حرمت عليكم الميتة

إن المسلم يتميّزُ عن غيره بأنَ حياتهُ ملزمةٌ بالضوابط الشرعية في الحلالِ والحرام والإنقياد لحكمِ الشَرع في أمورِ دينهِ ودنياه، فالحلالُ ما أحلهُ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والحرَامُ مَا حَرَمَهُ اللهُ ورسَولهُ وإن هَوتهُ نفسُهُ ومالتْ إليهِ، ومن أهمّ المجالات التي يَحرصُ المسلِم على تحري الحلال فيها المطعوماتُ ما يدخلُ جوفَهُ من الطعامِ والشراب هل هوَ مما أحلهُ اللهُ أمْ مما مَنعنَا منهُ وحرمَهُ الله علينَا ربنا تعالى، فلا يأكلُ المسلم إلا ما أحلَّ الله له، ومن حلالٍ بمالٍ حلال اكتسبهُ من طريق حلال، والسببُ في هذا التخصيص أنَّ للأكلِ أثرًا واضِحًا في سلوكِ الإنسان وتعامله، وفي قلبهِ ولذلكَ تكررَ في القرآن الكريم الأمرُ بأكلِ الطيبات وهي المطعومات الحلال، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ، وجاءَ في وصف نبينا محمد في التوراة والإنجيل الأصلين المنزلين على نبي الله موسى وعيسى بن مريم عليهما وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام قوله تعالى في القرآن: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ. يُحَرِمُ عَليهم الخبائِث كلحمِ الخنزير والميتةِ والمحرمَاتِ من المآكلِ التي حَرمَها الله تعالى ويحلُ لهم الطيبات أيّ يُبينُ لهم مَا أحَلَّ الله لهم منَ الأكلِ الحلالِ الذي يَنبَغيِ لهم أن يأكلوه فليس َكُلُ طعامٍ يجوزُ للمسلم أكلهُ ولو كانت نفسهُ تشتهيه. ولِمَا جَاءَ في كِتَابِ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا وَأَجمَعَ عَلَيهِ المُسلِمُونَ  تَحرِيم لحمِ الميتة و الخِنزِيرِ، قَالَ سُبحَانَهُ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ وقال تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ،  وَقَالَ تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

 واَلميتَةُ: المذكورة في الآيات هي الّتي زالت حياتهُا بغيرِ ذَكَاةٍ شرعيّة ولو بذبحٍ لم يستوفِ شرطَ الذّبح بأنّ تموتَ بمرضٍ أو بذبحِ من لا تَحِلُّ ذبيِحتَهُ كالمجوسيّ الذي يعبدُ النّارَ والمُلحِدُ الذي يُنكِرُ وجودَ اللهِ والمرتد الذي كان مسلماً ثم ارتد بكفر قولي أو أعتقادي أو فعلي ولم يرجع للإسلام بالشهادتين، فذبيحةُ هؤلاءِ ميتةٌ ولوذَبحَوا كمّا يَذبح المسلمون بقطعِ الحلقومِ أي مجرىَ النّفس والمريء أي مجرى الطّعام والشّراب ولو سمّوا الله أو قالوا الله أكبر فلا تحلّ ذبيحةُ هؤلاء أبدا، ومثلُ هؤلاء المرتدّ كالذي يَسُبّ الله أو يستهزىء بالإسلام أو ينكر البعث بعد الموت أو يسبّ الملائكة أو يصفُ اللهَ بالحركة أو السّكون أو الجسم أو الهيئة أو ينسُب لله المكان أو الجهة أوالجهل أو العجز. وكالذي يَدوسُ على المصحف أو يرميه