رئيس الملائكة جبريل عليه السلام

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى جميع إخوانه النبيين والمرسلين وسلام الله عليهم أجمعين.  إذا صلينا على سيدنا محمد مطلوب أن نسلم عليه و إذا سلمنا عليه مطلوب منا أن نصلي عليه أيضاً وإذا بدأنا بعد الرسول بآدم إذا أردنا التفصيل نقول: اللهم صل على سيدنا محمد و على ءادم وشيث وإدريس و نوح، ثم إن شئنا نختصر نقول: و سائر النبيين، فبهذه العبارة نكون صلينا على جميع النبيين.

أما بعد أيها الأحبة، فالكلام عن جبريل عليه السلام هو كلام عن رئيس الملائكة الكرام وأمين الوحي على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهو الملك السفارة بين الله وأنبيائه ينزل من السماء من مهبط البركات إلى الأنبياء بالوحي من الله جبريل هو الذي نزل بالتوراة والأنجيل وهو الذي نزل بالقران والزبور وهو الذي أيد الله به موسى عليه السلام  يوم هلاك فرعون، وجبريل هو الذي أيد الله به نبيه عيسى بن مريم عليه السلام فكان جبريل يتشكل بصورة رجل من غير أن يكون رجلاً ويمشى مع نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام حيث سار وكان معه يوم الرفع يوم رفعه الله إلى السماء، قال الله تعالى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ.

وكذلك جبريل هو الذي أيد الله به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام يوم بدر وفي عدة مواضع، وجبريل هو الذي سلطه الله على قوم لوط فأهلكهم وعلى قوم صالح فصاح فيهم صيحة مزقتهم جميعا فهو المَلك القوي الشديد، قال الله تبارك و تعالى في حق جبريل عليه السلام عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى، علّمه معناه علّم محمداً شديد القوى أي جبريل ذو مرة ٍ قال تعالى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى  في وصف جبريل أي ذو شدة في خلقه فاستوى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى الله تعالى وصف جبريل بأنه ذو قوة وذلك لأنه قلب بالقوة التي أعطاه الله إياها قرى قوم لوط ، أربع مدن أو خمس مدن قلبها أمره الله بإهلاكهم لأنهم كذبوا نبيه وفعلوا تلك الفعلة الخبيثة جمعوا بين الكفر وتلك الفعلة الخبيثة فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام بأن يقلب عليهم أرضهم، قلع أرضهم ورفعها إلى السماء بجناحه، بجناحه رفع تلك المدن الأربعة أو الخمس إلى السماء ثم قلبها فماتوا ولم ترى جثثهم على وجه الأرض لأنهم نزلوا إلى أسفل. لهذا قال الله تعالى فيه ذُو مِرَّةٍ أي خلقته شديدة هو جبريل عليه السلام بمفرده لو أمره الله تعالى أن يزيح جبال الدنيا هذه كلها لأزاحها.

وهذه الريح التي ليس لها روح إذا سلطها الله تعالى على قوم من عباده تهلكهم. فهؤلاء، قوم عاد، كانوا قبل قوم لوط. سيدنا لوط هو ابن أخي إبراهيم عليهما السلام، قبل ذلك أيام هود لما كذبت الكفار هوداً الله تبارك وتعالى أنزل عليهم بأسه و نقمته و سلط عليهم الريح العقيم هذه الريح أخذتهم إلى الهواء ثم ردتهم، فصاروا كالنخل المنقعر أي النخل الذي قطع من أصله، فماتوا أهلكهم الله من هذه الريح. والريح ليس لها روح لكن الله تعالى جعل فيها قوة فكيف جبريل الذي له روح؟ وكذلك غيره من الملائكة. 

