الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين.

أكل الميتة والخنزير جاءَ تحريمه في كتاب الله وسنة نبينه وأجمع عليه المسلمون، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )، وَقَالَ تعالى: ( قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا )، وفي قوله تعالى "رجسٌ أوفسقاً" دليل على أن الأكل من الميتة والخنزير من كبائر الذنوب. واَلميتَةُ المذكورة في الآيات هي الحيوانات التي زالت حياتهُا بغيرِ ذكاةٍ شرعيّة أي بغير قطع الحلقوم مجرى الهواء والطعام بآلة حادة كالسكين وبذبحٍ ممن يصح ذبيتحه. فلو زالت حياة بهيمة بمرضٍ أونحوه أو بذبحِ ممن لا تَحِلُّ ذبيِحتَهُ كالمجوسي الذي يعبد النّارَ، والملحد الذي ينكر وجود الله، والمرتد الذي كان مسلماً ثم ارتد بكفر قولي أو إعتقادي أو فعلي ولم يرجع للإسلام بالشهادتين ، فذبيحةُ هؤلاءِ ميتةٌ ولو ذبحوا كمّا يَذبح المسلمون بقطعِ الحلقوم ، ولو سمّوا الله أو قالوا "الله أكبر" عند الذبح فلا تحلّ ذبيحةُ هؤلاء أبدا، ومثل هؤلاء المرتدّ الذي يسُبّ الله أو يستهزىء بالإسلام أو ينكر البعث بعد الموت أو يسبّ الملائكة أو يصفُ اللهَ بالحركة أو السّكون أو الجسم أو الهيئة أو ينسُب لله المكان أو الجهة أوالجهل أو العجز. وكالذي يَدوسُ على المصحف أو يرميه في القاذورات عمداً والعياذ بالله ، فهذا مرتدّ وذبيحتُه ميتةٌ ولو نفّذَ شروط الذبح عند المسلمين، أما المسلم الفاسق كشارب الخمر أو الزاني والمرتكب لكبائر الذنوب فذبيحتهُ حلال، واليهوديّ والنّصرانيّ تحلَّ ذبيحتهُما لأنّ هذين الصنفين من الناس أحلَّ الله لناّ أن نأكل من ذبائحهما إن ذبحا بالطريقة الصحيحة، فذبيحتهما حلالٌ بلا خِلاف ولو من غير قول "بسم الله"، قال الله تعالى: ( وطَعَامُ الّذينَ أُوتُوا الكِتَبَ حِلٌ لكُم ). أما المسلم إنْ سمّىَ الله على ذبيحته فهي حلالٌ باتفاقِ العلماء، أمّا إن تركَ تسمية الله عند الذبح عمدًا قال الإمام أبو حنيفة ومالك والإمام أحمد لا تحلُّ ذبيحته وإن تركها سَهوًا تحلّ ذبيحته، أمّا الإمامُ الشّافعيّ رضيَ اللهُ عنه يقول بأنّ ذبيحة المسلم سمّىَ الله أو لم يسمّ فهي حلالٌ وإن تركَ التّسمية عمدًا، واللحمُ الّذي في الأسواق في أيامنا خليطٌ فيه الحلال الطيب وفيه الميتة المحرمة الخبيثة، فالذبيحة الّتي لم نعلم إن كانَ ذابحها مُسلمًا أوممّن لا يؤكلُ ذبيحتَهُ حَرامٌ علينا أن نأكلَ من لحمِها ولو سمّىَ الله على اللحم عندَ أكل هذه اللحم المحرم!، وكذلك التسميةُ على اللحم الذي لم يستوف الشروط عند ذبحه لا تجعلهُ حلالاً كما يَظنّ بعضُ من لا علمَ لهم ، والمسلم أو اليهوديّ أو النصرانيّ إذا ضغطوا على الآلة التي تقطع حلقوم الحيوان فقطعتها تحلُّ هذه الأولى لأنّها بيد ذابحٍ يصح ذبحه، وإذا استمرّ السّكين يقطع بفعل الكهرباء إلى عشر ذبائح بعدها مثلاً فلا يحلّ أكلُ ما بعد الأولى لأنّه بفعل الكهرباء لا بفعل الذابح الذي أمر الله أن تكون الذبيحة بفعله، واللحم الطّازج أو المستورد المبرّد أو المعلب إن علمنا علم يقين ليس بالظن أنه مستوفى لشروط الذبح التي سبق بيانها جازَ لنا أن نأكلَ من هذا اللحم، أما مجرد الكتابة على اللحوم المستوردةِ كعبارة "ذبح على الطّريقة الإسلاميّة" أوكلمة "حلال" فليس علم يقين بحلها، لا سيّما وقد شهد الكثير أنّهم شاهدوا صناديق في بعض البلاد فيها لحمُ خنزير كتبَ عليها "ذبح على الطّريقة الإسلاميّة"! حتى وصل الغش والجهل بهم أنّهم كتبوا على علب السمك "ذبح على الطّريقة الإسلاميّة"! وهذا دليل على أن هذه المعلبات يطبعون عليها هذه العبارة مع جهلهم بما في داخلها فمتى كان السّمك يحتاج آكله إلى ذبح..!؟ ومتى كان لحم الخنزير يحلّ أكله بذبحه!؟ وما ذبح بالصعق الكهربائي والمكينات التى تقطع لوحدها بطرق مختلفه غير موافقه للشرع، وما قتل بالرصاص ونحو ذلك فحرامٌ أكله، أما لو صعق الحيوان أو ضرب بشيء وصارت حركت البهيمة غير إرادية ولا حياتها مستقرة فذبح لا يحل هذا اللحم، أما لو كانت لو تركت بعد ذلك الصعق تفيق فذبحت فهي حلال تؤكل، والمشكوك في حله كأن شك هل هذا اللحم مذبوح بطريقة صحيحة أم ميتة فليس له الأكل مع الشك، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أرسَلْتَ كلبَكَ فاذكُرِ اسمَ الله عليه، فإنْ أمسكَ عليكَ فأدركْتَهُ حيًّا فاذْبَحْهُ وإنْ أدرَكتَهُ قدْ قَتَلَ ولم يأكُلْ منهُ فكُلهُ، وإنْ وجَدْتَ معَ كلبِكَ كلبًا غيرهُ وقد قتلَ فلا تأكُلْ، فإنَّكَ لا تدري أيُّهُما قتلهُ، وإن رميْتَ بِسَهمِكَ فاذكِر اسمَ الله تعالى فإنْ غابَ عنكَ يومًا فلم تَجِدْ فيهِ إلا أثرَ سهمِكَ فكُلْ إنْ شِئتَ وإن وجدتهُ غريقًا في الماءِ فلا تأكل". وأما حديث عائشةَ رضي الله عنها أنها قالت أنَّ قومًا قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ هَا هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ ، يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لاَ نَدْرِي يذْكُرُونَ اسْم اللَّه عَلَيْها أَم لا ، قَالَ: " اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللَّهِ ، وَكُلُوا ". الحديث معناه أنّ هذه اللحومَ حلالٌ لأنها مُذَكَّاةٌ بأيدي مسلمين ولو كانوا قريبي عهد بإسلام، ولا يضرُّكم أنَّكم لم تعلموا هل سمَّى أولئك عندَ ذبحِها أمْ لا وسمُّوا أنتم عند أكلها أي ندبا لا وجوبا لأنَّ التسميةَ سُنَّةٌ عندَ الذبحِ فإنْ تركها الذابِح حلَّ الأكل منَ الذبيحة، وتحريمُ اللحمِ المشكوك فيه مجمعٌ عليه حتى قال الفقهاء لو ذبحَ شخصٌ مائةَ دجاجة وكانت واحدةٌ منها لم تذبح ذبحا شرعيًّا واختلطت هذه الواحدة بالبقية ولم تُعرَف أيَّ واحدةٍ هيَ حرُمَ أكلُها كُلها. والكافر والفاسق إن أخبرا أنّ هذا اللحمَ ذبحَ ذبحًا شرعيًّا فصدّقناهُما حلَّ لنا أكلهُ. وميتتان حلالٌ من غير ذبح السمك والجراد لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:( أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ ، فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ ، وَأَمَّا الدَّمَانِ ، فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ ).

وأما حرمة أكل الخنزير ففي القرأن العظيم قال الله تعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ  والميتة والمتردية والنطيحة وما ذكر في الآية من المحرمات حرم لعارض عليها، أما الخِنزِيرِ فمنهي عنه لعلة مستقرة فيه، وذلك لأن الخنزير نَجِسٌ قَذِر محرمٌ مذموم الصفات. وكمَا جاء تحريمُ لحمِ الخنزير في القرآنِ جائت الأَحَادِيث النَّبَوِيَّةُ الدالَّةً عَلَى تحريم شحمه وجلدهِ أو الاستفادةِ من أَيِّ جزءٍ مِنه بيعاً أو أكلاً والبري منه والداجن حرام، ولا يحرم ما سمي بخنزير الماء وهو من دواب البحر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيعَ الخَمرِ وَالمَيتَةِ وَالخِنزِيرِ وَالأَصنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ شُحُومَ المَيتَةِ فَإِنَّهُ يُطلَى بها السُّفُنُ وَيُدهَنُ بها الجُلُودُ وَيَستَصبِحُ بها النَّاسُ؟ فَقَالَ: لا، هُوَ حَرَامٌ )، وقد جمع رسول الله في التحريم بين الخمر والميتة والخنزير والأصنام لبيان شدة حرمته وأنه فسق. فالمسلم لا يعلّق قلبه بهذه المعلّبات واللحوم السَهلةِ الوصول إليها من غير التأكد من حلها وجواز أكلها، وكيفَ يتساهل المسلم فيما يدخله بطنه وفي الحديث الصحيح أن الصحابة قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنَا، فَقَالَ: ( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ )، والطيب هو الحلال، فمن سولت له نفسه وأكل من الميتة أو الخنزير فليتب إلى الله وليندم ويعزم أن لا يعود لأكل الحرام والله غفور رحيم . والحمد لله أولاً وآخرا.