الإصرارُ على الذنب الذي هو معدودٌ من الكبائر هو أن تغلب معاصيهِ طاعته أي بالنسبة لما مضى وليس بالنسبة ليومهِ فقط...

فإنّ هذه المعاصي الصغيرة تصير كبيرة واحدة. وأما مجرد تكرار الذنب الذي هو من نوع الصغائر والمداومةُ عليه فليس بكبيرة إذا لم يغلب ذلك الذنب طاعاته، هكذا قيَّد جماعةٌ من الشافعية والحنفية، وليس الإصرار الذي يُعدُّ كبيرة أن يكرر الشخص معصية من الصغائر كالنظر المحرم أيامًا متوالية من غير أن تصلَ إلى أن تكون أكثر من حسناتهِ كما يظن ذلك كثير من الناس. ومعنى الاصرار هو مداومة الشيء وملازمته والثبوت عليه وعدم الإقلاع عن الذنب والعزم على البقاء عليه، واخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار). لأن معاودة الذنب وتكراره من غير توبة قد تأنس نفس العاصي بالمعاصي، ويقل خوفه من الله، فتجرؤ نفسه على فعل الكبائر، أما المتَّقون فإنهم لا يصرُّون على الذنوب، وهم يعلمون قبحها والنهي عنها كبيرة كانت أم صغيرة، ويعلمون أن لهم ربًا رحيما غفوراً يغفر الذنوب. فيرجون رحمة الله ويعلمون بأن الذنوب لا يسترها ويتجاوز عنها سوى الله الرحيم الرحمن سبحانه:﴿ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾ ويعتقدون أنه لا أحد يغفر الذنوب ويعفو عنها إلا الله، فلا يصرون بل يتوبون وقتاً بعد وقت قال الله تعالى:﴿ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون) أذنبوا فاستغفروا.. وأساؤا فندموا. فكانت العاقبة: ﴿ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ والله تعالى أعلم وأحكم.