الإسراء والمعراج من أعظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُوكانت هذه المعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد شدة شديدة، وأذىً من المشركين وقد هيئه الله لذلك فارسل الله اليه ملك من الملائكة شق صدره، قال عليه الصلاة والسلام يخبر عن ذلك: " فاستخرج قلبي ثم أُتيت بطست من ذهب مملوءة إيماناً، فغُسل قلبي ثم حُشي ثم أعيد" أخرجه الشيخان. فلما غُسل قلبه بماء زمزم، وحُشي إيماناً وحكمة، نقله الله تعالى بقدرته به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء بروحه وجسده صلى الله عليه وسلم، في حال اليقظة، كما دل على ذلك القرآن الكريم، وتواترت به السنة النبوية، راكباً البراق وهو دابة بين البغل والحمار ينتهي خطاه عند انتهاء بصرها فدخل المسجد الاقصى وجمع الله له إخوانه الأنبياء أحياء باجسادهم وصلى بهم إماما وذلك يدل على شرفه صلى الله عليه وسلم وأن الإسلام دين الأنبياء جمعياً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ثم أتى المرقاة وهو كالسلم له درج يرقى فيها، فصعد فيه النبي إلى السماء الدنيا، ثم بقية السموات السبع، فتلقاه في كل سماء ملائكتها ، ورأى في كل سماء من الانبياء بَدءاً بآدم، فيحيى وعيسى، فيوسف، فإدريس، فهارون، فموسى، فإبراهيم عليهم الصلاة والسلام. وسلّموا عليه ورحبوا به، ثم وصل الى سدرة المنتهى، وقد وصفها عليه الصلاة والسلام فقال: " ثُمَّ رُفِعَتْ لي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فإذا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ وإذا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ قال هذه سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى " رواه البخاري. ورأى هنالك جبريل على صورته وله ستمائة جناح، قد ملأ ما بين السماء والأرض، قال الله تعالى:( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى / فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى)، تدلى جبريل عليه السلام إلى محمد و دنا منه فرحا به ، وليس الأمر كما يفتري بعض الناس أن الله تعالى دنا بذاته من محمد فكان بين محمد وبين الله كما بين الحاجب والحاجب أو قدر ذراعين لأن إثبات المسافة لله تعالى إثبات للمكان وهو من صفات الخلق، أما الخالق فهو موجود بلا كيف ولا مكان، لا يكون بينه وبين خلقه مسافة، فلا يجوز إعتقاد القرب المكاني الذي هو قرب المسافة في حق الله تعالى، وإنما يمتاز العرش وما يليه من السماوات بكونه مسكن الملائكة الذين  لا يعصون الله ما أمرهم وبفضائل أخرى، أما بالنسبة إلى ذات الله فليس العرش قريبا من الله بالمسافة فقوله تعالى:( وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَى / عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى )، أي اجتمع مرة ثانية بجبريل هناك، لأن جبريل لا يتجاوز سدرة المنتهى، وأما الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه : " ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان قاب قوسين أو أدنى " فهذه الرواية طعن فيها بعض الحفاظ كعبد الحق وغيره، وقال بعضهم : ليس دنواً حسيا وإنما هو مزيد إكرام وتقريب في الدرجات، وأما حمله على الظاهر فكل أهل السنة يردونه بل يجعلون ذلك تشبيها لله بخلقه كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري ثم سار سيّدنا محمد وحده حتى وصل إلى مكان يسمع فيه صريف الأقلام التي تنسخ بها الملائكة في صحفها من اللوح المحفوظ ، ثم هناك أزال الله عنه الحجاب الذي يمنع من سماع كلام الله الذي ليس حرفًا ولا صوتًا فأسمعه كلامه . ففهم من كلام الله تعالى فرضية الصلاة وغيرها وفرض الله تعالى عليه هنالك الصلوات خمسين، ثم خففها إلى خمس رحمة منه ولطفاً بعباده، قال عليه الصلاة والسلام: "فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ على مُوسَى فقال بم أُمِرْتَ قال أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ قال أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي والله قد جَرَّبْتُ الناس قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا". وقوله فارجع إلى ربك فاسأله أي إلى المكان الذي أوحى الله فيه إليك وليس المراد مكان إجتمع به مع الله لأنَّ الله تعالى يستحيل عليه سكنى الأماكن فليس المقصود بالمعراج أن الرسول وصل إلى مكان حيث الله تعالى متحيز فيه لأن الله تعالى لا يجوز عليه عقلا التحيز في مكان والاستقرار فيه سواء كان المكان علويا أو سفليا إنما المقصود بالمعراج هو تشريف النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي طلب نبي الله موسى عليه السلام تخفيف الصلاة إلى