الكلمة الطيبة

الله سبحانه وتعالى خلقنا وأوجدنا بقدرته، وخلق لنا السمع والبصر والأيدي والأرجل والعقل والقلب، هذه كلها نعمٌ عظيمة أنعَمَ الله بها علينا فضلاً منه وكرماً، وقد أعطانا الله هذه النِعم من أجل أن نَستعملها فيما يُرضي الله  تبارك و تعالى وأن نُجنبها ما لايرضي الله تبارك وتعالى. ومن أهم هذه النِّعم ومن أخطرها على الإنسان إن لم تُستعمل كما أمرَ الله وفيما لا يرضي الله تعالى، هو اللسان، وفعلاً فاللسان هو المعبّر عمّا في القلب، فمكنونات نفسك، يُعبر عنها لسانك، والكلمة التي ينطق بها اللسان لها خطرها، ولها شأنها في دين الله و في الدنيا والآخرة.

وإنَّ كتاب الله تعالى أفضل كلام ينطق به اللسان، وهو أشرف الكلام على الإطلاق، فإذا نطقت بالكلمة من كتاب الله كان لك بكل حرف عشر حسنات. ومن قرأ سورة الإخلاص مرة واحدة، فكأنّما قرأ ثُلثْ القرآن لأنها السورة التى فيها آيات التوحيد وأدلة التنزيه والتعظيم لله سبحانه وتعالى، ولأنها السورة الجامعة لمعاني العقيدة السليمة، والمسلم يعتقد بقلبه تعظيم الله ووصفه بالصفات التى تليق به سبحانه من الوحدانية والقِدَم وهو أنّ الله تعالى وحده لابداية لوجوده، فهو الله الأزلي الذي لا ابتداء لوجوده وما سوى الله له بداية وله مكان وله هيئة وصورة أما الله تعالى وتنزه عن أن يكون له صفة من صفات الخلق، هذه السورة القليلة الكلمات بالنسبة لغيرها الكثيرة المعاني والعظيمة النفع والأجر فكان من قرءاها له ثواب يُشبه من قرأ القرءان كله من حيث الفضل والثواب.

وقد حثّ الله سبحانه وتعالى على قول الكلمة الطيبة بأنواعها في آيات كثيرة قال تعالى: وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ. والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكلام الطيب الحسن المؤثر في النفوس والمعين على القبول قال الله تعالى: ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ.

والشيطان يحرص على التحريض بين الناس بالكلام السيء المحرك للفتن والمثير للإنتقام، والكلام الطيب هو الذي يدفع وساوس الشيطان قال تعالى: وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوّا مُّبِينًا، وفي القرأن الكريم الحثُ على الكلام الطيب مع الناس قال الله تعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا

وللوالدين الحق على الإنسان في مخاطبتهما بالكلام اللين والطيب الكريم الذي لا إيذاء فيه وفي القرأن أيضاً النهي عن الكلام الغليظ بل مجرد التأفف والتضجر الذي فيه الإيذاء أمرنا باجتنابه قال الله تعالى: فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا، وأحياناً قد لا تستطيع أن تقدم المال للناس وللفقراء منهم والمساكين لكنكَ تستطيع أن تقدم لهم الكلام الطيب الذي يطيب خاطرهم ويجبر كسرهم ولا فيه المنُّ عليهم بالصدقات من الكلام الجارح المؤذي وهذا يكون في مجال الصدقات على الناس قال الله تعالى: قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى.

وكما بين سبحانه الثواب العظيم الذي يترتب على قول الطيب فقال: يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً، القول السديد هو الخير كعلم الدين والنصيحة والوصية يالتقوى، إذن الكلمة الطيبة لها أهميتها وقيمتها وتأكد أنكَ إذا نطقت بالكلمة الطيبة من رضوان الله سبحانه يكتبُ لك جزيل الثواب عند الله تعالى فكمّ للتسبيح والتهليل وألفاظ الذكر من عظيم الأجر عند الله يوم القيامة.

فإذا قلتَ سبحان الله أو سبحان الله وبحمده، فأنت داخلٌ في قول النبي صلى الله عليه وسلم: كلمتانِ حبيبتانِ للرحمن، خفيفتانِ على اللسان، ثقيلتانِ في الميزان سبحانَ الله وبحمدِه، سبحانَ اللهِ العظيم، ومن قال مائة مرة سبحان الله وبحمده غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبَد البَحر، وكل هذا من الكلام الطيب الذي يؤجر عليه العبد وينتفع ببركته في الدنيا والآخرة. وليُعلم أنَّ المرء كما يتكلم بالكلام الطيب فيثاب عليه عند الله، كذلك إن تكلم بخبيث الكلام فعليه الوزر والذنب والمعصية عند الله تعالى، بل قد يترتب على الكلام أحكاماً وحدود غفلَ عنها الكثيرون فتهاونوا بالكلمات زاعمين أنّ الله تعالى يحاسب على النيات!! والصحيح أنّ الناس مسوؤلون عن الألفاظ التى تصدر منهم أيضاً قال الله تعالى: ما يَلفظُ من قَولٍ إلاّ لَديهِ رقيبٌ عَتيد أي ما يتكلم البالغ العاقل بقول إلا كتَبَتْ عليه الملائكة إما للخير وإما للشر.

فليكن المرءُ حريصاً على أن لايتكلم إلا بخير وما ينتفع به يوم القيامة، ومن الكلامات التى يتسرع بها الكثير عند الغضب السبّ والشتم واللعن والطعن في الأعراض وأشدها بلية كلمات الكفر التى تسمع من البعض كسبِّ الله تعالى أو شتم الدين أو الشريعة فإنَّ هذا من الكلام الكفري الذي يجب على قائله التلفظ بالشهادتين وإلا كانت العاقبة غير مرضية فقد قال صلى الله عليه وسلم : إنَّ العبدَ ليتكلمُ بالكلمة لايرى بها بأساً يهوي بها في النّار أبعدَ من ما بينَ المشرق والمغرب.

الله نسأل أن يوفقنا للكلام الطيب ويجنبنا الخبيثَ من القول والعمل والله الموفق.