الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

الربا لغة بمعنى الزيادة والنماء، ويأتي في المصطلح على الزيادة على الدَّيْن مُقَابل الأجل في ربا القرض، قال الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾، والربا من أكبر الكبائر جاء الزجر عنه في كتاب الله تعالى شديداً مفزعاً، قال الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾، وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم:(إجتنبوا السبع الموبقات أي المهلكات وعدّ منها: أكل الربا)، وكما حُرم أكل الربا أي الانتفاع من مال الربا أكلا أو غيره، حرمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاركة في عقد الربا بكتابة أو شهادة ، ففي حديث جابر قال: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ قَالَ : هُمْ سَوَاءٌ)، والربا من المعاملات التي حرمت في الشرائع من قبلنا قال الله تعالى: (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ )،و قال الله تعالى في ذمّ من يأكل الربا:{الذينَ يأكلونَ الربوا لا يَقُومونَ إلا كما يقومُ الذي يتخبَّطُهُ الشيطانُ منَ المَسِّ}، قال العلامة الشيخ عبد الله الهرري رحمات الله عليه في تفسير الآية:أي أنهم إذا بعثوا من قبورهم يبعثون على هذه الهيئة أي هيئة المصروع لأنه تخبّط في المعاملة في الدنيا فجوزيَ على المقابلة، والمعنى أنهم يقومون يوم القيامة مخبَّلين كالمصروعين، كحال من أصابه مس أي جنون. تلك سيماهم يُعرفون بها عند أهل الموقف. وقيل الذينَ يخرجون من الأجداث أي القبور يوفِضون أي يُسرعون إلا أكلة الربا فإنهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين لأنهم أكلوا الربا فأرباه الله في بطونهم حتى أثقلهم فلا يقدرون على الإيفاض أي الإسراع بسبب أنهم قالوا إنما البيعُ مثل الربا.قال الله تعالى:( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا )، في هذه الآية إنكار على الذينَ قالوا إنما البيع مثلُ الربا إذ الحِلُّ مع الحُرمة ضِدان فأنَّى يتماثلانِ. أ ه. والربا انواع متعدده أشده واشهره في أيامنا ربا القرض وهو كلُّ قرضٍ شُرِطَ فيه جرُّ منفعةٍ للمُقرض أو لهُ وللمُقترضِ سواءٌ كانتِ المنفعةُ زيادةً في جنس المُقرض أو غيره أو غيرَ زيادةٍ والربا سواء كان بالبنوكِ وغيرها مما يُشترطُ فيه الزيادةُ هو أشدُّ أنواع الربا وسواء سمي ربا أو أطلقت عليه أسماء إستحدثها المرابون لترويج الربا كالفائدة أو المضاربة او الاسهم والتأمين وغير ذلك مما في الغالب هو ربا محض. ولا يُشترطُ في حُرمةِ ربا القرض أن يكونَ القدرُ الذي يَشترطهُ المقرض منَ الزيادةِ عند ردّ القرضِ كثيرًا بل القليلُ والكثيرُ في الحُرمةِ سواء. أما الربا الذي بغير الزيادة في قدرِ الدَينِ فهو مثلُ ما يفعله بعضُ الناس من أنَّ أحدهم يُقرضُ شخصًا مالاً إلى أجلٍ ويشترطُ عليه أن يُسكنهُ بيته مجانًا أو بأجرةٍ مُخففةٍ إلى أن يؤدي الدَينَ ويُسمونهُ في بعض البلادِ استرهانًا وهو حرامٌ بالإجماع إتفق عليه المجتهدونَ الأئمة الأربعة وغيرهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ قَرضٍ جَرَّ منفعةً فهو ربا". إتفق العلماء على العمل بهذا الحديث وإن كان إسناده ضعيفًا. فالقرضُ شرعهُ الله للمواساةِ بينَ العبادِ فلا يجوزُ شرطُ جَرِ المنفعةِ. القرضُ شُرِعَ للإحسانِ إلى الناسِ ليسَ لطلبِ الربح. ومن الربا ما يفعله بعض الناس من أنهم يبيعون الشئ بأقساط مؤجلةٍ إلى ءاجال معلومة مع شرط أنه إن أخّرَ شيئًا من هذه الأقساط يُضاف عليه كذا من الزيادة ويسمون أحياناً الفائدة التراتبية بحيث تزيد كل شهر على شهر. وهذا كان بيعًا عدلاً جائزًا لولا هذا الشرط مهما حصل من الربح بسبب التقسيط مما هو زائد على ثمنِ النقد، فأصلُ بيعِ التقسيطِ جائزٌ إذا افترقا على البيان أي بيانِ أنه يريدُ بيعَ النسيئةِ (التقسيط)، لا النقدِ أو اختارَ النقد، وإنما يحرمُ إذا تفرّقا قبل البيان ثم أخذ الشئ قبل البيان كأن يقول له بعتكَ هذا بألفٍ نقدًا وبألفين تقسيطًا إلى ستة أشهر ثم يأخذُ هذا الغرض من غير أن يختار إحدى الطريقتين وهو المرادُ بما وردَ النهي عنه من بيعتين في بيعةٍ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من باعَ بيعتَين في بَيعة فله أوكَسُهما أو الربا"، ومعنى أوكسهما أقلهما، وهذا الربا الذي كان مشهورًا عند العرب وهو ربا القرض وهو أن يكون للرجل على الرجلِ دَينٌ إلى أجلٍ ثم إذا حلَّ الأجلُ يقولُ صاحبُ الدينِ للمَدين "إما أن تدفع وإما أن أزيدَ عليكَ" قالَ بعضُ الحنفيةِ هذا أولُ ما نزل تحريمهُ منَ الربا اهـ. ولم يُحرّم الربا إلا بعد الهجرة. إما إن أرادَ المقترض مكافأة المعروف بالمعروف فردّ الدينَ مع زيادةٍ من تلقاءِ نفسه كان جائزًا،. وقد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، اقترضَ من رجل بكرًا من الإبل أي سِنًّا صغيرًا وردَّ رباعيًّا وهو سنّ أكبر منه، وهذا شئ جائز، والرسول الله صلى الله عليه وسلم مدح من يفعل ذلك بقوله: "خيرُكم أحسنكم قضاء" ومن الجائز أيضًا أن يُقرضَ ماله لشخص لينتفعَ به وغرضه من هذا القرض أن يبقى له هذا المال كما هو لأنه إن تركهُ عنده يخشى أن يصرفه فأقرضه لشخص وقصدُه أنه إن أقرضه صار محفوظًا له وأما إن تركه فإنه يصرفه في أمور شتى فإن هذا جائز بالإجماع. وينقسمُ الربا أي ما عدا ربا القرض إلى ثلاثة أنواع: أحدُها ربا الفَضل. وهو بيعُ أحدِ العِوَضَين وهُما مُتّفِقا الجِنسِ بالآخر زائدًا عليهِ كبيعِ دينارٍ بدينارين أو درهم بدرهمين أو صاع قمحٍ بصاعي قمح.مثلا ، وليحذر مما يفعله البعض في أيامنا من بيع سوار من الذهب مثلا بقلادة أقل وزناً أو أكثر، ثم يدفعون ما تبقى من السعر وهذا من ربا الفضل المحرم، والصحيح أن يُباع السوار بعقدٍ منفرد ثم يشترى القلادة بصفقة أخرى وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ ، مِثْلًا بِمِثْلٍ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ ، مِثْلًا بِمِثْلٍ ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا)، والثاني ربا اليد: وهو البيعُ معَ تأخير قبضهما أو قبضِ أحدِهما بأن يفترقَ المُتبايعان قبلَ القبضِ أو يتخايرا فيهِ قبلَ القبضِ أي يُمضيا إثباتَ العقدِ بشرطِ إتحادِ العوضينِ، كبيع القمح بالشعير أو الملح والتمر بالزبيب والتفاح بالتين، أو كالذهب بالفضةِ والعكسُ ثم يفترقا بلا تقابضٍ للعوضينِ أو أحدهما. فإن قال له بعتُكَ طن من شعيرٍ بخمسين كيلو قمح ثم ذهبَ هذا وهذا من غير تقابض أو أحدهما قبضَ والآخر لم يقبض صار ربا. والثالث ربا النَّساءِ:بفتحِ النونِ أي التأجيلِ وهوَ البيعُ للمَطعومَين أو للنقدينِ الذهب والفضة