قال الله تعالى: (( وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ))، أيام الله تعالى تشمل نعمه سبحانه في خلقه، وعذابه وانتقامه من الجبابرة في القرون الأولى. والعاشرِ مِنَ المُحَرّمِ مليءٌ بالخيراتِ والفضائلِ والحوادِثِ والصبرِ والعبر والدروسِ، قيل في التواريخ في يومِ عاشوراءَ تابَ اللهُ على النبيّ ءادمَ عليهِ السلامُ، وفي يومِ عاشوراءَ نَجّىَ اللهُ سَيدَنا نوحًا عليهِ السلامُ وأنزَلَهُ مِنَ السفينةِ منصوراً بالمعجزة العظيمة ان أغرقَ اللهُ الطغاة ونجىَ نوحاً ومن معه ، وفي يومِ عاشوراءَ أنقذَ اللهُ سيدَنا إبراهيمَ عليهِ السلامُ منَ النّمرودِ الذي كان طاغية جباراً عنيداً أرادَ أن يُحرقَ نبيَّ الله إبراهيم فسلمهُ اللهُ ونجاه ، وفي يومِ عاشوراءَ رَدَّ اللهُ سيدَنا يوسُفَ على أبيه سيدِنا يعقوبَ عليهما السلامُ بعد غيابٍ طويل، وفي يوم عاشوراءَ نصرَ وأظهرَ اللهُ سيدَنا موسَى على فرعونَ الطاغيةِ الظالِمِ وفَلَقَ اللهُ لسيدِنا مُوسَى ولبَنِي إسرائيلَ البحْرَ معجزة من الله تعالى، وفيهِ أُخرِجَ سيدُنا يونُسُ عليهِ السلامُ منْ بطنِ الحوتِ بمعجزة من الله ، وفي يوم عاشوراء كُشِفَ ضُرُّ سيدِنا أيوبَ عليهِ السلامُ وعافاه الله من البلاء بعد سنين طويلة، وفي العاشر من شهر محرم في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام حصلت غَزْوَةُ ذاتِ الرِّقاعِ، وفي يومِ عاشوراءَ وكان يوم الجمُعَةِ في سَنَةِ إحدى وستينَ مِنَ الهجرةِ كانتِ الفاجعَةُ التي ألَمَّتْ بالمسلمينَ والمصيبة التى حلّتْ على الأمة الإسلامية بِمَقْتَلِ سِبْطِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ، بِمَقْتَلِ أبي عبدِ اللهِ الحسينِ بنِ عليٍّ حفيدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلّمَ إبنِ بِنْتِهِ فاطمةَ رضيَ اللهُ عنهما على أيدِي فئةٍ ظالِمَةٍ فماتَ الحسينُ شهيدًا وهوُ إبنُ سِتٍّ وخمسينَ سَنَةً ، ولا يرتاب مسلم ولا يشك مؤمن أن مقتله رضي الله عنه وأرضاه كان ظلمًا وجورًا وعدوانا، ولاشك أن قتله مصاب جلل ومصيبة عظيمة، وهوَ الذي قالَ فيهَ جَدُّهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ وفي أخيهِ: "الحَسَنُ والحُسَيْنُ سيّدا شبابِ أهلِ الجنّةِ " رواهُ الترمذيُّ وأحمدُ والطبرانِيُّ . وقالَ عليه الصلاة والسلام : " حُسَيْنٌ منّي وأنا مِنْ حُسَيْنٍ " أيْ محبّتي لهُ كاملةٌ ومحبّتُهُ لي كاملةٌ، ففي عاشوراء مناسبات عظيمة بدأت بتوبةُ ءادمَ عليهِ السّلامُ ، نتعلم منها أحكامًا عديدةً منها: أنّ ءادمَ عصَى ربَّهُ بأكْلِهِ منَ الشجَرَةِ وكانَ ذلكَ قبلَ أنْ تَنْزِلَ عليهِ النبُوّةُ والرسالةُ لأنهُ إنما نُبِّىءَ بعدَ أنْ خَرَجَ مِنَ الجنّةِ ، وهذهِ المعصيةُ ءادمُ تابَ منْها، يقولُ اللهُ تعالى: { وَعَصَى ءادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى }. ولا تُعَدُّ تلكَ المعصيةُ معصيةً كبيرةً لأنّ اللهَ حَفِظَ الأنبياءَ منَ الوقوعِ في الكفرِ وفي المعاصي الكبيرةِ وفي المعاصي الصغيرةِ التي فيها خِسَّةٌ ودناءةٌ، فهذهِ المَعصيةُ التي وَقَعَ فيها ءادمُ عليهِ السلامُ ليستْ كُفرًا ولا كبيرةً ولا صغيرةً فيها خِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ ، يقول الله تعالى:{ فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ، ورُوِيَ عنْ مجاهدٍ قال الكلمات هي: " اللهمّ لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَكَ وبِحمدِكَ ، ربِّ إني ظلمْتُ نفسي فاغْفِرْ لي إنكَ خيرُ الراحمينَ ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَكَ وبِحمدِكَ ، ربِّ إنِّـي ظلَمتُ نفسي فتُبْ عَلَيّ إنّكَ أنتَ التوّابُ الرّحيمُ " ..