الزنى فاحشة وخزي

إن من أفحش الفواحش وأخس القاذورات جريمةُ الزنى والعياذ بالله تعالى، حرمَهُ الله تعالى بنص القرءان الكريم فقال تعالى وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً، فأخبر الله تعالى عنه أنه من أفحش الذنوب وأقبحها وأنه طريق سيء منبوذ ، وأهل هذه الفاحشة أهل بلاء وانحطاط وأهل سوء وخزي وعار وضعف للإيمان وقلة للحياء والتقوى والخوف من الله تعالى، وبينَ الله تعالى في القرءان أنَّ الزاني والزانية عذابهما أليم شديد قال الله تعالى: وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً / إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـٰلِحاً فَأُوْلَـئِكَ يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً / وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً. أخبر الله تعالى عن عذاب الزاني ما لم يرفع العبد ذلك بالتوبة النصوح والندم والعزم على عدم العودة إليه أو يعفو الله عنه، فما أقبحَ جريمة الزنى، ومن شؤم الزنى أنه يُبددُ الأموال ويهتكُ الأعراض ويكشف على العورات، عارهُ وشؤمه وذلهُ يهدمُ البيوت المطمئنة ويسوَّد الوجوه ويُهبط بالعزيز إلى هاويةِ من الذُل والحقارة والإزدراء والحقارة عند ذوي الطباع السليمة والنفوس الطاهرة، وهو فعلٌ قبيحٌ لا يقتصرُ تلويثه على فاعلهِ، بل إنه يشوه كِلا الشخصين و أفراد المجتمع إذ انتشر وعمّ، وبانتشار جريمة الزنى يَقلُ الراغبون في الزواج الحلال، ويكثرُ اللقطاء وتضيع الأنساب وتختلط وتنتشر الفاحشة وتشيع. والزنى يبقى هو الجريمة النكراء السوداء وأن غُلِفَ بتسمياتٍ في أيامنا كالمصاحبة والمصداقة والرفقة والمتعة وبنات الليل والهوى وغيره مما يخدع به الكثيرون من المسميات. وتعريف حقيقة الزنى غياب آلة الرجل أو جزء منه في فرج المرأة التى لا تحل له و ما دون ذلك من مقدمات الزنى لا شك في تحريمه لكنه ليس كالزنى بغياب الذكر في الفرج الذي هو من أكبر الكبائر والذي هو مُحرَمٌ بكل شرائع الأنبياء..!! نعم احذروا واحذروا وابتعدوا عن هذا الفعل الذي هو من خصال أهل الشر و الغدر والكذب والخيانة كلها تجتمع في هذه الفاحشة وهو ينزعُ الحياء ويذهب الورع ويخرمُ المروءة ويظلم نور القلب ويوقع في الفسق وفاحش الإثم وليس قبله في شدة الفحش إلا القتل والشرك برب العالمين، قال الله تعالى وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يَزْني الزَّاني حِينَ يَزني وهوَ مُؤمِنٌ، ومعناه لايفعل الزنى وهو كامل الإيمان بل هو واقع في الفسق والمعصية الكبيرة إذا لم يستحل هذا الفعل أما إن إستحل الزنى فقد وقع فيما هو أشد من الزنى وهو الكفر لأنَّ اعتقاد حِلَ الزنى ضدُ القرآن ومن عاندَ القرءان فحكمهُ الكفر.

فما أبشع التسرع في الكلام في مثل هذا بألفاظٍ فيها إستحلالُ الزنى واستحسانه كقول البعض عند ذكر الزنى (حلال على قلبك أو قولهم حلالا عليك) وما شابه هذه الألفاظ المستحسنة لجريمة الزنى، وهم يعلمون أن هذا مما حرم الله وأخبر في القرءان أنه من فواحش الذنوب أي من الذنوب الكبيرة الشديدة عند الله تعالى، فمن ابتلي بهذه الجريمة فليتُبْ إلى الله وإياه ثم إياه أن يزيد في الشر كأن يقول عن فعل الزنى أو مقدماته أنه حلال أو أنه معليش مستحسنا هذه المعصية التى حرمتها معلومة بين الناس!! فإنَّ من المعلوم بين الناس جميعهم حرمة ذلك ولا يخفى حكم الزنى لا على عامي ولا خاص من الناس في الغالب، فويل للمستحل لذلك ثم ويلٌ له..!!  وويلٌ لمن يفعلُ الزنى غير أن الفعل مع اعتقاد التحريم ذنبٌ كبير وفسقٌ، وأما اعتقاد الِحل أي القول بتحليله ولو بالمزاح فهو كفرٌ وتكذيبٌ لكلام الله تعالى فاحذروا !!  روي في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعلَ لله نِداً وهو خَلقَكَ، قلتُ: إنّ ذلك لعظيم. قلتُ: ثمّ أي؟ قال: أن تَقتُلَ ولدَكَ مخافةَ أن يُطعَمَ معكَ. قلتُ: ثمَّ أيّ؟ قال: أنْ تُزَانيَ حَليَلةَ جَاركَ، فليس بعد الكفر بالله وبعد قتل النفس أعظم من الزنى في الذنب عند الله.وإنما ذكر في الحديث حليلة الجار لأنه أشد في الحرمة حيث لم يراعي حدود الله ولا حق الجوار وإن كان في غير حليلة الجار حرام.

فيا أيّها المسلمون إتقوا الله في السِر و العَلن واذكروا أنكم ميتون وستحاسبون ولا يغرنّكم حالُ من حولكم من الناس من ألفِوا فعل الزنى هذا الذنب العظيم وهونوهُ على أنفسهم بألفاظ خفيفة كالصداقة والمعاشرة والصحبة والتعارف وغير ذلك!! وهو الزنى تنفرُ منه الطباع السليمة وهذا شىء ببديهة العقل معروف، هل يرضى الزاني هذا الفعل لأمهِ أو أخته أو إبنتهِ !؟ لا، لأنَّ الطباع السليمة تنفرُ من ذلك!! حرامٌ قطعاً بلا شك. والله تعالى أحلَّ الحلال لتؤتىَ البيوت من أبوابها فلم يحرم الله تعالى على العبد التلذذَ بما جَعلَ فيه من شهوة لكن ضمن حدود الشرع والعفةِ والطهارة لا تحتَ قانونِ البغاء واختلاط النُطَف في الأرحام والفجور والرذيلة والدعارة وما هو أشبه بالبهائم من كشف العورات وانحطاط القيم والأخلاق، الجؤوا للحلال المبارك واسعوا للزواج فهو أبّرك وأطهر وأمتَع وأحلى وأنفع وأستر وأصح وأنظف، وفي الزواج والتَمَتُّع بالحلال فسحة واسعة من المتعة واللذة وقضاء الشهوة فعلى أي شىء يُلجأ الى الحرام وأهله..؟ إتقوا الله في أنفسكم وفي بنات الناس وأعراضهم وإلا فالحرام إثمٌ وذلٌ في الدنيا وعذابٌ وندمٌ بعد الموت إن لم يتُب العبد منه أو يعفو الله تعالى عنه وقد قال بعضهم:

تَفنـَى اللـذاذةُ ممنْ نـالَ صَفوتهَا      مـنَ الحـرامِ ويبقىَ الخِـزيُ والعـَارُ

تبقىَ عواقبُ سـوءٍ مـنْ مغبتِـها       لا خَيـرَ في لـذةٍ مـنْ بَعـدِها النَـارُ

فيا من أغراك الشيطان وزين لك، وحركتك شهوتك لفعل جريمة الزنى تُبّ إلى الله واندَم على ما فعلت قبل فوات الأوان ، إرجع عن ذنبك واذكر قول الله سبحانه تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، فالله سبحانه وتعالى يبين في هذه الآيات أن تحصيل شهوة الفرج من غير ما أحل الله من زوجة أو ملك يمين هو عدوان وتعدي ليس من صفة المؤمنين، وأنَّ للإنسان في ما أحل الله ما يسدُ رغابته وشهواته.

الرسول صلى الله صلى عليه وسلم رغب في النكاح الحلال ووعد عليه بالجزاء الحسن الجزيل في الآخرة، فهو القائل صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري من حديث سهل بن معاذ: من يَضمن لي ما بينَ رجليه وما بين َلحييه أضمنُ له الجنة، فهذا وعدٌ بالجنة لمن صبر على ما حرم الله تعالى واختار مرضاة الله على معصيته وعذابه وعقابه، وحفظ فرجه ولسانه من الحرام، بل إنّ ديننا الحنيف لا يكتفي بتحذيرنا من قضاء شهوتنا بالحرام وتوجيهنا إلى ما أحل الله سبحانه من أزواجنا، لكنه يزيد على ذلك فيجعل الإنسان مأجورا وهو يقضي شهوته من الحلال، فهل هناك أسمحُ وأحفظ للناس أفرادا وجماعات من هذا الدين العظيم ؟!

يقول النبي صلوات الله وسلامه عليه وفي بِضعِ أحدِكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدُنا شَهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: أرأيتم لو وضعَها في الحرام أليس َكان يكون عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال يكون له أجر.

فالعجب كلُ العجب من عبد يترك الحلال وما فيه مرضاة الله إلى عذاب الله وسخطه، ومن راحة الآخرة إلى شقاء الدنيا والآخرة، بل يرفض أن يقضي شهوته مأجوراً مستوراً بالحلال وتكتب له الحسنات كلما أتاها إلى فاحشة محرمة بذيئة، وقد يكون مكاناً قذرا قد ولغ فيه الفُساق والفُجار والمرضى وحثالة القوم الخمارين الماجنين الأرذال السفهاء، أي عقل يقبلُ بهذا... ؟! وأيُّ فطرة ترضاه؟! والأعجبُ من ذلك أن يدفع مقابل هذا الرجس وهذه القذارة الأموال !! فلا حول ولا قوة إلا بالله!

فيا أيها الشباب والشابات عفّوا عن الحرام واستعينوا بالله واصبروا عن الحرام يُبارك الله لكم واستعينوا على ذلك بالمداومة على ذكر الله وخشيته وتذكر وعيده وعذابه لمن خالف أمره وارتكب ما نهاه عنه، فإذا مُلئ قلب العبد مخافة الله تعالى لم يجرؤ على الوقوع في الزنى. ولا شيىء أنفع و أسرع من الوصول للخشية من الله من سبيل العلم الشرعي، فعلمُ الدين هو الذي يجعل المرء أقرب للخشية لمعرفة الحلال والحرام، ومن هذه الأمور الواقية أيضاً والتي تحسم الأمر وتبعد الإنسان عن الكثير من غمّ النفس وقسوة القلب غض البصر عن المحرمات فالنظرة المحرمة باب قد يوصل للزنى، يقول الله سبحانه قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ ويدخل في هذا الغضّ في عصرنا البعد عن المثيرات البصرية والسمعية الموجودة على الفضائيات وما يعرف بشبكة الإنترنت وما في الهواتف الحديثة ونحوها، وما فيها من أمور تحرك أحاسيس الناس وتثير شهواتهم.

ومن الأمور الواقية أيضاً من شر هذه المعصية اللجوء للزواج، فالزواج حصن حصين يتحصن به المسلم فيكون معيناً له على الإبتعاد عن هذه الفاحشة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب، من إستطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاء والصوم كما هو مذكور في الحديث السابق نَصَحَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا يستطع الزواج بالصوم كمساعد في البعد عن هذه الفاحشة، أجارنا الله من الزنى وطرقه، والله نسأل أن يطهرَ القلوب ويعصمَنا من الزلل فإنّهُ لا يُبعِد من الشر إلا الله تعالى بعصمته، ولا مُعينٌ على الخير والتقوى إلا الله تعالى بعونه فإنه لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

والله أعلم وأحكم.