الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

 

حرم الله تعالى على المسلِم المكاسبَ الخَبيثةَ كالسرقة ، فقال تعالى في بيان تحريم أكلَ مال الغير بغير حق : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ )[النساء:29]،

السرقة فاحشة كبيرة منكرة ذميمة والسارق مجرمٌ فاسق معتدي على أموال الناس يتحرى و يرصد متى يغفل الناس عن ممتلكاتهم فيأتي البيوت بخبث وخفاء ودناءة فيكسر الأقفال ويفتح المخازن المقفلة ويتسور الجُدر ويحمل مالاً ليس مالهُ ويأخذ ما لا يستحقّ ليأكل أموالَ الناس ظلمًا وعدوانًا فهو لص ملعونٌ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل في الحديث: ( لعَنَ الله السارِقَ يسرِقُ الحَبْلَ )، والسرقة جريمة معدودة من كبائر الذنوب سواء كان المسروق ذهباً أو خشباً فلا عبرةَ بالقيمة في الحُرمَة والمعصية عند الله ، وتعريف السرقة شرعاً هو ما ذكره العلامة الفقيه الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله في كتابه بغية الطالب فقال: السرقة من الكبائرِ المُجمعِ على تحريمها المعلومةِ منَ الدينِ بالضرورةِ، وهيَ في الأصلِ أخذُ مالِ الغيرِ خفيةً ليسَ إعتمادًا على القوةِ في العَلنِ أو إعتمادًا على الهَربِ في العَلن ، فإنَّ الأولَ من هذينِ غصبٌ والثاني إختلاسٌ حتى لو سرق السارقُ بيضةً فهو ملعونٌ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:( لعنَ اللهُ السارقَ يسرقُ البيضة )،أ ه. والتحذير الشديد من الإعتداء على ممتلكات الناس بالسرقة أمر كان النبي صلى الله عليه وسلم  يشدد فيه ويأخذ العهد على المؤمنين والمؤمنات ويبايعهم على الإبتعاد عن السرقة قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ .…)[الممتحنة:12 [، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَلا تَزْنُوا، وَلا تَسْرِقُوا ...)، وعقاب السارق في الدنيا شديد أليم لا تهاون فيه وذلك لقطع دابر هذه الجريمة المفسدة للفرد و المجتمع ، فكان الحدُّ الشرعي بالقطع لليد الخائنة ، إلا أنَّ هذا الحدَّ والعقاب وظيفة الخليفة المسلم كأبي بكر وعمر ونحوهما فليس لغير الخليفة أو من يقوم مقامه إقامة الحدود الشرعية. فيدُ السارِقِ يدٌ غاصِبةٌ مُعتدِيةٌ ، أمر الله بقطعَها رَدعًا وزَجرًا وصِيانةً لأموال الناس وممتلكاتهم ، قال الله تعالى: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) المائدة/ ، ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما مكنهُ الله وأعطاه من رؤية حال بعض من كان يسرق  في الدنيا وعذابه في النار في الاخرة، فقال صلى الله عليه وسلم في حديثِ صلاةِ الكُسُوف: ( حَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا (أي في النار) صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ )، ومعنى “يجُرُّ قُصبَهُ” أي: يجُرُّ أمعاءَهُ في النار، والمِحجَن: عصًا معطُوفةُ الرأس. والمسروق سواء كان مال أو غيره لا يحل أكله ولو اشتراه آخر من السارق أو من غيره بل لا بُد من رده الى مالكه الذي سرق منه ، وما يقولوه بعض الجهلة " أن السارق من السارق كالوارث من أبيه" فهو ضلال وفساد وكذا قول البعض الحرام "لا يتعدى ذمتين" يعنون به أن من أخذ من غير السارق شيء مسروقا في الأصل ومع علمه فهو بأنه مسروق!!!...فهذه فتوى باطلة كان أفتى بها زعيم حزب الجماعة الإسلامية في لبنان فيصل مولوي في مجلة الشهاب العدد الثاني ص 16 السنة السابعة 1973، رداً على سائل يسأل عن المال الحرام بعد أن ينتقل من يد السارق فأفتى المولوي بالجواز ، ومعنى كلامه أنه لو شخص سرق مالاً ثم أخذه ءاخر منه ثم سرق منه ثالث فالإثم على السارق الأول والذي أخذ منه أما الثالث فلا إثم عليه بحسب كلام فيصل مولوي. وهذا الكلام يكفي أن يقال فيه لا يقبله عقل ولا نقل، فإنّ فيه إباحة أكل أموال الناس وسرقتهم ، وهذا مما يخالف الشرع وكلّ نظام الدول وبهذا فتح باب سرقة أموال الناس على مصراعيه وهذا لم يقل به أحد قط قبله. ففي المستدرك للحاكم عن ميمونة بنت سعد ، أَنها قالت : ( أَفْتِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِ السَّرِقَة ، فَقَالَ : مَنْ أَكَلَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا سَرَقَةٌ ، فَقَدِ اشْتَرَكَ فِي إِثْمِ سَارِقِهَا ). وليس من السرقة المحرمة ما شاع عند الكثيرين في عصرنا أنهم يمنعون الناس من إستساخ الكتب أو طبع المعلومات التى في الكتب أو في صفحات الإنترنيت بحجة أن حقوق الطبع محفوظة لمؤلفه، وهذا حكم دول وليس حكماً شرعياً صحيحاً وليس هو بالسرقة المحرمة، فالمؤلفونَ الماضونَ كانوا يتعبونَ في تآليفهم أكثرَ من أيامنا بكثير يؤلفون  ويكتبون في النحو أو الفقهِ أو الحديثِ أو اللغةِ وما كانوا يمنعون تآليفهُم عن غيرهم بل كانَ الذي ينسخُ مؤلفاتٍ ينسخُ نُسخاً كثيرةً لبيعِها أو ينسخُ بالأجرة لغيره وكانوا يتعبونَ أكثرَ من اليوم وكانوا يصنعونَ الحبر بأيديهم ويبرونَ الأقلامَ بأيديهم وكانوا يكتُبون على ضوء الشمع لأنهُ ما كان في أيامهم ضوءُ الكَهرُباء ومع كل هذا أخذ الناس العلوم من كتبهم وطبعوها ونسخوها إلى يومنا ولم يعترض عليهم احد، فالحقُ والصواب أن من وصلَ إليهِ كتابٌ نافعٌ بطريق حلالٍ جازَ لهُ أن ينسخَ منهُ نُسخاً ليُهدي من شاء أو يبيع من شاء وكذلك لو وضع المؤلف ما كتب للناس على  مواقع الإنترنيت جاز لك الإنتفاع بها قرأة أو نسخاً أو بيعاً وإلا لمِا وضعها، ولولا ذلك ما وصلت العلوم الى البلاد و الآفاق إلا بالنسخ والأخذ من النسخ التى كتبها مؤلفوها هذا هو الحق الموافق للشرع وما خالفَ ذلك فهو باطلٌ مخالفٌ للدين.