فإن أسْرَفْتَ على نفْسِكَ بالذنوبِ والمعاصي سارِعْ إلى التوبَةِ وخذِ العِبَرَ مِمّا حصَلَ في عاشوراءَ وتذكَّرْ توبةَ ءادمَ وتذكَّرِ الكلماتِ التي قالَها ءادمُ عليهِ السّلامُ وتَفَكّرْ بِمعاني الكلماتِ التي قالَها ءادمُ عليهِ السّلامُ، قالَ : " لا إلهَ إلا أنْتَ سبحانَكَ وبِحمْدِكَ "  نَفَى الألوهيةَ عمّا سِوى اللهِ وأثبَتَها للهِ وحدَهُ ، قالَ: " لا إلهَ إلا أنتَ " أي إلا الله،  ثُمّ نَزّهَ ربَّهُ عنِ الشبيهِ والمثيلِ والمكانِ وصفاتِ الْخَلْقِ قالَ : "سُبحانَكَ وبِحَمْدِكَ " أي أنزهك يارب حامداً لك واصفاً الله بالصفات الجميلة التى تليق به غير مُشبهٍ لله بخلقهِ ولا صفاته تشبه صفات أحدٍ من مثل هذا التسبيح أي التنزيه، ثم تذلّلَ للهِ نِهايةَ التذَلّلِ طالبَاً المغفرةَ مِنَ اللهِ سبحانَهُ وتعالى: " ربِّ إنّي ظلمتُ نفسِي فاغفِرْ لي إنّكَ خيرُ الراحمينَ ، ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي فَتُبْ عليّ إنكَ أنتَ التوّابُ الرحيمُ ". وروىَ البيهقيُّ بإسنادِهِ عنْ عُمَرَ بنِ الخطّابِ رضيَ اللهُ عنهُ أنهُ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ : " لَمّا اقترفَ ءادمُ الخطيئةَ قالَ "يا ربِّ أسألُكَ بِحَقِّ محمّدٍ إلا مَا غَفَرْتَ لِي فقالَ اللهُ ( وهو أعلم لا شك بما سيجيب سيّدنا ءادم عليه السلام ) فقالَ اللهُ فكيفَ عَرَفْتَ محمّدًا ولَمْ أخْلُقْهُ بعدُ ؟ فقال: يا ربُّ لأنّكَ لَمّا خَلَقْتَني بِيَدِكَ ( أي بعنايتك ) ونَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ ( أي الروح المُشَرفة عندكَ أيّ أمَرتَ المَلَكَ أن ينفُخَ فيَّ الروح ) قال : رَفعتُ رأسي فرأيْتُ على قوائِمِ العرْشِ مَكتوبًا لا إلهَ إلاّ اللهُ محمّدٌ رسولُ اللهِ فعَلِمْتُ أنّكَ لَمْ تُضِفْ إلى إسْمِكَ إلا أحَبَّ الْخَلْقِ إليْكَ "، ولْيُعْلَمْ أنّه ليسَ معنى قولِهِ "بيدِكَ" أنّ اللهَ موْصوفٌ بالجارِحَةِ كَيَدِ الإنسانِ إِنّمّا الله مُنَزّهٌ عنِ الجسْمِ  وعنْ صفاتِ الجسمِ ، ولْيُعْلَمْ أيضًا أنّ نبيّ الله ءادمَ عليهِ السلامُ لهُ فضلٌ كبيرٌ على البَشَرِ لِما لَهُ عليهِمْ مِنْ حقِّ الأبُوّةِ وتعليمِ أصولِ المعيشةِ، فلا يجوزُ تنقيصُهُ أو وصفه بصفة لا تليق به عليه السلام، فمنْ نَقّصَهُ أوْ أنْكَرَ نبوّتَهُ أو رسالتَهُ فهوَ كافرٌ والعياذُ باللهِ ولأنه نبي ورسول من الرسل الكرام ، فلوْ كانَ الأمرُ كما ظَنّ بعضُ الناسِ أنّ ءادمَ لَمْ يكنْ رسولاً لساوى البشرُ البهائِمَ ولكانتْ ذرِّيتُهُ في زمانِهِ  تعيش كالبهائِمِ بلا شريعةٍ والعياذُ باللهِ وهذا خلاف الذي كان ، كيفَ عَرَفُوا بِجوازِ أنْ يتزَوّجَ الأخُ منْ أختِهِ منَ البطنِ الثاني ؟ أليسَ بالشّرْعِ الذي نَزَلَ على ءادمَ ؟ بلى، فحَوّاءُ عليها السلامُ كانتْ تلدُ في كلِّ بطنٍ ذكرًا وأنثى فكانَ يجوزُ للأخِ أنْ يتزَوّجَ منْ أختِهِ منَ البطنِ الثاني لأجلِ كَثْرَةِ التناسُلِ، أمّا مِنْ نفسِ البطنِ فلا يجوزُ فكيفَ عُرِفَ هذا ؟ أليسَ بالشريعةِ التي أُنْزِلَتْ على ءادَمَ ؟ بلَى. ويوم عاشوراء يسن صيامه تطوعا، لِما ورَدَ عنْ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ في ذلكَ مِنْ أنّهُ صامَهُ وأمرَ بصيامِهِ وقال:" لئنْ عِشْتُ إلى قابلٍ لأصومَنّ التاسعَ " أيْ معَ العاشِرِ. ولا بأس بصيام يوم التاسع والعاشر والحادي عشر احتياطا وتقربا إلى الله تعالى ففي صحيح مسلم أن رجلا سأل رسول الله عن صيام عاشوراء فقال: " أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " والنبيّ صلى الله عليه وسلم صامَهُ شكراً لله لما هاجر إلى المدينة ورأى اليهود يصومون هذا اليوم فرحاً بنجاة موسى قال: "أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصَوْمِهِ".