الغفلة

إن سعادة المرء ودلائل توفيقه في طاعته لربه واستقامته على شرع الله ودينه في طيلة أيام حياته ، وعلى كل حالاته، وأن لا تشغله الحياة الدنيا والسعي في تحصيل ما يؤمل منها عن الإستعداد للحياة الآخرة الباقية والتزود لها، وهذه طريق الصالحين المتقين الذين وصفهم الله تعالى في القرآن الكريم بقوله رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَاء ٱلزَّكَـوٰةِ يَخَـٰفُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلاْبْصَـٰرُ فإنّ من هؤلاء الرجال المذكورين في الآية على الرغم من اشتغالهم بالبيع والشراء، وما يحتاجون من أمور الدنيا، إلا أن ذلك لم يكن حائلاً بينهم وبين استحضار عظمة الله تعالى، استحضاراً يحمل على تقوى الله عز وجل وخشيته على الدوام، والقيام بطاعة الله حق القيام ومنها أداء الصلاة والزكاة.

وهكذا شأن المؤمن حقاً، يغتنمُ أيامَ العمر وأوقات الحياة بجلائل الأعمال الصالحة، ويبتغي فيما آتاه الله الدار الآخرة؛ لعلمه أن هذه الحياة الدنيا ما هي إلا وسيلة للفوز بالحياة الباقية والظفر بالسعادة الدائمة الخالدة، بل إنما الدنيا  ظِلٌ زائل، يأكلُ منها البرُ والفاجر، وأنه مهما طال فيها العمر، وفسح فيها للمرء الأجل، فسرعان ما تَبلى، وعما قريب تَفنى، وليس لها عند الله شأن ولا إعتبار، وإنما هي قنطرة إما إلى الجنة أو النار، يقول الله عز وجل ٱعْلَمُواْ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى ٱلاْمْوٰلِ وَٱلاْوْلْـٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ. وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنَّ الدنيا حلوةٌ خضرة، وإنَّ الله تعالى مُستَخلفَكُم فيها فينظرُ كيفَ تعملون، فاتقوا الدنيا وإن في هذه النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية أبلغ بيان وأوضح في حقيقة هذه الحياة الدنيا الزائله، وما يجب أن يكون عليه حال المرء فيها من الإقبال على طاعة الله تعالى الله، والأخذ بالنفس الى التزكية، والحذر من الاغترار بالدنيا، غير أن من عظيم الأسف أن يظل الكثيرون منا في غفلة وتعامٍ عن ذلك..؛ حتى غلب عليهم طول الأمل، وكأنَّ لا حياة لهم إلاهذه الحياة الدنيا، وإنَّ من مظاهر غلبة الغفلة و حُب الدنيا على القلوب على النفوس لدى البعض، أن لا يكونَ لهم هَمٌّ إلا البحث عن الجاه العريض، والشهرة الواسعة،والإنغماس بالشهوات، وإن كانَ على حساب الدين والفضيلة، وآخرون ليس لهم همّ سوى جمع الأموال، وتضخيم الثروات؛ حتى سلكوا في تحصيل ذلك مسالكاً مشبوهة، وسبلاً محرمة فباعوا المحرمات واكلوا واطعموا من الحرام الأبناء بل منهم من طغى وكفر بالله لغلبة الغفلة والشهوة عليه فشتموا الدين وأنكروا الآخرة والحساب وسخروا بما أعدَّ الله في الجنة وتلك كفريات مهلكة، بل من الناس يكفر بالله  خالقه تعالى فيصفه بما يوصف به الخلق من المكانِ والحدِّ والشبيه والمثيل تعالى الله عن ذلك كله، وهذا نتيجةُ الغفلة عن الآخرة والتعامي عن القيام بالواجبات الدينية وعدم تعلم مبادىء الدين التى من أولها معرفة الله بأنه لايوصَفَ بصفاتِ الخلق بل الله تعالى أحدٌ صَمَدٌ لايحتاجُ إلى أحدٍ والكُلُ محتاجٌ إليه هذا معنى الصمد أي الذي يُسألُ ويطلبُ منهُ وهوَ سبحانه لايحتاجُ إلى أحدٍ قال الله تعالى يا أيهآ النّاس أنتّم الفُقراءُ إلى اللهِ واللهُ هوَ الغنيُّ الحميد.

وكم من أناسٍ  طغى عليهم حبُ الدنيا واتبعوا الهوى، حتى أدى بهم ذلك إلى شربِ المسكرات، وتعاطي المخدرات، واقتراف الفواحش والمنكرات، ويساعد على ذلك ويقويه في نفوسهم المجتمع وما فيه من صحبة الأشرار مع ضعف النفوس للكثيرين اللاهثين وراء الغير من غير تفكير ولا تدبير وما تبثه وسائل الأعلام، ومما فيه تزيين للباطل، وإغراء بالفتنة، وخروج على القيم والفضيلة وما يحمل في طيات صفحات الرذيلة والفساد مما سمي اليوم بالتواصل الإجتماع الذي فسحَ المجال فيه للعمل بالمحرمات من البيوت والهواتف المحمولة وما يتبع ذلك، حتى غدا كثيرٌ من المسلمين ولا سيما الناشئة محاكينَ مقلدينَ في كثير من أمور حياتهم وسلوكهم حثالة النّاس وأرذال المجتمع وثلة من الخمارين التائيهن الساقطين الماجنين الفاسقين، وما أوقعهم في ذلك إلا طغيان حُب الدنيا على نفوسهم حتى آثروها على الآخرة، فلنحذر من التمادي في الغفلة والإعراض عن طاعة الله، وإيثارَ الحياة الدنيا على الآخرة، قال الله تعالى فَأَمَّا مَن طَغَىٰ وَءاثَرَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰؤ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ . 

أفلا نتعظُ بالقرآن المُنزل وآياته..؟! أولا نعتبر بمن نشيعُ كلَ يوم إلى القبور في رحلات متتالية، يذهبُ فيها أفراد وجماعات، وآباءٌ وأمهات، وأبناءٌ وبنات، وملوك وأغنياء وفقراء ومؤمنون وكفار، وأبرارٌ وفجار، يودَعونَ في القبور، وينتظرونَ يومَ النفخِ في الصور، والبعث والنشور، قال الله تعالى يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلاْجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ / خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ.

وتذكروا قُربَ الرحيل من هذه الدار إلى دار القرار، ثم إلى جنةٍ أو نار، فأعدوا لهذا اليوم عدته، واحسبوا له حسابه، قال الله تعالى فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ ونحن اليوم على مشارف شهر الخير والبركات رمضان ما أحوجنا على أن نستقبله بتوبة صحيحة من الذنوب والآثام والعزم على طاعة الله تبارك وتعالى والإقلاع عن ما يغضب الله تعالى، اللهمَّ أهله علينا بالخير والبركات والأمن والأمان والسلامة والإسلام.