ثم أخبرنا الله تبارك و تعالى عن جبريل بأنه استوى بالأفق أي أنه ظهر لسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم بصورته الأصلية، صورة جبريل الأصلية صورة ملكية ذات ستمائة جناح ليست كجناح الطيور التي نعهدها جناحه يسد ما بين السماء و الأرض من عظم خلقته لما يكون على صورته الأصلية فظهر له بصورته الأصلية وكان الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يراه في صورته الأصلية لأنه قبل ذلك ما كان يراه على تلك الصورة كان يأتيه جبريل يقرأ عليه القرءان أو يكلمه بالوحي الذي هو غير القرءان فيسمع عنه فيحفظ الرسول ما قرأ عليه، ثم طلب منه ذات يوم لما كان بمكة قبل الهجرة وقبل ليلة المعراج أن يراه بصورته الأصلية قال له جبريل: سل ربك أطلب من الله، فدعا الله رسول الله أن يريه جبريل في صورته الأصلية فظهر له بتلك الصورة التي لها ستمائة جناح فغشي على رسول الله لأن منظره شىء هائل ثم أفاق وكان هذا بمكة.

ثم بعد ذلك أيضاً ليلة المعراج رآه بتلك الصورة لكنه في المرة الثانية لم يغشَ عليه بل ثبت على حالته الطبيعية ثم كان ذلك أي رؤيته لجبريل في السماء عند سدرة المنتهى، في السموات ليلة المعراج،وبجبريل خوف الله تعالى كفار مكة من أن يخسف بهم الأرض كما حصل لمن قبلهم من قوم لوط أو أن يحركها جبريل بقوة فهي تمور أي تذهب وتجىء أو ان يرسل عليهم ريحاً من السماء أو كالذي أرسل على أصحاب الفيل، وهذا معنى الآيات الآتي ذكرها قال تعالى أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ  أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ وذكر أهل التفسير عند ذكر هذه الآية أن الله تعالى لايوصف بالمكان ولا بتحيزٍ في جهة لأن ذلك من صفات الأجسام والله ليس جسماً كبيراً ولا جسماً صغيراً فلا يسكن العرش ولا يجلس عليه لأن ربنا تبارك وتعالى موجودٌ بلا جهة ولا مكان.

وقد قال الحافظ العراقي في أماليه في تفسير حديث: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وفي رواية يرحمكم أهل السماء والمراد من في السماء الملائكة الكرام أنتهى، وجبريل عليه السلام هو من الملائكة الذين أمرنا بمحبتهم وتعظيمهم والإيمان أنهم خلقوا من النور، والله جعلهم لايميلون لمعصية الله فهم لايعصون الله ولا يأكلون ولايشربون ولا يتناسلون وليسوا بصفة الذكور ولا الإناث بل هم عباد مكرمون طائعون لله.

ثم إن الملائكة سواء كان جبريل أوعزرائيل أوغيرهم من الملائكة من سبهم أو استهزء بهم فهوا عدو لله، قال الله تعالى مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ فمن عادَ أحد الملائكة سواء جبريل أوغيره من الملائكة فالله تعالى عدوه أي مجازيه على كفره بمعاداة الملائكة الكرام، وجبريل عليه السلام ينزل بالبشارات على أنبياء الله وأوليائه الصالحين والصالحات، من ذلك ما جاء في القران من تبشيره لسيدنا إبراهيم عليه السلام بالولد مع كبر السن وعقم زوجته سارة، روى أهل التفسير أن سارة زوجة نبي الله إبراهيم كانت في التسعين وكانت عقياً لاتلد، وكان إبراهيم عليه السلام في المئة من عمره فأرسل الله الملائكة ومن بينهم جبيرل عليه السلام قال الله تعالى: وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ  رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ  إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

وجبريل عليه السلام هو الذي بشر السيدة الجليلة مريم بنت عمران رضي الله عنها بالسيد المسيح عليه السلام فلقد جاءها بصورة وهيئة رجل حتى تستأنس وأخبرها انه مرسل من الله بإلقاء الروح المشرف لسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام فالقاها من جيب القميص أي واستقرت في جوفها بقدرة الله القادر على كل شىء قال الله تعالى: فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا  فجبريل هو البشارة التى يرسلها الله لأنبيائه وأوليائه وهو حبيب المؤمنين عليه السلام قال  الله تعالى قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ.