ تحذير الناس من هذه العبارة. وقائل هذه الكلمة إن أراد أنه بمجافاته يزجره عن التكبر يكون صدقة حقيقية فلا ضرر عليه لكن هذه العبارة لا تجوز لأنّ التكبر كيفما كان حرام. ومما قاله العلامة الشيخ عبد الله الهرري: الكبر قبيح للغني والفقير لكنه مع الفقر أقبح فالفقير المتكبر أشد إثما من الغني المتكبر. والله تعالى أعلم وأحكم.