خمس نفعٌ عظيم لأمة محمد بسبب موسى عليه السلام بعد موته بسنين طويلة واستدلوا به على نفع الأموات للأحياء. ورأى عليه الصلاة والسلام في رحلته تلك الجنة والنار وآيات كبرى وشاهد النبي صلى الله عليه وسلم في السماء الكثير من العبر والآيات والمواعظ والمعجزات التى فيها الدلائل والبراهين على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وسعة ملكه، وعظيم قدرته، فلم تكن إلا لتشريفه صلى الله عليه وسلم وإطلاعه على ملكوت العالم العلوي وليس المقصود الوصول إلى مكان ينتهي فيه وجود الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وفي الاسراء والمعراج  دليل على ثبات قلبه عليه الصلاة والسلام وشجاعته عقب هذه الرحلة المباركة من إخباره غيره بتفاصيلها، فهي رحلة في غاية الغرابة، وفيها من خوارق العادة الشيء الكثير، والعادة أن الإنسان إذا وقع له ما يستغرب أخفاه، لئلا يكون عرضة للتكذيب، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ من ثباته وشجاعته عقب هذه الرحلة المباركة أنْ أخبر عن رحلة أرضية قطع المسافات الطوال، وأعظم من ذلك يتحدث عن رحلة سماوية فيها من العجائب ما فيها، يحدث بها قومه بكل جرأة وثبات ففي مصنف ابن ابي شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به عدو الله أبو جهل ، فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزئ:هل كان من شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم ، قال: ما هو؟ قال: إنه أسرى به الليلة؟ قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، قال ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم، قال: فلم يره أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إذا دعا قومه إليه، قال أبو جهل: أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:نعم، فقال أبو جهل: هيا معشر بني كعب بن لؤى حتى قال: فانتفضت إليه المجالس، وجاءوا حتى جلسوا إليهما، قال: حدث قومك بما حدثتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إني أسري بي الليلة، قالوا: إلى أين؟ قلت:إلى بيت المقدس، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم، قال: فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا للكذب زعم". وفي رواية: "فضجوا وأعظموا ذلك، وصاربعضهم يصفق، وبعضهم يضع يده على رأسه تعجبا واستنكارا ، فقال المطعم بن عدي: كل أمرك قبل اليوم كان أَمَمَا-أي:يسيرا قريبا- غير قولك اليوم ، أنا أشهد أنك كاذب نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس نصعد شهرا، وننحدر شهرا، تزعم أنك أتيته في ليلة ، واللات والعزى لا أصدقك، وما كان هذا الذي تقول قط قالوا: "وهل تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذهبت أنعت، فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت، قال:فجيء بالمسجد وأنا أنظر، حتى وضع دون دار عقال أو عقيل، فنعته وأنا أنظر إليه قال:وكان مع هذا نعت لم أحفظه ،قال: فقال القوم: أما النعت فو الله لقد أصاب" وفي حديث آخرقال صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثله قط، قال: فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به" رواه الشيخان. ولقد ظهرت حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وبان صدقه ، ولكن المصدود عن الحق لن يؤمن ولو جاءته كل آية ، فانتقلوا إلى نوع آخر من البينات يريدونه "قالوا: يا مطعم ، دعنا نسأله عما هو أغنى لنا من بيت المقدس، يا محمد، أخبرنا عن عيرنا ؟ فقال: أتيت على عير بني فلان بالروحاء قد أضلوا ناقة لهم ، فانطلقوا في طلبها ، فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد ، وإذا قدح ماء فشربت منه فاسألوهم عن ذلك ؟ فقالوا: هذه و الإله آية، ثم انتهيت إلى عير بني فلان فنفرت مني الإبل ، وبرك منها جمل أحمر عليه جوالق مخيط ببياض لا أدري أكسر البعير أم لا فاسألوهم عن ذلك ؟ قالوا:هذه والإله آية ، ثم انتهيت إلى عير بني فلان في التنعيم يقدمها جمل أورق، وها هي ذه تطلع عليكم من الثنية فقال الوليد بن المغيرة ساحر، وانطلقوا فنظروا فوجدوا الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام فرموه بالسحر وقالوا صدق الوليد بن المغيرة فيما قال" وهكذا عادة المكذبين، يطلبون الأدلة والبراهين حتى إذا رأوها رأي العين كذبوا ولم يصدقوا  وصدوا عن الحق بحجج واهية شأنهم في ذلك شأن من أخبر الله تعالى عنهم بقوله تعالى: (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا) .

يا صاحبَ المعراجِ فوقَ المنتهى ** لكَ وحدَكَ المعراجُ والإسراءُ

يا واصفَ الأقصَى أتيتَ بوصفِهِ ** وكأنكَ الرسَّامُ والبنَّاءُ