فائدةٌ: منَ المسائلِ التي تخفى على بعض الناسِ أنه إذا دخلَ السارقُ المسلم ليسرقَ ثم انتبهَ له صاحبُ المنزلِ فأرادَ أن يهربَ السارق ولم يكن معهُ سلاح يَخشى صاحبُ البيتِ أن يضربهُ بهِ لا يجوزُ لهُ ضربهُ أو قتلهُ أو جرحهُ وهو هارب، أما إذا كان معهُ سلاحٌ خافَ أن يقتلهُ به له أن يضربهُ. وإذا أخذ المالَ وذهبَ يعملُ شيئًا يُجبرهُ به على ترك هذا المال.فو اطلق النار في الهواء ليخيف السارق فيهرب خير من تصويب النار عليه فيقتله أو يجرحه وإذا كان يهربُ بالصراخِ عليهِ لا يجوزُ ضربه. أما إذا بادرهُ بالقتلِ من غيرِ سببٍ شرعيّ فذنبهُ ذنبُ من قتلَ مسلمًا ظلمًا وعذابه مثل ذلك العذاب. فإن فوجئَ بالسارقِ داخلَ البيتِ فإن كانَ خافَ أن يسبقهُ بالقتل فلهُ أن يضربه كأن رأه يحمل سلاحا وصوبه نحوه فله ان يبادر في اطلاق النار عليه خوفا من ان يسبقه اللص ، أما إن كانَ السارقُ وجدهُ ليس معه سلاحٌ ولا يخافُ أن يضربهُ لا يجوزُ أن يبادرهُ بالضرب والأذى. ومن ضعفت نفسه فمد يده للسرقة فعليه أن يسرع بالتوبة إلى الله من هذه الجريمة الشنعاء، والتوبة من معصية السرقة تكون بالإقلاع والندم على فعل السرقة ، ولا بُد  في توبة السارق من إرجاع المال المسروق إلى صاحبه إن وجده، أو ورثته ان مات المالك ،وإن لم يبقى عين المسروق  معه ارجع بدله أو قيمته واستسمح، وإن عجز عن الوصول إليه أو إلى ورثته لطول زمان أو عدم معرفة صاحب المال فليتصدق بالمال بنية الأجر لصاحبه أو يضعه في مصالح المسلمين لأنه مال ضائع لا يعرف صاحبه ، والحذر الحذر من التعدي على حقوق الناس بالسرقة قال رسول الله صلى الله وسلم : ( لا يحِلُّ للرجُلِ أن يأخُذَ عصَا أخِيه بغيرِ طِيبِ نفسِه )، فإذا كان ذلك في الأشياء الحقِيرَة، التي لا يكونُ لها قيمة عالية عند صاحِبِها كالعصَا ونحوِها فكيف بمن يسرق الأموال والأعيان الثمينة. ومن تاب وصلحت توبته ورد الحقوق لأهلها فالله يغفر له ويسامحه وليكثر من الإستغفار قال الله تعالى:( فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [المائدة:39]، اللهمَّ جنبنا الأموال الخبيثة وأغننا بالحلال الطيب والحمد لله أولاً وآخرا.