تبرئة الأنبياء عما يقوله السفهاء

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين

الله تعالى حكيم عالم بأمور عباده وخلقه ومن حكمتة  تعالى أن أرسل للناس رسلاً مبشرين ومنذرين ليرشدوا الناس إلى مصالح ديناهم ودينهم ولأنَّ البشر لا يستطيعون معرفة الحلال والحرام بعقولهم فكان لا بُدَّ من إرسال الرسل  على مر العصور والقرون واختلاف الشعوب وكان لابد من خبر الوحي من الله في الأمور المتعلقة بالدين من تحريم وتحليل وما يحصل للناس بعد الموت والقيامة ونحو ذلك والله تعالى إصطفى الأنبياء والرسل من البشر فيهم الصفات البشرية من الحاجة للطعام والشراب والحياة والموت والتعب وغير ذلك والله تعالى حكيم ومن حكمته تعالى أن خص هذه الفئة من خلقه الأنبياء  بخصائص يميزون بها، فهم القدوة لغيرهم والأسوة الحسنة المتبعة فكانت هذه الصفات ضرورية لمن كان بمقام النبوة وعليه استنبط العلماء صفات قالوا لابد لكل مؤمن بالرسل والأنبياء أن يصفهم بها وهناك صفات لا تليق بمقام النبوة يجب تبرئة الأنبياء عنها وإن كانت تجوز على بني البشر إلا أن الأنبياء صفوة البشر المعصومون المنزهون الطاهرون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فيجب في حق الأنبياء جمعياً أنهم كلهم على دين واحدٍ هو الإسلام  قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وليس هناك أي خلاف بين معتقد الرسل جمعياً إنما جاء الفرق بينهم بالكتب والتشريعات التى كانت تنزل على كل نبي على حال معين وبلغة تختلف أحياناً عن الأخرى أما الأصل الدين الواحد والمعتقد الواحد الإسلام دين جميع الأنبياء وعلى هذا يجب تنزيه الأنبياء جمعياً عن  الوقوع في الكفر والشرك بأنواعه قبل النبوة وبعدها، قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ. فلم يعبد نبيٌ غيرَ الله تعالى قط، ولم يسجد نبيٌ لصنم ولا شكَّ في ربوبية الله فمذ خلقهم الله  تعالى على فطرة الإسلام حتى قبل النبوة كانوا على معتقد صحيح بالله تعالى انه الخالق الموجد للاشياء وأنه تعالى له الصفات العلية وأنه الله رب الخلق ولا يحتاج للخلق، ولا يشبه الخلق بصفة من الصفات.

والأنبياء هم خيارُ البشر وأحسنهم  من حيث النسب والمواهب  والقدرات التى جعلها الله في كل أنبيائه من صحة العقل وشدة الذكاء والفطنة القوية وإلا كيف يسوغ للأنبياء أن يجمعوا النّاس  ويوحدوا الشعوب  لولا أنَّ الله جعل في الأنبياء قوة القريحة والبديهة الحاضرة، واكتشاف الأمور والتبصر في العواقب والمجريات ولمّا امكنهم جمع الناس على دين واحد وهو الإسلام، كما جعل الله في أنبيائه عليهم الصلاة والسىلام  اللسان  الفصيح المبين، فكان كلامهم واضح جامع للمعاني مفهم معبر لالبس فيه، إذ أنَّ كلام الأنبياء تشريع وأحكام ومواعظ فليس من الحكمة أن يُرسل الله نبي أللثغ أوأرت عنده تحريف للكلم وإبدال الحرف بغيره أو لايُحسن التعبير أو لايفهم الناس ما أمره ربه به فلزم أن يوصف الأنبياء جمعياً بفصاحة اللسان وتبرئتهم عن كل عيب باللسان وما ذكر في القران في حق موسى عليه السلام من قول الله تعالى ((وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي)) ليس معناه أنَّ موسى كان يبدل الحروف ويتلعثم بالكلام لا بل هذا معناه أنَّ نبي الله موسى عليه السلام أصابه  في صغره وهو في بيت فرعون شى من جمرة نار مسها بلسانه فتأثر لسانه من غير تحريف للحرووف، وإلا كيف نقل عنه التوراة وهو كلام الله لو كان ثقيل النطق او يبدل الحرف؟ إنمّا كان به أثر خفيف بلسانه من تلك الحادثة، فدعا الله أن يذهبه منه قبل دخوله على فرعون فعافاه الله منه.

كما يجب وصف الأنبياء بقوة الحفظ والضبط  لما يوحي إليهم وهم يبلغون للناس ما أوحي إليهم، ولو وجد منهم الأمي الذي لايعرف القراءة والكتابة مع ذلك لا يتفلتُ منهم شىء مما أوحي إليهم ولايطرأ نسيان  على ما اوحي به أليهم، قال الله تعالى سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَىٰ كما أنه يستحيل على الأنبياء أن يحصل معهم سبق اللسان وهو إخراج كلمة بدلَ الأخرى خطأ، وهذا يحصل من غير الأنبياء وغير مؤاخذون به كقول الشخص مثلا: اللهمَّ أنت عبدي بدل قوله اللهمَّ أنت ربي،  خطئأ وسبق لسان وهذا معذور فيه الإنسان حتى هذا ممنوع في حق الأنبياء، الله عصمَ ألسنتهم حتى من هذا لأنه لو جازَ عليهم سبقُ اللسان  لأرتفعت الثقة بما يقولون ولقال قائلٌ عندما يبلغه قولُ نبي وما يُدرينا لعلَ هذا سبقُ لسان منه ؟ فلزمَ تبرئة الأنبياء من هذا كله.

