كتمُ العلمِ الديني الواجبِ معَ وجودِ الطالبِ من كبائر الذنوب عند الله ،قال الله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)، روى ابن ماجه والحاكم وابنُ حبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«مَنْ سُئِلَ عن علمٍ فكتمهُ أُلجِمَ يومَ القيامةِ بِلِجامٍ من نار» واللجام هو مثلُ الذي يوضعُ في فم الفرسِ لكنه من نار، فتعليمُ العلمِ يكونُ في حالٍ فرضَ كفاية وفي حالٍ فرضَ عين، والأولُ محلهُ ما إذا كانَ يوجدُ أكثرُ من واحدٍ ممن تأهّلَ لذلكَ وتحصلُ بهم الكفاية، والثاني إذا لم يكن هناكَ غيرُ شخصٍ فلا يجوزُ في هذهِ الحالِ أن يُحيلَ المُفتي الأهلُ أو العالمُ الذي هو أهلٌ سائلهُ إلى غيره. ومَن تعلَّمَ علمَ الدينِ الضروريَّ ثم نسيَ بعضهُ بحيثُ لو حصل معهُ أمرٌ يحتاجُ فيهِ للعلم الضروري لا يعرف حكمهُ يجبُ عليهِ استعادةُ تعلُّمِ ما نُسيَ. فينبغي لطالبِ العلمِ الذي أخذَ العلمَ من أهلهِ أن ينشرهُ لقوله تعالى:(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)، ولحديثِ أبي بكرة في الصحيحينِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خُطبته بمنى «ألا لَيُبلِّغَنَّ الشاهدُ منكم الغائبَ فلعلَّ من يُبلغهُ يكونُ أوعى لهُ من بعضِ من سمعه» وقوله صلى الله عليه وسلم:(بلّغوا عني ولو ءاية)، رواه البخاري. وروى البيهقي عن الحارثِ المُحاسبي أنه قال: العلمُ يورثُ الخشيةَ والزهدُ يورثُ الراحة، والمعرفةُ تُورثُ الإنابة وروى عن مالك بن دينار أنه قال إذا طلبَ العبدُ العلمَ ليعملَ به كسرهُ علمه [أي ليَّنَهُ وهذّبهُ وزادهُ تواضعًا] وإذا طلبهُ لغيرِ العملِ زادهُ كِبرًا. وروى عن معروف الكرخي أنه قال " إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا فتحَ عليهِ باب العملِ وأغلقَ عليهِ بابَ الجدلِ"، وإذا أراد الله بعبدٍ شرًّا أغلقَ عليهِ باب العملِ وفتحَ عليهِ باب الجدل» والمرادُ بالجدلِ هنا الجدلُ المذمومُ كالذي يجادلُ الناسَ بغير حق ليُحقَّ الباطلَ أو ليُبطلَ الحق أو يجادلُ ليعظّمهُ الناس. وروى عن الحسن البصري رحمه الله أنه مرَّ عليهِ رجلٌ فقيل هذا الفقيهٌ فقال أوَ تدرونَ من الفقيه إنما الفقيهُ العالمُ في دينهِ الزاهدُ في دنياهُ القائمُ على عبادةِ ربه. وروى عن مالك بن دينار أنه قال: "قرأتُ في التوراةِ إنَّ العالمَ إذا لم يعمل بعلمِهِ زلَّتْ موعظتهُ من القلوبِ كما يزلُّ القطرُ عن الصّفا" أي الحجر الأملس. قال الفقهاء: يجبُ وجودُ عالمٍ يصلُحُ للفتوى في كلِّ مسافةِ قصرٍ وقاضٍ في كل مسافةِ عدوٍ أي نصفِ مرحلةٍ. والمرحلةُ مسيرةُ يوم مع حسابِ الاستراحةِ للصلاةِ والأكلِ ونحو ذلك باعتبارِ سير الإبلِ المحملةِ أو سيرِ الأقدام. وذكر الغزالي أنهُ يجبُ وجودُ عالمٍ يقومُ بالردِّ على المُلحدينَ والمُشككينَ في العقيدةِ بإيرادِ الشُبهِ في كل بلدٍ ويكونُ ذلكَ العالمُ عارفًا بالحججِ النقليةِ والعقليةِ، وذلك هو علمُ الكلامِ الذي عُرفَ به أهل السنةِ ليسَ علمَ الكلامِ الذي عندَ المبتدعةِ المشبهةِ وغيرهم من أهلِ البدع الاعتقاديةِ كالمعتزلةِ لأنهم ألفوا كُتبًا عديدةً أوردوا فيها شُبهًا عقليةً وتمويهات بالنصوصِ الشرعيةِ ليغرّوا بها القاصرينَ في الفهمِ.