في القاذورات عمداً والعياذ بالله. فهذا مُرتدّ وذبيحتُه ميتةٌ كالّتي ماتت بمرضٍ ولو نفّذَ شروط ذبح المسلمين أي بقطع الحلقوم والمريء، أما المسلم شاربُ الخمر أو الزاني الفاسق المرتكب للكبائر فذبحهُ حلالٌ، وأما اليهوديّ والنّصرانيّ فتحلَّ ذبيحتهُما لأنّ هذين أحلَّ الله ُلناّ أن نأكل ذبائحهما إن ذبحا بالطريقة الإسلاميّة وقطعا الحلقوم والمريء بشيءٍ له حَدٌ كحديد له شَفَر كالسّكّين أونحوه، واليهوديّ والنصرانيّ ذبيحتهما حلالٌ بلا خِلاف ولو لم يَقُلْ بسم الله، قال الله تعالى: وطَعَامُ الّذينَ أُوتُوا الكِتَبَ حِلٌ لكُم. إما المسلم إنْ سمّىَ الله على ذبيحته هي حلالٌ باتّفاقِ العلماء أمّا إنْ تركَ تسمية الله عمدًا قال الإمام أبو حنيفة ومالك والإمام أحمد: (لا تحلُّ ذبيحته وإنْ تركها سَهوًاتحلّ ذبيحته) أمّا الإمامُ الشّافعيّ رضيَ اللهُ عنهُ يقولَ: بأنّ ذبيحة المسلم سمّىَ الله أو لم يسمّ فهي حلالٌ وإنْ تركَ التّسمية عمدًا، واللحمُ الّذي في الأسواق خليطٌ فيه الحلال وفيه الميتة المحرمة، فالذبيحة الّتي لم نعلم إنْ كانَ ذابحُها مُسلمًا أوممّن لا يؤكلُ ذبيحتَهُ حَرَامٌ أنْ نأكلَ من لحمِها ولو سمّىَ الله على اللحم عندَ أكله، وكذلك التّسميةُ على اللحم الذي لم تُستوفَ الشروط عندَ ذبحهِ لا تجعلهُ حلالاً كما يَظنُّ بعضُ من لا علمَ لهم، والمسلم واليهوديّ والنصرانيّ إذا ضغط على الآلة الّتي تقطعُ رقبة الذّبيحة ونزلت فقطعتها تحلُّ هذه الأولى لأنّها بيده وإذا استمرّ السّكين يقطع بفعل الكهرباء إلى عشر ساعات مثلاً لا يحلّ أكلُ ما بعد هذه الأولى لأنّه بفعل الكهرباء لا بفعل الذابح. واللحم الطّازج أو المبرّد أو المعلب إنْ علمنا علم يقين ليس بالظّنّ أنّ الشّركة الّتي تصدّره أوكلت ناسًا مِنَ المسلمين أو مِنَ اليهود أو النّصارى بالذّبح وقد استوفوا شروط الذّبح الّتي سبق بيانها جازَ لنا أن نأكلَ من هذا اللحم، كأنْ قام مسلم ثقة بإنشاء مزرعة للبقر أوالغنم أو الدّجاج في بلد غير إسلاميّ أو غيره واستخدم ناسًا من المسلمين أو أهل الكتاب ليذبحوا ثم أرسل اللحم إلينا مبرّدًا فيجوزُ لنا أنْ نأكل هذا اللحم لأنّنا علِمنا علم يقين استيفاء شروط الذّبح الحلال، أما مجردُ إلصاقِ ورقة على الصّناديق المستوردةِ الّتي فيها اللحمُ عبارة "ذُبِحَ على الطّريقة الإسلاميّة" فليسَ علم يقين لاسيّما وقد شَهدَ كثيرٌ من أهل الاختصاص أنّهم رأوا صناديقَ في كثير من البلاد العربيّة فيها لحمُ خنزير كُتبَ عليها "ذُبحَ على الطّريقة الإسلاميّة" حتى وصلت بهمُ السّخافة أنّهم كتبوا على علب سمك السّردين "ذبح على الطّريقة الإسلاميّة" وهذا دليلٌ على أنّ هذه المعلبات يطبعون عليها هذه العبارة مع جهلهم بما في داخلها فمتى كانَ السّمكُ يحتاج لأكله إلى ذبح!؟ ومتى كان لحم الخنزير يؤكل!؟ أو يحلّ أكله بذبحه!؟. وكذا لو كُتبت كلمة حلال وكثيرًا ما يتداول كلمة "حلال" عن اللحم وكثر إستعمالها حتى صارت رقماً تجارياً يُستعمل للترويج والتجارة، ولذلكَ بنبغي للمُسلم أن يعرفَ على ما تدلُ هذه الكلمة وعلى ما ترمِزُ بوضعها في محلاتِ بيعِ اللحومِ وعلى البضائع والمعلبات، وكلمة حلال في هذا الموضع معناها باختصار أي يجوز للمسلم أن يأكل منها، أو أن هذا اللحم موافق للمواصفات الشرعية مطابقٌ لما جاءَ في شرع المسلمينَ أنه يجوزُ أكلهُ من اللحوم، وهذه المسئلة عند المسلمين دقيقة إذ أنَّ الله حرم على المسلم تناول أي نوع من اللحوم ما لم يكنِ اللحمُ مذبوحاً بالطريقة الشرعية، ولا بُدَ أن يكونَ الذابح له حال معين إما مسلم وإما أن يكون من أهل الكتاب الذين يذبحون مثلنا، أما إن ذبحوا على غير طريقتنا فلا تؤكل ذبائحهم فما ذبح بالصعق والكهرباء والمكينات التى تقطع لوحدها بطرق مختلفه غير موافقه للشرع وما قتل بالرصاص ونحو ذلك فلا يؤكلُ لأنه لابدَّ أن يكون على الطريقة التى أباح الشرع فعلها وهذه المسئلة ليست إجتهادية إذ أنها منصوصٌ عليها بنص القرءان الكريم ،فالمطلوب من الإنسان أنْ لا يتعلّق قلبه بهذه المعلّبات واللحوم السَهلةِ الوصول إليها من غير تثبتٍ من حلها، وكيفَ يتساهل الإنسان فيما يدخله بطنه إلى هذا الحدّ وأوّل ما ينتنُ منّ الإنسان في القبر بطنهُ، فليكتَفِ الإنسان بالخضار والسّمك وذبح يده وغير ذلك من الحلال في حالة كهذه وليتّقِ الله ولا يتأثّرْ بكلام بعض الجهلاء وتزيين الحرام وتحسين الباطل، وليذكر قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "من أرضىَ الله في سَخَطِ الناسِ رضيَ اللهُ عنهُ، ومنّ أرضىَ الناسَ في سخطِ اللِه سَخِطَ الله ُعليه وأسخَطَ عليه النّاس))،أي خيارهم  الصالحون المتقون. 

وَإِذَا كَانَتِ المَيتَةُ أَوِ المُتَرَدِّيَةُ أَوِ النَّطِيحَةُ وَنَحوُهَا ممَّا ذُكِرَ في هَذِهِ الآيَاتِ مِنَ الدَّمِ المَسفُوحِ أَو مَا أَكَلَ السَّبُعُ أَو مَا أُهِلَّ لِغَيرِ اللهِ بِهِ قَد حُرِّمَت لِعِلَلٍ عَارِضَةٍ عَلَيهَا، فَإِنَّ لحمَ الخِنزِيرِ  مَنهِيٌّ عَنهُ لِعِلَّةٍ مُستَقِرَّةٍ فِيهِ، وَمُنَفَّرٌ مِنهُ لِوَصفٍ لاصِقٍ بِهِ، ذَلِكَ أَنَّهُ رِجسٌ نَجِسٌ خَبِيثٌ قَذِرٌ. وَكَمَا جَاءَ تَحرِيمُ لحمِ الخِنزِيرِ في القُرآنِ الكَرِيمِ فَقَد وَرَدَتِ الأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ دَالَّةً عَلَى تَحرِيمِ أَكلِهِ وَبَيعِهِ وَالاستِفَادَةِ مِن أَيِّ جُزءٍ مِنهُ،  مِن ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسلِمٌ عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَامَ الفَتحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيعَ الخَمرِ وَالمَيتَةِ وَالخِنزِيرِ وَالأَصنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ شُحُومَ المَيتَةِ فَإِنَّهُ يُطلَى بها السُّفُنُ وَيُدهَنُ بها الجُلُودُ وَيَستَصبِحُ بها النَّاسُ؟ فَقَالَ: لا، هُوَ حَرَامٌ،