وكذلك يجب للأنبياء الشجاعة في الأمور وعدم الجبن والخوف والهرب من تحمل مشاق الدعوة ومجابهة الطغاة والظلمة،  لأنَّ الله أرسلهم ليثبتوا الناس على الحق وليحاربوا أهل الباطل فلا يوجدُ في الأنبياء جبانٌ رعديد يخاف في الله لومةَ لائم،  وشجاعة الأنبياء مشهورة لايسع كتاب في حصرها وما في القرءان  كافٍ من ذكر أمثلة عن شجاعتهم ، فإبراهيم عليه السلام الذي وقف بوجه النمرود طاغية زمانه ومع ما أعدَّ له من العذاب من إلقائه في النار الحامية  ومع ذلك لم يتزعزع، وكذا موسى يقف بوجه فرعون أحد اكبر طغاة الدنيا ويحاربه ويقيم عليه الحجج ويقاتله هو ومن معه، والمسيح ابن مريم عليه السلام  يسيح في البلاد داعياً إلى توحيد الله وعبادته لايخاف ولا يتقاعص بحجة قوية وقلب ثابت حتى رفعه الله ولا يخفى على مسلم ما واجههُ النبي محمد عليه السلام مع صناديد قريش والأحزاب  والقبائل وكيف حاربهم ووقف في وجه ظلمهم وطغيانهم.  

وأنبياء الله نفوسهم جبلها الله على العفة ووصانها وعصمها من التلوث والوقوع في الرذائل والفواحش فلا تحصل من نبي أبداً سقطت في معصية من الكبائر والفواحش، كالزنا والقتل بغير حق أو كشرب الخمر والوقوع في الجرائم  الفاحشة وما أشبه ذلك، فلم يحصل من نبي زنا أو خساسة في رذائل متعلقة بالشرف والعفة وأمور النساء، لأنَّ الله تعالى جعلهم قدوة للأمم ، فلو تلوثوا بمثل هذا لكان حجة لمن بعدهم أن يقولوا النبي فعل فنحن نفعل، وما يذكر زوراً وبهتاناً عن النبي الصديق الطاهر يوسف بن يعقوب عليه السلام  من أنه زنا بإمراءة العزيز أو حتى باشر بمقدمة الفاحشة فبراءٌ من ذلك نبي الله يوسف وما ذكره الله في القرءان  فهو لتبرئتهِ وليس اتهمته بل هي المراءة أرادة الفاحشة ويوسف تمنع وذلك واضح في القرءان بشهادة المرءاة وغيرها على طهارته وبرائته وعفته وكيف يصفه الله بالنبي الصديق وما يذكر من خيانة من كان في بيته من الزنا بأهله لايقبل من أي إنسان عادي فما بالك بالنبي الطاهر الصديق ابن الصديق عليه السلام، فكنّ على معرفة  ويقين أنّ قصة يوسف في القرءان لبرائته وليس لتهمته ولتلجم أفواه المتنطعين الطاعنين بالرسل الكرام، فالأنبياء مبرؤون جميعهم من مثل ذلك، وقوله تعالى في حق يوسف: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ  وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ  كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ  إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين معناهُ همَّ بدفعها عنه حتى لاتفعل معه الفاحشة، فلا يوسف ولا غيره من إخوانه الأنبياء يليقُ أن يُنسب إليهم من نحو ذلك وكشرب الخمر مثلا لم يحصل من نبي قط كيف يضيعون عقولهم وهم أصحاب رسالة ودعوة وكلامهم حجة وتشريع، ألا يشك الناس في كلام متعاطي الخمر ويقولون لعل هذا في حالة السكر؟ فكيف ينسب هذا للأنبياء المطهرون وكل رذيلة ايضاً هم منزهون عنها فلا يختلسون نظراً لعورة أو يتجسسون على امرءة ونحو ذلك.

ولهم صفة الأمانة واجبة إذ أنهم جمعياً أمناء فيستحيل عليهم الخيانة في الحال والمقال وألسنتهم مبرئة من الكذب بتاتاً فلا تصدرُ منهم كذبة ، فهم يصدقون الناس بما يقولون وما ينصحون، والكذب صفة حقيرة لايُحبها النّاس ولا تكون في أنبياء الله الذين طهرهم الله وبرئهم الله من كل هذه الامور التى تحصل مع البشر ولكن الأنبياء هم خيار البشر والله رفع قدرهم فوق الكل فكانوا أحسن الناس في أخلاقهم وصفاتهم صلوات الله عليهم أجمعين.