من كبائر الذنوب عند الله المماطلة بدفع الحقوق للناس ممن لا عذر له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِىِّ ظُلْمٌ). ومعنى المطل التأخير أي تأخير الغني الواجد للمال قضاء ما عليه من الدَّين. والمماطلة هي محاولة المديون أن يراوغ ويتهرب من صاحب الدين، بتأخير سداد حقه. وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم:« مَطْلُ الْغَنِىِّ ظُلْمٌ » فليس المراد هنا ( بالْغَنِىِّ ) أن يكون غنيا في الحقيقة، وإنما المراد كل من لك عليه دين، وعنده قدرة على أن يسدد ذلك الدين ولو كان ليس من الأغنياء ولكنه قادراً على السداد، فإذا كان قادرا على السداد، فهو الغني المقصود في هذا الحديث، قال الإمام النووي رحمه الله: “فإن المطل منع أداء ما استحق أداؤه، وهو حرام من المتمكن، ولو كان غنياً، ولكن من ليس متمكناً، جاز له التأخير إلى الإمكان أي يتمنع عن الوفاء، وهو غني قادرٌ على الوفاء لا يبادر بالوفاء إذا كان له قدرة، ولا يحل له أن يؤخر، فإن أخر الوفاء وهو قادر عليه؛ كان ظالمًا لأخيه الذي اقرضه وأما مطل غير الغني ، فليس بظلم ،ولا حرام ، لمفهوم الحديث ولأنه معذور، ولو كان غنياً ولكنه ليس متمكناً من الأداء ، لغيبة المال مثلاً أو لغير ذلك ، جاز له التأخير إلى الإمكان ومن صور المماطلة في أيامنا أنه كلما جاء صاحب الدين سوّفَهُ المدين، وقال لـه: سأقضيك دينك ، أنظرني يوماً ، أنظرني أسبوعاً ، أنظرني شهراً ، مع أنه قادر على أن يسدد حقه في الحال وسوف أعطيك وتعال يوم كذا ونحوه. وكل ذلك بعد حلول الأجل المتفق عليه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَىُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ». ومعنى يحل عرضه اي يجوز شكايته وعقوبته والتحذير منه لسوء قضائه وامتناعه عن أداء الحق لصاحبه ويحل أن يُذكر بين الناس بالمطل وسوء المعاملة ويحل عقوبته بالحبس والضرب ونحوهما فان الحاكم يفعل به ذلك زجرا له وحثا له وارغاماً على دفع الحق لصاحبه ومعنى "ليُ" أي إمتناع والذي يماطل بغير عذر فاسق مرتكب لذنب من كبائر الذنوب ،أما المعسر الذي استدان ثم أعسر عن الوفاء وليس بيده شيء يسد الدين ولا عنده شيء يباع ليسد الدين فينظر ويؤخر لوقت سقوط العسر قال الله تعالى:{ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ }، فالمعسر ينبغي أن يرفق به صاحب الدين فإذا علم صاحب الدين أن المديون عنده ضائقة، وأنه في حرج وعسر ترفق به ، ويسر عليه ، وهذا مـن أحب الأعمال إلى الله تعالى ، وأعظمها ثواباً أن يضع الإنسان عن المعسر ، أو يخفف عنه ، فمن فعل ذلك فقد ثقل ميزانه يوم القيامة بالحسنات ، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا ييسر على معسر ، ولا يسهل على ذي حُزْن إلا سهل الله تعالى على من فعل ذلك ، وأن من فعل ذلك فقد أعان أخاه المسلم ، ومن أعان المسلم أعانه الله ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم:( منْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)، والنبي صلى الله عليه وسلم دعا بالرحمة لمن كان سمحاً إذا قضى بمعنى أنه إذا أراد أن يسدد ديون الناس فإنه يكون يتسامح مع المعسرين ولا يضيق عليهم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( رحمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى).، فعلى العبد أن يتوب من هذا الذنب ويرد الحقوق الى أصحابها قبل الموت فان حقوق الناس يوم القيامة ياخذونها بالعدل حسنات من ميزان الظالم ، وجائت الاحاديث النبوية الشريفة بالتشديد على الوفاء بالدين وعدم إنتهاك تلك الحقوق أو الإخلال بها كقوله عليه الصلاة والسلام "من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلل منها، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات أخيه، فطرحت عليه، فطرح في النار". ،فالمبادر المبادرة بسرعة لرد الحقوق لأهلها والإستسماح منهم قبل فوات الأوان. والله أعلم واحكم.