المُتفقي الجنس أو المُختلفَيْهِ لأجلٍ ولو كانَ الأجلُ قصيرًا جدًّا كلحظةٍ أو دقيقةٍ، أي أن يُشرَطَ ذلك لفظًا بأن يقول أحدهما "بعتُكَ هذا الدينار بهذا الدينار" أو "هذا الدينارَ بهذه الدراهم" أو "هذا القمح بهذا القمح" أو "هذا القمح بهذا الشعير" "على أن تُسلّمَنيهِ غدًا" أو "في ساعة كذا" أو "لساعة كذا" أو "في الدقيقة السادسة من الآن" أو نحو ذلك فهذا هو معنى الأجل. ولا يحصلُ الأجلُ بدون الذكر. وهذه المسائل لها تفاصيل واسعة عند الفقهاء، فمن تلوث بهذه المعصية الفاحشة الربا فعليه بالتوبة إلى االله والندم وارجاع المال إلى أصحابه أو إلى ورثتهم إن استطاع، ولا يصح ولا يقبل أن يجعل مال الربا في شيء عام كبناء أو حفر بئر أو غيره ، ولا يجعله في الفقراء أو المساجد فهذه الفتاوى باطلة لا أصل لها، لأن المال الحرام مثل الربا وغيره ، لا يجوز أكله ولا دفعه في مشاريع مثل هذه، فلا ثواب في مسجد بني من مال الربا أو مدرسة أو إطعام فقير وغير ذلك ، قال رسول صلى الله عليه وسلم:( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ) ، ومن أراد التوبة من الربا ان يأخذ رأس المال فقط، لقول الله تعالى:{وإن تُبتُم فلكُم رُءوسُ أموالكم لا تَظْلِمونَ ولا تُظلَمون}، أي إن أردتم التوبة من معصية الربا فاقتصروا على رأس المال ولا تطلبوا شيئًا سوى رأس المال. قال الله تعالى:{ فمن جاءَهُ مَوعظةٌ من ربِّهِ فانتَهى فلهُ ما سلفَ وأمرُهُ إلى اللهِ ومَنْ عادَ فأولئكَ أصحابُ النارِ هم فيها خالدون}، أي فمن بلغه وعظٌ من الله وزجر بالنهي عن الربا فتبع النهيَ وامتنع فلا يؤاخذ بما مضى منه لأنه أخذ قبل نزول التحريم، ومن عاد إلى استحلال الربا فهو كافر. وقال الله تعالى:{ يَمْحَقُ اللهُ الربوا ويُربي الصدقات واللهُ لا يحبُّ كلَّ كفارٍ أثيمٍ} ، أي يذهب ببركته ويُهلك المالَ الذي يدخل فيه، وينمّي الصدقات ويزيدها ويبارك فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نقصَت زكاة من مال قط". والله لا يحب كل عظيم الكفر باستحلال الربا مُتمادٍ في الإثم بأكله.، وأما حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الربا ثلاثةٌ وسبعونَ بابًا أيسرها مثلُ أن ينكحَ الرجلُ أمه)، هذا الحديث لا يجوز تصحيحه والعمل به لأنه مناقض لحديث البخاري وفيه أن أعظم الذنوب عند الله الشرك ثم القتل ثم الزنا وكذلك ما يروى "درهم ربا أشد من ستة وثلاثين زنية" وهذا موضوع كما ذكر ابن الجوزي و هاتين الروياتين يجرئان على تهوين أمر الزنا عند الناس .

فالحذر الحذر من جميع أنواع الربا فإنّ عاقبة الربا وخيمةٌ فقد ظهر من أناسٍ بعد وفاتهم وهم في قبورهم ءاثارٌ من العذاب أي عذاب القبر وكانوا معروفين بالربا، وكان الإمام الهرري رحمه يذكر قصة للوعيد من أكل الربا فيقول: كان في ناحيةٍ من نواحي الحبشة رجلٌ معروفٌ بالمُراباة ومع ذلك كان فيه تجبّر على الناس، ثم مات هذا الرجل فصار يطلع من قبره الدخان فصار أهلهُ يجمعون له المشايخ فقال لهم بعض المشايخ استسمحوا له الناس الذينَ كان يأخذ منهم الربا فصاروا يدورون على الناس ويقولون لهذا سامح فلانًا ولهذا ولهذا وكثيرٌ من الناس يقرؤون له القرءان على القبر ثم بعد سبعة أيام انقطع هذا الدخان من قبره. وما يستره الله أكثر إنما يُظهر القليل من الكثير...اللهمَّ اكفنا بحلالك عن حرامك.