الله تبارك وتعالى جعل نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم عظيماً في كل شىء حتى في عشرتهِ مع أزواجه أمهات المؤمنين المباركات رضي الله عنهنَّ ، فلقد فكان صلى الله عليه وسلم لهنَّ زوجاً مُحباً عادلاً نصوحاً رحيماً شفوقاً بنسائه مع تعددهنَّ واختلاف أعمارهنَّ وأنسابهنَّ ، فأحبُّوه حبًّا مَلك وملىء عليهنَّ أفئدتهم رضوان الله عليهنَّ، فهو النبيّ المُربي والمعلم والزوج العادل عاش مع أزواجه صلوات ربي وسلامُه عليه حياةً كانت مِلؤهُا المَودة والرحمة والإحسان والسعادة والهناء، ولقد ضرب النبيّ صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حياته مع أزواجه اللواتي عشنَّ معه أياماً وليالي سعيدة، وروينَّ من شمائله وسيرته وحكمته وهديه الخصال الحميدة، وحسن المعاشرة، وعظيمَ الأخلاق، وكان تعامله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته بالرحمة والحب والودِّ والوفاق والعطف والسكينة، ويتعامل أيضاً معهنَّ أنهُ بَشرٌ جعلَ الله فيه ما جعل في الرجال من المَيل الطبعي للنّساء لكن من غير غَفلةٍ ولا تَقصيرٍ في الدعوة إلى الله أو العبادة، ومن هنا كان الحديث النبوي الشريف:"حُبِبَ إليَّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرةُ عيني في الصلاة " معناهُ الله جعل الميلَ في النبيّ للنساء والطيب وهي من دنياكم أنتم أي فيما يشغلكم ولا يشغله ولا يتعلق قلبُ النبيِّ بها. وفي مَيلهِ ورغبته عليه الصلاة والسلام في النّساء ليس لمجرد شهوةٍ يقضيها فحسب، بل كنَّ يَنقلنَّ عنه من تعاليم الشريعة ما لا يطلعُ عليه الرجال من أحواله ويُستَحيا من ذكره والسؤال عنه كأحكام الغسل والحيض والنفاس والعدة والعشرة و يذكرنَ ما رأينَّ من حكمته وفعله داخل الحُجرات وفي الليل وما شابه ذلك مما استفاضت الأحاديث المروية عن نسائِه رضوانُ الله عليهنَّ أجمعين، ولقد أخبرت السيدة عائشة رضي الله عنها حالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل بيته كزوج، فقالت كان " يَخْصِفُ نَعلَهُ أي: يُصلحه، "وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ". وهذا ليس معناه أن أزواجه كنَّ يَترُكنَهُ بلا خدمة بل كُنَّ متسارعاتٍ في خدمته ولكن يبادر في ذلك من تواضعه صلوات الله وسلامُه عليه، ولما قيلَ لعائشة رضي الله عنها ما يَصنعُ النبيّ في بيتهِ؟ قالت كان في مِهنَةِ أهله ِ(يُعينهم في الخدمة) فإذا حضرت الصلاة خرجَ إلى الصلاة" فانظر إلى عظيم تواضعه وإعانتهِ لأهلهِ في أمر البيت مع علو شأنهِ ورفعةِ قدرهِ بل كان في المودةِ والأنسِ يُدخل السرور على أزواجه ويلاطفهم ويشارك زوجاتهِ رضي الله عنهنَّ المأكلَ والمشرب من نفس الإناء أحياناً، عن عائشة قالت:« كنتُ أشربُ وأنا حائضٌ ثم أناولُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيَضعُ فَاهُ على موضع فيَّ، فيشرب، وأتَعَرّقُ الْعرقَ وأنا حائض – أي أنهشُ اللحمَ عن العظم -، ثم أناوله النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيضع فاهُ على موضع فيَّ. وكانَ صلى الله عليه وسلم يَغتسلُ مع إحداهنَّ من نسائه من إناءٍ واحد، وربما اغتسل بما تبقى من الماء الذي تركتهُ إحداهنَّ بعد غُسلها، ذكرت أم سَلمَةَ رضي الله عنها أنها كَانَت هيَ ورسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلَانِ فِي الإِناءِ الواحد، من الجنابة. وعن أم المؤمنين مَيْمُونَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هي وَالنَّبيّ صلى الله عليه وسلم في إِنَاءٍ وَاحِدٍ. وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَت: كنتُ أغتسلُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد، فيبادرني حتى أقول: دَعْ لِي! دَعْ لِي! قَالَتْ: وَهُمَا جُنُبَانِ. وكان من مَحبتهِ صلى الله عليه وسلم لزوجاتهِ وحسن معاشرتهنَّ أنه لا يَنفرُ منهنَّ حتى وإن كنَّ في زمن الحيض، وكان يقول في ذلك لأصحابه صلى الله عليه وسلم: "أصنعوا كلَ شئٍ إلاّ النّكاح" أي لامسوهنَّ في وقت الحيض وكلوا معهنَّ وناموا بفراشهنَّ ولا تمنعوهنَّ من شئ إلا ما ذُكر في الحديث، فعن أم سَلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: بينما أنا في الخَميلة (نوعٌ من الثياب) قالت: إذا حِضْتُ فانسَللتُ فأخذتُ ثياب حيضتي فقال لي رسول الله: أنفِسْتِ ( أي حِضتِ) قلتُ: نعم ، فدعاني فاضجعتُ معهُ في الخَميلة، فانظر لفعل النبيّ من إدخال زوجتهِ وهي حائضٌ في الغِطاء معه ومعاملتهِ لها بالودِّ والعطف والرأفة، وعن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ناوليني الخِمرة ( سجادة بقدر ما يُسجدُ عليها المصلي)، فقلت إني حائض فقال: "حيضَتُكِ ليستْ في يَدكِ " معناه بدنكِ طاهر لاعلاقةَ لحيضكِ بسائرِ البدن، وعن عائشة رضي الله عنها قالت كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَّكِئُ فِي حجرِي وَأَنَا حَائضٌ ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ. وكان صلى الله عليه وسلم يُحدثُ نسائهُ ويستمعُ لحديثهنَّ تودداً وملاطفةً، روت عائشة رضي الله عنها قالت قال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم إني لأعلمُ إذا كنتِ عني راضية وإذا كنت عليّ غضبى. قالت. فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنتِ عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد! وإذا كنت غضبى قلت: لا. ورب إبراهيم! قالت قلت: أجل. والله! يا رسول الله! ما أهجر إلا اسمك» وفي كلام عائشة لا أهجر إلا إسمك أن محبتك لا تفارق القلب، وكان يتسابق أثناء سفره مع بعض نسائه ويتودد إليها ويلاطفها ويداعبها وذلك لأنه كان جميل العِشرة دائمَ البشر قالت السيدة عائشة رضي الله عنها:" سَابقني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فسبَقتهُ وذلك قبل أن أحمل اللحم (أي سمنتُ وزادَ وزني)، ثم لما حمِلتُ اللحم سابقتُه فسبَقني فقال:هذه بتلك! فهذا رسول الله مع قدرهِ العالي ومقامه السامي وكثرة همومه مع ذلك كان يُلاطف نسائه ويعاشرهنَّ بالمعروف ليضربَ لنا مثلاً بنفسه عليه الصلاة والسلام في معاملة الرجل زوجاته. وكان صلى الله عليه وسلم يسمع من نسائه طرائف الأخبار فيفرح قلوبهن بأنسه وسماعه لهنَّ فقد حدثته عائشةُ رضي الله عنها بحديث أم زَرع الطويل، وفيه أنَّ إحدى عشرة امرأةً تعاهدنّ في ليلة وتعاقدنَّ على أن لا يكتمنَّ من أخبار أزواجهنَّ شيئًا، فوصفت كل واحدة منهن زوجها، فكانت أحسنهنَّ وصفًا لزوجها وتعدادًا لنعمه عليها زوجة أبي زَرع، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة بعد أن استمع لكلامها: " كُنتُ لك كأبي زَرع لأمِّ زَرع" وكان عليه الصلاة والسلام يحفظ العهد والعشرة لزوجاته وكانت خديجة رضي الله عنها هي أول من صدقته وآمنت به، وواستهُ بمالها فما نَسيَ عليه الصلاة والسلام فضلها، فوفىَ لها في حياتها وبعد موتها فكان يذكرها، ويتعاهد بالهدايا صواحبها حتى غارت عائشة رضي الله عنها منها وهي لم ترها، قالت عَائِشَةَ رضي الله عنها: عنها رضي الله عنها أنها قالت: "ما غِرتُ على أحدٍ من نساء النَبيّ صلى الله عليه وسلم ما غِرتُ على خديجة وما رأيتها ولكن كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة...؟ فيقول: " إنّها كانت وكانت وكان لي منها ولد " وذات مرة ذُكرت خديجة رضي الله عنها فقال صلى الله عليه وسلم في خديجة " إني قد رُزِقْتُ حُبَّهَا "، وكانت أختها هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها إذا استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم عَرَفَ استِئذَانَ خَدِيجَةَ فَارتَاحَ لِذَلِكَ وقال:" اللهمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ"، وما اقتصرَ وفاؤهُ عليه الصلاة والسلام على خديجة رضي الله عنها وحدها بل شملَ نساءه كلهنَّ رضي الله عنهنَّ، وكان صلى الله عليه وسلم يُنادى زوجاته ويخاطبهنَّ برقيق العبارات، وحلو الكلام فكان ينادى أحياناً على عائشة رضي الله عنها يا عائش، تدللاً وزيادة في المحبة، فعن عائشة رضي الله عنه. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا: " يا عائش هذا جبريل يقرئكِ السلام"، وكان يناديها أحيانًا يا حميراء، وهو تصغير حمراء، وهي البيضاء المشوبة بالحمرة. وكما كان صدره عليه الصلاة والسلام رحبًا مع نسائها كذلك كان خلقه سمحًا وطبعه ليّنًا معهنَّ، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: " خيركم خيركم لأهلهِ وأنا خيركم لأهلي" وفي هذا الحديث عظيم وصيته صلى الله عليه وسلم بالمرأة والخير إليها فهو خيرُنا بل هو خيرُ النّاس ومع ذلك مدح نفسه أنه كان خيرأ لأهلهِ ومن أراد الخيريّةَ فمعيارها بهذا الحيدث أن تكونَ خيراً لأهلكَ ومنهم زوجتكَ بمودتها وحسن عشرتها بالمعروف وحبها الحب الذي يليق بها، والخير العميم في الأخذ بالزوجة الى التقوى والبر وحثها على فعل الخيرات كتعلمِ الدين والإكثار من ذكر الله تعالى.

فعلى المؤمن التأسي بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وسلوك منهجهِ، وتعلمِ طريقته، قال الله تعالى: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا. وروي في تفسير قول الله تعالى: وعَاشروهنَّ بالمعَروف أي طيبوا أقوالكم لهنَّ وحسنوا أفعالكم معهنَّ، نسألكَ اللهمَّ حُسنَ الإقتداء بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

.