وللتشجيع على تحري الحلال جاء في صحيح البخاري عن جندب رضى الله عنه : إنّ أولَ ما يُنتنُ منَ الإنسان بطنُهُ، فمن استطاعَ أن لا يأكل إلا طيبًا فليفعل. وأعظمُ آثارِ أكلِ الحرامِ استحقاقُ الناّر وذهاب البركة بسبب الحرامِ، وصح عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل لحمٍ نبتٍ من سُحتٍ  فالنّارُ أولىَ به والسحتُ هو الحرام،

فيا عبدَ الله، إذا كنتَ لا تبالي بمثل هذا الوعيد وشهوةُ بطنكَ عزيزةٌ عليك! فهلا راعيتَ فلذاتِ كبدك أولادك فتحرّيت الطعام الحلال من أجلهم!! لقد كانت المرأة في السلف الصالح حريصةٌ أن لا تأكلَ هي وأبناؤها إلا الحلال خوفًا من ما جاء في وعيد هذا الحديث، فكانت الواحدة منهنَّ توصي زوجها وهو ذاهبٌ إلى عمله قائلة: يا أبا فلان، إننا نصبرُ على ألم الجوع ولا نصبر على ألم عذاب الله، فاتق الله فينا ولا تطعمنا من حرام. ومن آثار أكل الحرام خذلانُ آكله فلعه لا يكون مجاب الدعوة عند الله وهو ما يراه الكثيرون من أنهم يدعون الله مرارا ولا تحصلُ الإجابة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله طيبٌ لا يقبلُ إلا طيبًا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ، ثم ذكرَ الرجُلَ يُطيلُ السَّفَرَ أشعَثَ أغبَر، يمدُ يديه إلى السماءِ: يا رَبُّ يَارَبُّ، ومَطعمُه حرامٌ ، ومشْرَبُهُ حرامٌ ومَلبسُهُ وغُذّيَ بالحَرامِ فأنَّى يُستجابُ لذلكَ،  فأكلُ الحرام سَببٌ في منعِ قبولِ الدعاءِ عندَ الله تعالى  ويؤيّدُ هذا أن سعد بن أبي وقاصٍ رضى الله عنه قال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلَني مُستجابَ الدعوة، فقالَ لهُ النبيُ ّصلىَ الله عليه وسلم: يا سَعدُ، أطِبّ مَطعمَكَ تكُن مُستَجَابَ الدعوةِ. وقد أخذَ سَعدٌ رضوان الله عليه بهذه الوصية الغالية، وأصبحَ من أكثرِ المتُحرّين للحلال، فقد قيل له: يا سَعد، تُستجابُ دعوتَكَ من بين أصحابك، فقال: ما رَفعتُ إلى فمي لقمةً إلا وأنا عَالمٌ من أينَ مجيؤُها ومن أينَ خرجَتْ.

أيّها الإخوة، وهناك آثار أخرى سيئة لأكل الحرام عُرفت بالاستقراء والاعتبار والمشاهدة بأحوالهم وما أكثرها، منها التكاسلُ عن الخيرات وقلة الخشوع في الصلاة؛ وأنّى لجسدٍ غُذيّ بالحرامِ أن يَنشُطَ لطاعة الله إلا من رحم الله؟! ومن أدمَنَ أكلَ ما حرمَ الله ظهرت عليه أماراتُ إستمرَاءُ المعاصي والركونُ إلى الدنيا والغفلةُ عن المصير والقسوةِ في القلب وعدمُ المبالاة ومحقتِ البَرَكَةُ في كثيرٍ من جوانبِ حياتِه.

