آفات اللسان

إن الله تعالى خلق للأنسان اللسان  نعمة ليستعين به على قضاء حوائجه وليعبرَ به عن ما في نفسه، وليعبدَ الله به ولذلك ُأمِرنا بحفظ اللسان وضبطهِ عمّا حرَمَ الله من فاحش القول، واليوم صرنا في زمنٍ كثرَ فيه المتهاونون بالكلام حتى رموا بأنفسهم في شرِ الكلام وهم لايحسبونه شىء وهو عندَ الله عظيم، والكلامُ محفوظٌ على ابن آدم يُكتب عليه كما في قول الله تعالى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ق:18]، وقال الله تعالى سنكتبُ ما قالوا [آل عمران:151]. وقد رغبَ النبيُ صلى الله عليه وسلم بالصمت إلا إذا كان الكلام خيراً، قال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، و في الحديث أنَّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم:دُلني على عمل يُدخل ني الجنة قال: أمسك عليكَ هذا، وأشارَ إلى لسانه فأعادَ عليه، فقال: ثكلتكَ أمُك هل ُيكبُ الناسَ على مناخرهم في النار إلا حصائدَ ألسنتهم، والمراد بحصائد الألسنة جزاءُ الكلام المحرم وعقوباته، فإن الإنسانَ يزرعُ بقوله وعمله الحسنات والسيئات ثم يحصدُ يوم القيامة ما رزع، فمن زرع خيراً من قول أو عملٍ حصدَ الكرامة والخير والثواب، ومن زرع شَراً من قول أو عملٍ حَصَدَ الندامة والخزي والعقاب إن لم يعفو الله عنه.  وآفة القول باللسان يدخل فيها الشرك والكفر، وهو أعظم الذنوب عند الله وقد انتشر بين الكثير والعياذ بالله تعالى كسب الله والإستهزاء والسخرية بما جاء في كتب الله من وعد أو وعيد ومثال ذلك ما يقوله بعض السفهاء من كلمات إستهزاء عن الجنة وما فيها والنار وما فيها كقول البعض نتدفءُ بنار جهنم إستهزاءً فهذا معدود من الكفر لأن فيه استخفافاً بما توعد الله به. ويدخل فيها القول على الله بلا علم كوصف الله بالصفات التى لاتليق به تعالى مثل الذي ينسبُ لله تعالى المكانَ والمثيل والشبيه والعجز ونحو ذلك والعياذ بالله تعالى مما شاع على ألسنة الكثيرين ، ويدخل في الكلام المهلك شهادة الزور والقذف أي رمي الناس بالفواحش زوراً وبهتاناً. ويدخلُ فيها الكذب والغيبة والنميمة، وفي: الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الرجلَ ليتكلمُ بالكلمةِ ما يَتبَينُ فيها، يَزلُ بها في النار أبعدَ مما بينَ المشرقِ والمغرب أخرجه الترمذي في لفظه: إنَّ الرجلَ ليتكلمُ بالكلمة لا يرىَ بها بأساً يهوي بها سبعينَ خَريفاً في النّار. وفي الحديث أعظمُ البيان أنَ الكلام لايرى قائله به بأساً أي لايراهُ ضاراً ومع ذلكَ يستوجبُ به قعرَ النار والعياذ بالله تعالى، واللسانُ تُرجمُان القَلب والمعبرُ عنه وقد أمرنا باستقامة القلب واللسان، ومن حصائد اللسان وآفاته الخوض في الباطل، وهو الكلام في المعاصي، والتحدث عنها بما يروجها بين الناس، ويشيع الفواحش بينهم، ومن ذلك ما يقع في المجتمع من المخالفات التي يرتكبها بعض الأفراد، فإن التحدث عنها في المجالس يُفرح الأشرار والمفسدين، ويشيع الفاحشة في المؤمنين والواجب على من علم من أخيه زلة أن يسترَ عليه ويناصحه، أو يرفع أمره إلى من يرجي أن ينصحه، وأما أن يُتخذَ من زلتهِ موضوعاً يتحدثُ عنه المجالس فإن ذلك من أقبحِ الخِصال، وذميمِ الفِعال قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سترَ على مسلم ستره الله.

ومن معاصي اللساب التكلمُ بالفحش والسَبِ والبَذاءةِ والشَتم، فإنَّ بعضَ الناس يعتاد النطق بلعنِ الأشخاص بغير حقٍ، فيكون النطق باللعنة أسهل الألفاظ عليه، وربما يواجه بها صديقه وصاحبه والعزيز عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليسَ المؤمنُ بالطعانِ واللعَان ولا الفاحش ولا البَذيء، وبعضُ الناس حينما يكون بينه وبين أخيه المسلم منازعة أو مشادة، فإنه يُطلقُ لسَانه عليه بالسب والشتم واللعن، ورميه بما ليس فيه من قبيح الخصال، ولا يدري هذا أنه إنما يرتكب أوزار ما يقول ويأثم، والله تعالى قد أمر من وجه إليه شيء من الشتائم والسباب أن يدفع ذلك الكلام بالكلام الحسن، قال تعالى: ادفع بالتي هي أحسن، فإذا كان المعتدي عليه بالكلام السيئ مأمورا بدفعه بكلام حسن ابتعادا عن النطق بالفحش تعففاً، فكيف الذي يبدأ بالفحش ويتفوه بالإثم إبتداء وتظلماً؟!.

ومن آفات اللسان: كثرة المزاح فإن الإفراط في المزاح والمداومة عليه منهي عنهما، لأنه يسقط الوقار، و كثيراً ما يورث الضغائن والأحقاد ويوقع العبد في سخط الله، ومن الغفلة الظن أن بالمزاح فسحة للإنسان بأن يتكلم بما يشـاء !!، أما المزاح اليسير للترفيه فإنه لا بأسَ به، لأنَّ فيه إنبساطا وطيب نفس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمزحُ ولا يقولُ إلا حقاً. فاحفظوا ألسنتكم، وزنوا أقوالكم، فإن الإنسان أن صمت فلا له ولا عليه  ولكنه إذا تكلم كتب إما له وإما عليه. 

نفعنا الله وإياكم. والله أعلم وأحكـم.