الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

الرياء من معاصي القلب الكبائر، والرياء هو أن يقصد الإنسانُ بأعمالِ البرّ كالصومِ والصلاةِ وقراءةِ القرءان والحج والزكاة والصدقات والإحسان إلى الناس مدْحَ الناس وإجلالهم له ، قال الله تعالى: ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ )، وقال تعالى: ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )، أي لا يُراءِ بعمله ، والرياء  يدخل على القلب بصور مختلفة ومكائد شيطانية فيقصد ثناء الناس له بعمله فيقع في الإثم ويمنعُ الثواب والأجر، ومن صور الرياء أن يظهر الشخص إظهارِ نُحولٍ وصُفرةٍ وتشعُّث وخَفضِ صوتٍ ليُظنَّ أنهُ شديدُ الاجتهادِ في العبادةِ، أو بتقليلِ الأكلِ وعدم المُبالاة بلبسهِ ليُظنّ أنه مُشتغلٌ عن لبسهِ بما هو أهم ، أو بإكثارِ الذكر وملازمةِ المساجدِ ليُظَنّ أنهُ صوفيٌّ مع أنه مفلسٌ من حقيقة التصوف، فإذا زادَ على ذلك قصدَ مبرَّةِ الناس له بالهدايا والعطايا كانَ أسوأ حالاً لأنّ ذلك من أكلِ أموال الناس بالباطل ، أو بطلبِ كثرةِ الزُوَّارِ لهُ كأن يطلبَ من نحو عالم أو ذي جاه أن يزورهُ ويأتيَ إليه إيهامًا لرفعتهِ وتبرُّكِ غيره به، أو بذكرِ أنهُ لقيَ كثيرًا من أهلِ الفضل افتخارًا بهم وترفعًا على غيره . وكذا الزوج إن أحسنَ لزوجتهِ أو هيَ أحسنت إليه لطلب محمدة الناس وان يجله الناس وقد يبدأ المرء عملا مخلصا ثم يسمع ثناء من الحاضرين فتتغير نيته ويصير يعمل لمزيد الثناء، وفي عصرنا يخشى على الكثيرون من السقوط في شرك الرياء الذي يتسلل الى القلب من جراء التصوير والتصدير أو الكتابة على مواقع التواصل فمن مصورٍ لنفسه في الحج أو العمرة وربما أثناء الطواف أو الصلاة والمشاعر أو كمن يكتب صليت في جوف الليل ركعتين ونحو ذلك مما هو مشاهد ومسموع ومقروء..!! والأولى إخفاء هذه الأعمال والإخلاص فيها لله تعالى ، إلا من أراد تشجيع غيره أو إدخال الفرح اليهم ولكنه يخشى منه السقوط في الرياء والدخول في قصد السمعة والمراءاة ، ومن بلغه ما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة عن شؤم الرياء وعذابه في الآخرة كان أشد حرصا على أن يكون عمله للطاعات لايعلم به إلا الله تعالى. ففي حديث أبي هريرة قال : "إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يوْمَ الْقِيامَةِ عَليْهِ رجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِىَ بِهِ، فَعرَّفَهُ نِعْمَتَهُ، فَعَرفَهَا، قالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيها؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ: قالَ كَذَبْت، وَلكِنَّكَ قَاتلْتَ لأنَ يُقالَ جَرِيء، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ في النَّارِ. وَرَجُل تَعلَّم الْعِلّمَ وعَلَّمَهُ، وقَرَأ الْقُرْآنَ، فَأتِىَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمهُ فَعَرَفَهَا. قالَ: فمَا عمِلْتَ فِيهَا؟ قالَ: تَعلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأتُ فِيكَ الْقُرآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، ولكِنَّك تَعَلَّمْت الْعِلْمَ ليقال عالم، وقَرَأتُ الْقرآن لِيقالَ: هو قَارِىءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أمِرَ، فَسُحِبَ عَلى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ في النَّارِ، وَرَجُلٌ وسَّعَ اللَّه عَلَيْهِ، وَأعْطَاه مِنْ أصنَافِ المَال، فَأُتِى بِهِ فَعرَّفَهُ نعمَهُ، فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْت فِيهَا؟ قَالَ: مَا تركتُ مِن سَبيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فيهَا إلاَّ أنْفَقْتُ فِيهَا لَك. قَالَ: كَذَبْتَ، ولكِنَّكَ فَعَلْتَ ليُقَالَ: هو جَوَادٌ فَقَدْ قيلَ، ثُمَّ أمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وجْهِهِ ثُمَّ ألْقِىَ في النَّارِ". وفي رواية الترمذي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا هريرة  (أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ )، قال الإمام النووي في شرح الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم في الغازي والعالم والجواد وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله وإدخالهم النار دليلٌ على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال الله تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَوفيه أن العمومات الواردة في فضل الجهاد إنما هي لمن أراد الله تعالى بذلك مخلصاً، وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات، كله محمولٌ على من فعلَ ذلك لله تعالى مخلصاً.إنتهى، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« اتَّقُوا الرِّيَاءَ فَإِنَّهُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ »، فهو من أكبر الكبائر لوصفه صلى الله عليه وسلم إياه بأنه الشرك الأصغر. وقال رسول الله قال الله عز وجل:« أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ فَمَنْ عَمِلَ لِي عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ». وَمَعْنَى قَوْلِهِ “أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ” أَيْ لا يَلِيقُ بِي أَنْ يُشْرَكَ بِي، وَقَوْلُهُ “وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ” مَعْنَاهُ جَزَاؤُهُ ذَلِكَ الَّذِي أَرَادَهُ أَيْ أَنْ يَمْدَحَهُ النَّاسُ. وقال صلى الله عليه وسلم:« مَنْ سَمّعَ سمَّعَ الله به ومَن يُرائي يُرائي الله به ». ومعنى من سمَّعَ سمَّع الله به أنّ الذي يعمل الحسنات ليتحدث الناس عنه بها يفضحهُ الله تعالى ومعنى ومن يرائي يُرائي الله به أي يبيّن الله للملائكةِ أنه يُرائي. والرياءُ يُحبطُ ثوابَ العملِ الذي قارنه ، فإنْ رجعَ عن ريائهِ وتابَ أثناء العمل فما فعله بعد التوبةِ منه له ثوابه، وأيُّ عملٍ من أعمال البِرّ دخلهُ الرياءُ فلا ثوابَ فيهِ سواءٌ كان جرَّدَ قصده للرياء أو قرنَ به قصْدَ طلبِ الأجر من الله تعالى. فلا يجتمعُ الثوابُ والرياءُ لحديث أبي أمامة قالَ جاءَ رجلٌ فقال يا رسول الله أرأيتَ رجلاً غزا يلتمسُ الأجرَ والذكرَ ما لهُ؟ قال: «لا شئ لهُ»، فأعادها ثلاثًا كلّ ذلك يقول «لا شئ له» ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنّ الله لا يقبلُ منَ العملِ إلا ما كانَ خالصًا له وما ابتُغيَ به وجهه ». فالنفوس مجبولةٌ على حبّ المدح، هذا يبني مسجد ليقال عنه فاعلُ خير وهذا يدرّس العلم ليقال عنه عالم وكذلك سائر الأعمال التى يجب الإخلاص فيها لله تعالى  ، فالمخلصون قِلة لكثرة الغفلة وبعد القلوب عن الإخلاص. والذينَ يَسلمونَ من الرياء قلةٌ قليلة. والتخلص من الرياء من أصعب الأشياء علي النفس فإن النفسَ لا تطهُرُ طهارةً تامةً من الرياء إلا بعد مجاهدة. ومراقبة وتدريب على الإخلاص له تعالى ، والذين يراءون باعمال البر الله تعالى توعدهم بالوعيد الشديد، فقال تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾، والوَيْلُ: وادٌ في جهنمَ بعيدٌ قعرُه، شديدٌ حرّه، توعَّد الله به مَن يرائِي الناسَ بعمله، لأنَّ عمل الطاعات والقربات لا ينبغي أن يكون إلا ابتغاء الثواب من الله فالمراءون ينتظرون من الناس أن يشكروهم ويمدحوهم، أما أهل الإخلاص فلا ينتظرون إلا ثواب الله وبذلك وصفهم الله تعالى فقال سبحانه:﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾، ومعنى "لوجه الله"  أي لنيل رضى الله وثوابه، ومدْحُ اللهِ تعالى للمخلِصين في أعمالهم يقتضي ذمَّه للمرائين الذين لا يعملون العملَ و يريدون الثناءَ والشُّكر من الناس. ومما يعين على الإخلاص والتخلص من الرياء، وأن تكون على ذكر دائم واستحضار أن الله تعالى سميع بصير يراك ويسمعك ويعلم ماتخفي وما تعلن قال تعالى:( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ  وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، وقال تبارك وتعالى:(أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ )، وقال الله تعالى:( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ )، وقال عز وجل:( أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ )، والآيات في عظمة الله سبحانه وتعالى وإطلاعه وسعة علمه لخلقه كثيرة، قال الله سبحانه تعالى:( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ  وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ )، ومن علم من نفسه رياءً في طاعة مضت فليتب إلى الله  بالندم والعزم على عدم الرجوع لشرك الرياء، وليخلص في قلبه العمل لله، وليعقد قلبه أنه لا يُريد إلا ثواب الله وكفى أن يعلم الله به ويجزيه على عمله الثواب في الأخرة ولذا كان حال أولياء الله وجلين يخشون أن لا تكون طاعاتهم قد وقعت خالصة لله عز وجل فيفوتهم قبولها من الله تعالى وتضيع أعمارهم وأعمالهم سدى. اللهمَّ نسألك الإخلاص في القول والعمل. والحمد لله أولا وآخرا.