وإنَّ من فضلِ الله علينا أن دائرةَ الحرامِ ضيقةٌ مقارنةً بالحلال الكثير الواسع المنتشر، فالمطعوماتُ الحلال كثيرةٌ سواءٌ كانَ لحماً حلالاً أو غيره ، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا، لكن للأسفِ هناك طائفةٌ من الناسِ لم تَسعُهم تلك المساحةُ الواسعةُ من الحلال فاعتَادوا تعاطي الحرام في الأكلِ مما حرّمَ اللهُ؛ كالميتةِ والخنزير وشُربُ الخمر ونحوها. هؤلاء الغافلونَ تعلقوا بفتوى لاأصلَ لها أو متسترينَ بمن يدعي العلم يُحلُ لهم ما حَرمَ الله بدعوى التيسير والتساهل على الناس ومتى كانَ يُسرُ الدينِ بتكذيبِ النصوصِ فكُنّ على عِلمٍ ويقينٍ انهُ ليسَ هناكَ فتوى بحلِ الأكل من اللحم الذي يُباعُ في المحلات المنتشرة في أمريكا حولنّا ولا يعرفُ حالُ اللحم الذي فيها ولا كيفيةَ ذبحه، ومن إدعىَ بحلِ ذلكَ فقد ردَ نصوص القرءان، ولا تَقلْ الشيوخُ أفتوا بالتسمية والأكل من حيثُ شئتَ بعد هذا البيان، فتلكَ فتوى جائرةٌ ومتى كانت التسمية تُحلُ الحرام! وهل لو قالَ الشخص باسم الله على الأكل الحرام يصيرُ حلالاً ؟! ولو كانَ هذا اللحمُ المذبوحُ بالكهرباء والصعق ونحوه مما يخالفُ القواعد الشرعية للذبح ليس ميتةً فما هي الميتةُ التى حرمها الله علينا في القراءن إذاً ..ً؟! ألاَ فليُجيُبنا من قالَ للناسِ كلوا من حيثُ شئتم وسموا الله أينَّ نجدُ الميتةَ المحرمةَ إن كانَ كلُ اللحم لو سُميَّ عليه اسمُ الله صارَ حلالاً أينَ الميتةُ المحرمة نجدها اليوم ؟! فليتق الله الواحدُ قبلَ أنّ يَمْلءَ بطنَهُ بما حَرمَ الله فيفسقُ بأكلهِ ويتغيرُ حاله، وليذكُر من يأكلُ من هُنا وهناكَ الموتَ والبِلىَ والسؤالَ يومَ القيامة، وقد أخبرَ الصادقُ المصدوق الذي لا ينطقُ عن الهوى صلواتُ الله وسلامه عليه أننا سَنُسألُ يومَ القيامةِ عن أسئلةٍ منها عن ما كَسبنَاهُ أمِنَّ الحلال أم منَّ الحرام، فعن أبي برزة الأسلمي رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  لا تَزولُ قَدَماَ عبدٍ يومَ القيامةِ حتىَ يُسألَ عنْ أربع: عن عُمرِهِ فيمَّ أفنَاه؟ وعنْ علمِهِ ما فعلَ فيه؟ وعنْ مالِهِ من أينَ اكتسَبَه؟ وفيمَ أنفقهُ؟ وعن جِسمِهِ فيمَ أبلاهُ؟.

فماذا سَيجِيبُ من أكلَ من هُنا وهناكَ وقالَ كلوهُ على حَسَبَ النيةُ ونحن بالغربة وبضرورة أينَ الغُربَةُ وأينَ الضرورة في مثلِ هذهِ الأيام والبلاد، الله ُيُلهمنُا فعلَ الخيرات، أسألُ اللهَ أن يَعصمَني وإياكم من الحرام وطرقه ووسائله، اللهمَّ اغنِنَا بحلالِكِ عن حَرامك، اللهمَّ إنّا نَسألكَ رِزقًا واسعًا وحلالاً طيبًا، اللهمَّ ارزقنا صحة لا تُلهينا وغنىً لا يُطغينا وعافية من حلال يا ارحمَ الرُحمَاء.